د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

عزيزي القاريء إذا كنت قد اكتشفت الخطأ في عنوان المقالة فاعلم أنه خطأ مقصود، أما إذا كنت لا تجد خطئاً فيه فأنت أحد المعنيين بهذا العنوان، نعم أنت أحد الناطقين بالظاء، وهؤلاء الناطقون بالظاء صنف مستحدث من العرب، لأن العرب ناطقون بالضاد (أخت الصاد) لا بالظاء (أخت الطاء)، ولكن يبدوا بأن هؤلاء العرب الأقحاح غدوا قلة، وأخشى من انقراضهم ليصبح الجميع والعياذ بالله من الناطقين بالظاء.

من هو المسئول عن هذا التدهور اللغوي؟ وجهت هذا السؤال لأستاذة اللغة العربية في إحدى جامعات السعودية، وهي بالمناسبة شاعرة معروفة، فردت نحن السعوديون نلاقي صعوبة في التمييز بين الضاد والظاء، أما أنتم العراقيون فأحسن نطقاً، إذ تميزون بين حرفي الضاد والظاء، لذا أنتم لا تخلطون بينهما في الكتابة، وكنت سأفرح بهذا المديح للعراقيين لولا أني أقرأ بصورة منتظمة ما يكتبونه في صحفهم ومواقعهم الألكترونية ومحطاتهم الفضائية، وأعلم علم اليقين بأن الكثير منهم أصبحوا ناطقين بالظاء لا بالضاد، لا يستطيعون التفريق بين هذه وتلك، فإذا قرأت لأحدهم عبارة: ظل فلان فقد يقصد بذلك في قاموسه الخاص ضيع الطريق أي عكس اهتدى.

    أخشى أن يكون تحول بعض العرب، ومنهم العراقيون، إلى ناطقين بالظاء لا بالضاد مظهر من مظاهر التفريط بلغتنا العربية، ومن عادتنا إتهام قوى خارجية بالمسئولية عن كل ما لا نرضى عنه حولنا، فعندما كثر اللحن بين العرب بعد الإسلام ألقوا باللوم على اختلاط العرب بغيرهم من الأقوام، ويدحض هذا الافتراض حقيقة أن بعض أشهر اللغويين والنحويين في لغة الضاد هم من الفرس، والمبدعون في التأليف باللغة العربية من غير العرب كثيرون، لذا فليس من المقبول اليوم تبرير تهاوننا في تعلم واستعمال لغة القرآن الكريم بطريقة صحيحة بذرائع شتى، منها تعلم أبناءنا في المدارس لغات أخرى مثل الإنكليزية والفرنسية، كما ليس من المنطقي أن ينسى المرء لغة الأم بعد تعلمه لغة ثانية خاصة وأن تعليم قواعد اللغة العربية متواصل في مدارسنا.

عندما لا نجد غريباً نحمله جريرتنا نلتفت عادة إلى قادتنا، لأننا نفكر ونتصرف على أساس افتراض بأن كل القوة والعزة والقدرة للمتسلطين علينا بالحديد والنار، أما نحن الرعية فلاحول ولا قوة، فهل يكمن وراء ركاكة نطقنا وكتابتنا بلغتنا العربية هؤلاء الطغاة؟ لعل هؤلاء الحكام بالفعل أسوء قدوة لنا في استعمالهم للغتنا، فإذا كان رب البيت مثل الراحل الشيخ زايد آل نهيان سفاحاً للعريية الفصحى فلا غرابة تفضيل رعاياه للهنود على العرب في الوظائف، وكان الملك فهد يكثر من ترديد عبارة "نشكر الله على نعمة الأمن والآمان" لا ورعاً وتقوى ولكن لقلة المفردات العربية التي يتقنها، وهنالك في خطبه كوميديا أكثر من فلم سينمائي لشابلن، وفي أوائل الثمانينات اعترف الطاغية صدام حسين بجهله باللغة العربية، فأثناء القاءه خطاب في ملعب رياضي تلعثم وتخبط في الكلام، ثم ضحك ضحكته الصفراء متذكراً بأن إذاعة إيران تقول بأنه لا يتقن العربية، لعلها صادقة، هكذا قال، أو فيما معناه، ولعل ذلك كان أحد الدوافع التي جعلته ينتحل صفة الأديب، فيكتب الروايات، أو يكتتبها ويوحي لأعوانه بأنه كاتبها، ولقد طالت شرور صدام كل شيء في العراق، البشر والحيوان والشجر والجماد، واللغة بالطبع، ولعل أفحش جرائمه بحق الله ولغة العرب التي كرمها الله بالقرآن العظيم العبارة التي خطها بيده على علم العراق، أي "ألله أكبر"، فوضع الهمزة على الآلف، والهمزة ليست من أصل اسم الجلالة، ولا تدخل عليه إلا في القسم أو الدعاء، واقحام الهمزة على الآلف تحريف لاسم الخالق، فإن كان مقصوداً عد كفراً مثل تغيير الله إلى اللات، وإن كان عن غير علم فهو دلالة على جهل مطبق باللغة، وبقيت هذه العبارة النشاز على علم العراق، شاهداً على تفريطنا بلغتنا العربية، وبعد سقوط النظام توقعت تصحيحها من قبل قادة العراق الجدد، وغالبيتهم العظمى من خريجي المداس الدينية أو كليات اللغة العربية، لكنهم لم يفعلوا ذلك أما لجهلهم باللغة العربية أو لانشغالهم باصطياد المناصب وتثبيت مواقعهم وتوظيف أقاربهم ومحاسيبهم وزيادة رواتبهم ومخصصاتهم، ولم ترفع الهمزة من على الآلف في اسم الجلالة إلا في العلم الجديد، وإذا كان تغيير العلم العراقي قد أفاد في تصحيح عبارة الله أكبر فالعكس صحيح في تغيير اسم المجلس الأعلى، من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، والذي أخل بالمنطق الذي هو عماد اللغة الصحيحة، كما النحو والإملاء، ولا أدري كيف سولت عقول قادة المجلس لهم، وهم معممون ومتدينون، تقديم صفة الأعلى على الإسلامي أو حتى على العراقي، ويقتضي الترتيب الشرعي والوطني والمنطقي البدء بصفة الإسلامي تأكيداً على كون أساس التنظيم إسلامياً، والتثنية بصفة العراقي لأن الوطن هو جزء من الكل الإسلامي، والانتهاء بصفة الأعلى لأنها متعلقة بتنظيم المجلس لا بمبادءه وانتماءه، وهي بالتالي بالمرتبة الأخيرة من حيث الأهمية بين الصفات الثلاث.    

ربما يتبادر إلى ذهن البعض بأن كاتب هذا المقال استاذ باللغة العربية، قضى طيلة حياته في تعلم اللغة، والواقع هي أني لم أدرس اللغة العربية سوى خمس سنوات في الابتدائية، ثم انتقلت إلى كلية بغداد، ومن بعدها الجامعة الأمريكية في بيروت، لأختم دراستي في جامعة بريطانية، ولكني حاولت جهدي الحفاظ على لغتي العربية، فلم أفلح تماماً، كما تشهد على ذلك أخطائي النحوية والإملائية، ولكنها لم تنحدر بعد إلى مستوى الناطقين بالظاء.

ينقص العراقيون المعاصرون الكثير، فهم أحوج إلى الاستقلال من الهيمنة الأمريكية، وإلى الديمقراطية الحقة، وإلى الحريات، وإلى الخلاص من الطائفية السياسية، وإلى التخلص من مرتزقي السياسة ولصوص بيت المال والمرتشين والفاسدين ومزوري الشهادات، وهم أيضاً بحاجة ماسة للتنمية الشاملة، ولكن كثرة هذه الاحتياجات الضرورية لا يقلل من أهمية حاجتهم لصيانة لغتهم العربية وعدم التفريط بها، لأنها عنوان هويتهم الإثنية، ولغة الإسلام، ومن دون الإسلام والعروبة لا يكون العراقيون شيئاً مذكوراً.

_______

هامش: كتبت هذا المقال قبل قراءتي لخبر تدنيس الأمريكان المحتلين للقرآن الكريم، أما وقد سكت العراقيون على هذه الإهانة الكبرى لله ورسوله فأقول لهم سيان عندي إن حافظتم على لغتكم أم فرطتم بها. 

    

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com