|
المجتمع الدولي مطالب بالضغط لتحريم إستخدام القنابل العنقودية
د.كاظم المقدادي/أكاديمي وباحث بيئي عراقي مقيم في السويد في التاسع عشر من الشهر الجاري بدأ أعماله في العاصمة الايرلندية دبلن المؤتمر الدولي للتداول بشأن القنابل العنقودية وصولاً لمعاهدة شاملة تحظر إستخدامها.يحضر المؤتمر،الذي يستمر قرابة الأسبوعين، ممثلون لأكثر من 120 دولة، يأملون أن يساهم إستكمال مباحثاتهم،التي انطلقت في العام الماضي في ليما، تعبيد الطريق أمام توقيع المعاهدة في شهر كانون الأول/ ديسمبر من هذا العام. وقد إنطلقت في نفس اليوم فعاليات جماهيرية مساندة للمؤتمر في العديد من دول العالم ، نظمتها منظمات تدافع عن حقوق الإنسان.من جهته، حث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بإسم الأمم المتحدة، العالم على دعم الحظر الدولي، وقال، في رسالة مصورة، انه يجب منع إستخدام وتطوير وإنتاج وتخزين ونقل القنابل العنقودية.ووصفها بأنها ذخيرة غير موثوق بها،وهي غير تمييزية في إصابتها للهدف لكونها غير دقيقة بطبيعتها، وكثيراً ما تفشل بمهمتها العسكرية.وعبر بابا الفاتيكان بندكتوس السادس عشر،عشية انعقاد المؤتمر،عن امله في امكانية التوصل الى اتفاقية دولية قوية وذات مصداقية.وأضاف: من الضروري تدارك اخطاء الماضي وتجنب تكرارها في المستقبل. وأعلنت المنظمات الانسانية - بما فيها اللجنة الدولية للصليب الاحمر - التي تعايش العواقب اليومية لانفجار هذه الاسلحة بالنسبة للمدنيين- إن اتفاقا ملزما وشاملا يشتمل على آلية لتعويض المصابين يعتبر امرا ضروريا. وقال مدير اللجنة الدولية للصليب الاحمر ياكوب كيلينبيرجر: إن الذخائر العنقودية هي اسلحة لا تتوقف عن القتل.وأعلنت منظمة " هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" عن ترحيبهما بالاهتمام الذي تناله الذخائر العنقودية من قبل عدد متزايد باطراد من الحكومات في شتى أنحاء العالم، ودعتا قادة العالم إلى التفاوض حول أكثر المعاهدات صرامة ما أمكن لحظر استخدام هذا السلاح المرعب. وكالعادة، قاطعت المؤتمر أكبر الدول المنتجة والمستخدمة للقنابل العنقودية: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وإسرائيل والهند وباكستان، بهدف تقويض نتائج المؤتمر،بذريعة أن هذا السلاح "مفيد في الحروب". ورغم تخلف الإدارة الأمريكية عن الحضور في مؤتمر دبلن، فإنها تستخدم نفوذها لاضعاف الميثاق العتيد. وفي هذا السياق يأتي الغياب الكامل لتغطية المؤتمر من قبل وسائل الإعلام الكبرى. ويتضمن مشروع الاتفاقية، الى جانب الحظر، اقتراحا يجبر البلدان التي استخدمت هذا الصنف من القنابل، على المساعدة في تطهير المناطق التي قصفت بها، بعد توقف الحرب. وتقول ايموجين فولكس إنه اذا تمكن المؤتمرون من صياغة ميثاق جديد - كما يتوقع لهم ان يفعلوا - سيمثل هذا الميثاق اهم تقدم يتحقق في مجال نزع التسلح منذ التوقيع على ميثاق اوتاوا لحظر الالغام الارضية قبل اكثر من عشر سنوات. ويذكر ان الحملة المضادة للقنابل العنقودية، وتسمى " إعلان أوسلو"، إنطلقت قبل 3 أعوام من النرويج، وهي مماثلة للحملة ضد الألغام الأرضية المضادة للأفراد، التي نالت جائزة نوبل للسلام عام 1997،وتكللت جهودها بالتوصل الى إتفاقية دولية، سميت "إتفاقية أوتاوا لعام 1999" والتي حظرت إستخدامها. وصادقت 46 من مجموع 49 دولة مشاركة على "إعلان أوسلو" المنادى بحظر الذخائر العنقودية بنهاية 2008. وفي العام الماضي إنطلقت المباحثات لهذا الغرض في عاصمة بيرو ليما، وشارك فيها ممثلوا 70 دولة. تُعدُ القنابل العنقودية من الأسلحة غير التقليدية.وقد ظهرت لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت تستخدم غالباً لتغطية منطقة واسعة، وتم تجهيزها بمفجر، من دون نظام تفجير ذاتي.ثم زودت بمثل هذا النظام، ولكن بقيت دون نظام موجه دقيق.ورغم كل ما حصل عليها من تطور،ظلت أداة حربية بالغة الفتك، وتشكل تهديداً كبيراً للمدنيين. القنبلة العنقودية عبارة عن عبوة كبيرة تنفلق ذاتياً عند إطلاقها،ناشرة 202 قنبلة صغيرة تنفجر بدورها الى اَلاف الشظايا على مساحة واسعة لتدمر وتفتك. وفي الكثير من الاحيان لا تنفجر هذه القنابل الصغيرة فورا، بل تظل مخفية حتى يعود المدنيون الى دورهم لتنفجر فيهم. ثمة أنواع من هذه القنابل.القنبلة العنقودية CBU-87/B هي النوع القياسي الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية في عمليات القصف بإلقائها من الجو.وتزن القنبلة الواحدة 430 كغم، وتحمل قنابل عنقودية نوع LU-97/B، ويمكن لآنواع عديدة من الطائرات المقاتلة إلقاؤها على أهداف العدو. القنابل الصغيرة عبارة عن إسطوانات صفراء اللون، حجمها يقارب علب المشروبات الزجاجية، طولها 20 سم، وعرضها 6 سم. ولها أنواع عديدة، كالنوع BLU-97/B الذي يحتوي على شحنة متفجرات ذات شكل خاص يساعد على خرق المدرعات، وعبوة معدة لتتفتت الى حوالي 300 شظية بعد الإنفجار، وحلقة من الزركون الحارق لإشعال النيران. تستخدم طريقتان لإلقاء القنابل العنقودية: الأولى- من الجو، من على إرتفاعات متوسطة وعالية، وهو ما يزيد من إحتمالات إنحرافها بإتجاه الهدف.الثانية- بإطلاقها من المدافع.في كلتا الحالتين تنفجر وتتناثر عشوائياً على شكل قنابل صغيرة تنفجر بدورها الى شظايا مدمرة وقاتلة. تستخدم القنابل العنقودية للهجوم على أهداف مختلفة للعدو، مثل العربات المدرعة والناقلة للجنود، وتجمعات، وأفراد، أو لأضرام النار في صفوف العدو.ويعتمد حجم المنطقة التي تغطيها القنابل الصغيرة على إرتفاع إلقاء القنبلة العنقودية الأم، وعلى معدل دورانها ومن ثم إنفجارها.عادة تغطي مساحة تعادل مساحة 8 ملاعب كرة قدم تقريباً.وبسبب إتساع المجال الذي تغطيه فهي لا تستطيع التمييز بين العسكري والمدني. تحدث القنابل الصغيرة عند انفجارها أضرارا و إصابات في مساحة واسعة. وبإمكان شحنة المتفجرات اختراق مدرعة يبلغ سمكها حوالي 17 سنتيمترا. ويصل طول نصف قطر المساحة التي يغطيها الانفجار إلى 76 متراً. ويحتوي أحد أنواع القنابل العنقودية على قنابل صغيرة تنجذب نحو الحرارة حيث تنطلق تلقائيا نحو العربات والمركبات العسكرية. وتستخدم أنواع أخرى من القنابل العنقودية لنشر الألغام الأرضية. وقد رمت إسرائيل العديد منها على لبنان خلال حرب عام 2007 ولا يزال العمل جار لازالتها وإلى جانب ما تسببه من أضرار مباشرة، فان معدل فشل القنابل العنقودية للوصول الى الهدف العسكري يبلغ 15- 40 في المئة.وهو ما يعني ان المئات منها تسقط على أهداف مدنية،والمئات، بل والآلاف، من القنابل الأم والصغيرة، لا تنفجر وتستقر في الأرض مثل الألغام، وتنفجر عند الإحتكاك بها ولو بعد مضي سنوات عديدة. لقد إستخدمت القنابل العنقودية في الكثير من سوح القتال، من كمبوديا ولاوس وفيتنام،الى كوسوفو والبوسنة وافغانستان، ومن العراق الى لبنان وفلسطين. ففي العراق،مثلاً،أكدت المنظمة الدولية لذوي الإحتياجات الخاصة( المعاقين)، في تقرير لها نشر عام 2006، بأن ما لايقل عن 55 مليون قنبلة عنقودية أسقطت في حربي عام 1991 و 2003، الأمر الذي جعل العراق من أكثر بلدان العالم تلوثاً بمثل هذه الملوثات الخطيرة.وأكد تقرير لمنظمة اَخرى بأن الجيش الأمريكي ألقى منذ انتهاء المرحلة القتالية الكبرى من الحرب في نيسان/أبريل 2003، قرابة 60 ألف رطلا من القنابل العنقودية من الجو – وهو نوع السلاح ذاته الذي يصفه مارك جارلاسكو- المحلل العسكري البارز في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، بأنه الخطر الأكبر الذي يواجهه المدنيون بالنسبة لأي سلاح آخر يجرى استخدامه حاليا. وقد قتل وجرح مئات المدنيين، والعديد من الجنود الأمريكيين، بهذه القنابل التي لم تنفجر في وقتها. ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، تؤثر الذخائر العنقودية على 27 دولة حاليا. وقد قتل وجرح وأصيب الآلاف من الأطفال في مناطق النزاعات بعد ان عثروا على قنابل لم تنفجر ولعبوا بها دون أن يعرفوا مخاطرها.ويؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن الذخائر العنقودية تسببت في أكثر من 13 ألف وفاة. وتنتج الذخائر العنقودية حالياً نحو 50 شركة على الرغم من الصيحات المتنامية على صعيد العالم بأسره من أجل حظر هذه الأسلحة اللاإنسانية. وتتوزع مقرات هذه الشركات على جميع أقاليم العالم، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. ومن المثير للقلق أن عددها يتزايد في آسيا أيضاً. ويؤكد نيك تورس بأن الجيش الأمريكي يتوفر على ترسانة مذهلة من هذه الأسلحة. وحسب تقرير نشر مؤخرا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، فإن جيش البر يمتلك 88% من مخزونات البنتاغون من القنابل العنقودية – أي ما لا يقل عن (638.3) مليون من القنيبلات العنقودية المركبة ضمن كل ذخيرة عنقودية أكبر، أما القوة الجوية والبحرية، وحسب أرقام وزارة الدفاع، فلديهما (22.2) مليون و(14.7) مليون من القنيبلات على التوالي، وحتى هذه الأرقام، تظل في رأى الخبراء أقل من الأرقام الحقيقية. ومعروف أن هذا النوع من الذخائر يتسبب في مشاكل إنسانية وتنموية قاسية، فضلا عن قتل و إصابة المدنيين بالعاهات، وعدم إمكان فلاحة الأراضي الزراعية دون المخاطرة بالحياة، وعجز اللاجئين عن العودة إلى ديارهم التي نزحوا منها. ولا تزال بعض البلدان، ومنها لاوس وكمبوديا وفيتنام على سبيل المثال، تقاسى من هذه المشكلة حتى يومنا هذا بعد مرور 30 سنة على استخدام الذخائر العنقودية في أراضيها. وفي الأعوام الأخيرة،أدى استخدام الذخائر العنقودية في العراق والبلقان وأفغانستان وفلسطين ولبنان إلى عواقب مدمرة للمدنيين. وتؤكد التقارير الموثوقة، ومنها تقارير الوكالة الدولية لذوي الإحتياجات الخاصة، بان 98 % من ضحايا القنابل العنقودية هم من المدنيين. حيال هذا أعلن وزير الدفاع الهولندي ايمرت فان ميدلكوب،في رسالة الى البرلمان،ان القنابل العنقودية مسؤولة عن درجة غير مقبولة من المعاناة الإنسانية.وقد قرر سلاح الجو الهولندي التخلص من أكثر أنواع القنابل العنقودية. ويؤكد كينيث روث- المدير التنفيذي لمنظمة " هيومن رايتس ووتش" بان القذائف العنقودية أسلحةٌ لا يعتمد عليها، وقليلة الدقة إلى حدٍّ غير مقبول عند استخدامها على مقربةٍ من المدنيين، ولا يجوز استخدامها أبداً في المناطق المأهولة.وقدرت منظمته بان نسبة القنابل التي تستخدمها إسرائيل ولم تنفجر تتجاوز 14%، بينما يقول القانون الإنساني الدولي إن تلك النسبة لا يحب أن تتجاوز 1%. لكل هذا،تعتبر القنابل العنقودية، المتفجرة وغير المنفجرة، مشكلة كبيرة وخطيرة،تتطلب حلاً عاجلاً رأفة بالمدنيين الأبرياء. والتلميح من قبل البنتاغون بأنها لم تكد تسفر عن أي خسائر في صفوف المدنيين ما هو إلا تدليس ومراوغة؛ والأحرى به، بدلاً من تمويه الحقائق،كالعادة، أن يفصح عن كافة المعلومات المتعلقة باستخدام جيوشه للذخائر العنقودية، التي هي أشد فتكاً في صفوف المدنيين.ولا أدل على ذلك من إعتراف الإدارة الأمريكية قبل يومين،بإعرابها عن رفضها تحريم استعمال القنابل الانشطارية بشكل تام، بذريعة ان الخطر الذي تمثله حاليا على المدنيين يمكن تقليصه بشكل كبير من خلال ادخال تعديلات تقنية عليها. وقال ستيفن مول- المسؤول عن الشؤون السياسية - العسكرية في وزارة الخارجية الاميركية " نعتقد انه من المستحيل منع القنابل الانشطارية وكما يود عدد من المشاركين في عملية اوسلو لانها اسلحة لها فائدة عسكرية"!!. إن المجتمع الدولي مطالب اليوم، بإسم الحياة، وبإسم الإنسان،الذي هو أثمن رأسمال،الضغط الفعال لإنجاح مؤتمر دبلن ليخرج بمعاهدة شاملة تحظر إستخدام القنابل العنقودية، وتلزم جميع المؤسسات العسكرية في العالم التقيد بها !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |