|
كتب عمروبن العاص جواباً لمعاوية ردَاً على استفساره عن النسبة العددية لمعارضي حكمه في مصر . وجاء في كتاب عمروبن العاص ما مفاده : انهم (ولاة مصر) قد اخصوا كل المعارضين للحكم الاموي بقيادة معاوية بن ابي سفيان واراحوا البلاد والعباد من شرهم ومن نسلهم وذرياتهم مستقبلاً. تعجًب معاوية من كتاب عمروبن العاص، اذ لم يطلب منه سوى احصاء المعارضين لحكمه وليس اخصائهم. وبعد بحث وتمحيص تبين ان كاتب معاوية عندما كتب كتابه لعمروبن العاص طالباً منه الاحصاء سقطت سهواً من قلمه قطرة صغيرة من الحبر فوق الحاء فاصبحت خاءًً ونتيجة لتشكل حرف الخاء كان فحوى الطلب الاخصاء وليس الاحصاء. وألآن عزيزي القارئ الكريم: تأتي المحاصصة نتيجة لتبيان الاحصاء، وتعني المحاصصة التقسيم للحصص بأن يأخذ كل فريق حصته التي تحق له فيما اذا كانت هذه المحاصصة خاضعة للعدالة وللوضع الطبيعي السليم بحيث لا ينتج عنها الغاء لحصص وحقوق الآخرين والا صارت مخاصصة ليس الا. وبما ان محاصصتنا التي نحن عليها ليست عراقية صرفة, وليست بعيدة عن المؤثرات الخارجية وتدخل دول الجوار ودول القرار . فانها حتماً ستنتج مخاصصة (اي اخصاء الآخرين) كما فعلها عمروبن العاص استجابة لنقطة معاوية المغلوطة بدون تريث ووازع من ضمير. عزيزي القارئ الكريم : لا نحتاج الى كل ذلك الجهد والعناء لأكتشاف حقيقة المحاصصة المخاصصة الكبرى لدول الجوار والقرار ليس بالشان العراقي فحسب، بل بثروات وخيرات العراق، فهي واضحة وجلية من خلال ما كتبناه بالامس القريب حول ابتلاع الاردن وتنعمه بالنفط العراقي المحروم منه شعبنا المظلوم . واليوم يصرح نائب رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي في القاهرة بان العراق الذي يمتلك فائض بالميزانية قدره اكثر من سبعين مليار دولار يرحب بالاستثمارات الاجنبية، ويحث المصريين على الاستثمار بالعراق لبناء مساكن للمواطنين العراقيين، هذه المساكن التي حتماً ستسقط على رؤوس ساكنيها نظراً لآن الاخوة المصريين ضربوا ارقاماً قياسية في الابنية التي تسقط على رؤوس ساكنيها حتى وصلت حقيقتها الى الافلام والمسرحيات المصرية, وكأنما هذا ما كان ينقصه شعبنا العراقي اليوم (حتى تكمل السبحة). بعد ذلك صرح الاخ فوزي الحريري، وهوالوزير المرافق لعادل عبد المهدي، صرح بان العراق بحاجة الى مليون عامل مصري لبناء العراق . والتصريحان، سواء ما صرح به عادل عبد المهدي وفوزي الحريري مفعوليهما اخصائي وليس احصائي ويتصور من يستمع ويقرأ هذين التصريحين ان العراق خال من البطالة وان الايدي العاملة العراقية شحيحة,وان اصحاب رؤوس الاموال العراقية منهمكون باستثماراتهم ولا مجال لديهم لاستثمارات اخرى مما يستدعي جلب مستثمرين من خارج القطر . ولا ادري هل اقتطع الوفد الاقتصادي العراقي هذا، هل اقتطع من وقته لتفقد حال الرعايا العراقيين المقيمين في القاهرة هرباً من الاوضاع المزرية بالعراق أم لا وجود لمتًسع من الوقت لدى الوفد الموقر بسبب تزاحم الواجب ؟ (فيما اذا كان تفقد حال الرعية واجب؟) تزاحم هذا الواجب بواجب اكبر منه هوالمحاباة والمجاملة لمن جعل من خيرات شعبنا بقرة حلوب تدر اثدائها لبن لا ينضب للآخرين بالوقت الذي يحرم شعبنا من درها المعطاء. عزيزي القارئ الكريم : اوجه كلامي للسيدين عبد المهدي والحريري قائلاً لهما : ياسيد عبد المهدي : المعروف عنك انك قبل ان تصبح شيوعياً (من جماعة الكفاح المسلح) ثم انقلبت الى اسلامي مجلسي، قبل ذلك كله كنت بعثياً، وفي صبيحة الرابع عشر من رمضان المصادف يوم الجمعة الثامن من شباط من سنة 1963 حملت الرشاش (الغدارة) من ماركة بورسعيد المصرية الصنع ووقفت مع رفاق سلاحك البعثيين في قاطع الكرادة الشرقية للانقضاض على اول جمهورية بالعراق وزعيمها عبد الكريم قاسم. فاسألك بالله أن تأخذ العبرة من قتيلكم المغدور الزعيم عبد الكريم قاسم: لقد كان بامكان عبد الكريم ان يوكل مهمة بناء مساكن مدينة الفقراء، مدينه الثورة (الصدر حالياً) الى مقاول واحد (كبالة) دفعة واحدة والى بضع مقاولين . ولكنه آثر ان تبنى هذه المدينة بيد ابنائها الفقراء، فاعطى سند تمليك قطعة الارض الى المستضعف اضافة لاعطائه (دبل طابوق) ستة الاف طابوقة لكل قطعة ارض وعشرة اطنان من الاسمنت وفوق ذلك كله مائة دينار نقداً لكل صاحب قطعة ارض وجعله يتصرف كيفما يشاء في بنائه لمسكنه . ولما سؤل الزعيم عن السبب قال : اولاً ان هذه المدينة (ويقصد مدينة الثورة – الصدر) التي سيسكنها الفقراء هي مؤقتة ولمدة لا تزيد على العشرة سنوات ريثما يتم بناء مدن لهم ارقى واحسن وارفه منها . وثانياً تشجيع الايادي العاملة، فسيعمل لبناءها بنائون وحدادون ونجارون وزجاجون وصباغون ....الخ . ثالثاً: جراء هذه النهضة العمرانية والعمالية ستسري السيولة النقدية بايدي العمال والمهنيين فترفه عوائل وتنتعش الحالة الاقتصادية للبلد وللمواطنين. اما نصيحتي لك يا سيد الوزير فوزي الحريري: اذا اردت ان تحصل على المليون عامل فستجدهم في مدينتي الصدر والشعلة، ففي هاتين المدينتين المستضعفتين يوجد ما يزيد على المليون عاطل عن العمل كلهم يتمنون ان يحصلوا على قوتهم اليومي بشرف وبالحلال، وبذلك ستكون (مركتنا على زياكنا) كما يقول المثل الشعبي العراقي، والاقربون اولى بالمعروف كما تنص عليه الشرائع الدينية والمثل الاخلاقية . وانا هنا لا مصلحة لي في قطع ارزاق الاخوة العمال المصريين، فيشهد الله كم اتمنى ان يشبع عمال العراق ويستكفوا عن الحاجة من حلالهم وبعد ذلك فاهلاً وسهلاً بالعمالة العربية والاسلامية وكل المستضعفين، وبالاخص منهم العمال المصريين الذين تعودنا عليهم وتعودوا علينا ازمنةً واحقاباً. فلقد جاب العمال المصريين كل دول الخليج فلم يجدوا غير المذلة والمهانة الا في العراق حيث شعروا انهم بين اهلهم وذويهم فاهلاً وسهلاً بهم، ولكن بعد ان يشبع العراقيون ويكتفوا، فالمثل الشعبي يقول : الحجارة التي يحتاجها بيتك تحرم على الجامع .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |