إنها حقوق الشهداء .. وليست مكرمة من أحد

 

يحيى السماوي

Mohanad.habeeb@yahoo.com

 " المكرمة " كلمة مهذبة أقـلّ وطأة على المرء من كلمة " الصَدَقة " .. كان إعلام صدام حسين ، يُطلقها على كل قرار أو أمر يفضي إلى زيادة في رواتب الموظفين أو توزيع قطع أراض ٍ سكنية ، أو علاج مواطن مُـعـدَم .. وفي كل حالات " المكرمات " تـلـك ، لم يكن صدام حسين يدفع المبالغ من ماله الخاص ، إنما من خزينة الدولة والتي هي أموال الشعب ، وبالتالي ، فليس من الصواب القول إنها " مكرمة " من صدام حسـين ... فالصواب القول : إنهـا مكرمة "من الشعب وليس من صدام أو الحزب ....

 يقينا ً أن بعض المتملقين العاملين في إعلام النظام المقبور ، هم الذين ابتكروا هذا التوصيف " المكرمة " لإرضاء نرجسية صدام حسين المفرطة ..

ويبدو لي أن مسـتنقع " التملـق " يشهد الان نمو طحالب جديدة ، قد لا تختلف عن طحالب التملق والإنتهازية في النظام السابق ....

 يوم أول من أمس ، قرأت خبرا تحت عنوان " توزيع منحة رئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري المالكي على ذوي الشهداء في العمارة " .. وجاء في الخبر أن السيد " محمد هاشم السدخان " قال :

( إن عدد المكرمين الذين استلموا المكرمة بلغ (100) شهيد وسوف تتبعها (8) وجبات اخرى واننا وثقنا(850) معاملة شهيد ورفعنا (1500)معاملة الى مؤسسة الشهداء في بغداد أما عن الامتيازات التي تتوفر لدى عوائل الشهداء تخصيص (1500)دونم من القطع الاراضي لبناء شقق لهم وانشاء مدينة رياضية ومركز ثقافي وترفيهي وستقدم هذه المناقصات للشركات العالمية والعربية والعراقية وفي نهاية الحفل تم توزيع منحة رئيس الوزراء الى عوائل الشهداء من قبل المسؤلين في المحافظة )

 والسؤال : المبالغ التي تم توزيعها على عوائل الشهداء ، والبالغة نصف مليون دينار عراقي " نحو أربعمئة دولار " لكل عائلة: هل هي من " جيب "

السيد رئيس الوزراء ؟ أم من المال العام ؟ فإذا كانت من المال الشخصي للسيد رئيس الوزراء ، فإنه يجوز وصف عملية التوزيع بـ " المكرمة " أما إذا كانت هذه المبالغ من المال العام ، فإنه من غير الجائز وصف عملية التوزيع بـ " المكرمة " ، إنها حق من حقوق الشهداء .. حق مؤجل خمس سنوات ... وأما قطع الأراضي المزمع توزيعها على تلك العوائل ، فهي أيضا ليست " مكرمة " أو " منحة " وغيرهما من توصيفات مهينة ومُذِلة .... وأنا أعتقد أن السيد رئيس الوزراء الحاج نوري المالكي يرفض مثل هذه التوصيفات المجانية والتي هي من بقايا أخلاق النظام السابق ...

وحتى لو كان السيد المالكي قد دفع هذه المبالغ من ماله الخاص وليس من المال العام ، كـ" صَدَقـَة ٍ في سبيل الله " فلا أعتقد أنه يرضى نشر أو وصف إحسانه بـ " المكرمة " ... لأن المُـحْسِـن الحق ، هو الذي يُعطي بيمينه دون أن تعرف شماله ما أعطى ..

علينا التعلم من الشعوب كيفية ردّ الجميل ... قبل سنوات ، أصدرت حكومة " جون هاورد " قرارا يقضي بمنح كل عائلة أسترالية محدودة الدخل ألف دولار سنويا يضاف إلى راتب الضمان الإجتماعي ـ مع الف دولار آخر لكل زوجة تساعد زوجها المريض ... فلم تخرج صحيفة واحدة أو منبر إعلامي واحد " بما في ذلك صحف الإئتلاف الحاكم " بشكر السيد رئيس الوزراء ـ إنما : شكرت الوطن والشعب . فالزيادة في المرتبات والأجور هي بفضل خيرات الوطن والجهد الوطني المشترك وليس بفضل رئيس الحكومة والذي هو مجرّد موظف عند الشعب .. لذا فالشكر يُرفع للوطن والشعب أولا .

لو كان هنالك توزيع عادل للثروات الوطنية ، لما بقيت عائلة عراقية واحدة تشكو العوز والفاقة ... ولو كانت مؤسسات الدولة تعمل بشكل صحيح ، لما بقيت عوائل الشهداء تنتظر حقوقها المشروعة خمس سنوات كاملة ... ولو كان الشعب العراقي يتمتع بثرواته الوطنية حقا ، لما بقيت عائلة عراقية واحدة تسكن في بيت مستأجر ... ولو كان الإعلام يخلو من هؤلاء المتملقين والإنتهازيين والعاملين في سوق " الردح والمدح والهجع " لما أصبحت زيادة الحصة التموينية بدجاجة واحدة في شهر رمضان عام 1994 " مكرمة " من القائد ....

في حديثـه مع الإعلاميين يوم 30 / 4 / 2008 قال السيد رئيس الوزراء : " علينا أن نهدم كل القيم والأخلاقيات التي ورثناها من النظام الذي كان يقوده حزب البعث " .... وكلمة " المكرمة " هي من بقايا أخلاقيات النفاق والتملق في الإعلام الصدامي ...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com