الرسول الكريم في عيون غوتة

 

 

علاء الخطيب/ أكاديمي عراقي – هولندا

 alkhatib_66@hotmail.com

حينما لا قى موضعي الأول عن الرسول الكريم في عيون تولستوي إهتماما واسعا من قبل القراء وحينها تلقيت العديد من الرسائل والتعليقات التي شجعتني و أعطتني زخما عالياً وقويا ً في مواصلة البحث عن آراء وكتابات المثقفين الغربيين في النبي محمد (ص) , لا سيما ونحن نمر بفترة خطاب متشدد بين ريديكاليين ومتطرفين من الطرفين أخذ أدوارَ الصراع أحيانا .ً فكان لزاما ً علينا أن نبحث عن نوافد لدخول ضوء الحقيقة وليطل بعضنا على البعض الآخر دون تطرف أو تشدد . وبينما انا في مكتبة جامعة لايدن العريقة بهولندا وقعت عيني على مسرحية (تراجيديا محمد او نشيد محمد 1773م ) للشاعر والكاتب والمفكر الألماني الشهير يوهان غوته Y.W.Geothe صاحب الروائع الأدبية المهمة كـ ( فاوست, والديوان الشرقي للمؤلف الغربي, والأم فرتر وغيرها من الاعمال ) الذي قدَّم من خلالها للفكر الإنساني من معارف وعلوم إنسانية وأدب رفيع ما يفوق حد الوصف , فقد تأثر وأنفعل هذا الكاتب الكبير بالآداب الاسلامية من خلال ما قرأ عن الأسلام وقد أطلع على القرآن الكريم وأمعن فيه إمعان الأديب والباحث وهو ابن الرابعة والعشرين لذا كتب الكثير عن الإسلام ونبيه العظيم وسيرته الخالدة بعين الواقعية والأنسانية وكان يقول ( إذا كان الإسلام معناه التسليم لله فعلى الإسلام نحيا ونموت جميعا ً) كما نظم قصائد عدة في فضل الإسلام ومناقب الرسول الاعظم وزوجته خديجة (رض)وأبنته الزهراء, ففي عام 1814م كتب قصيدة رائعة ضمن كتابه الشعري ( كتاب الخلد) الذي هو جزء من الديوان الشرقي يصور بها معركة بدر وحال الشهداء في جنة الخلد , لقد أدرك هو وبعض الكتاب الغربيين حقيقة الإسلام ومبادئه العظيمة وتعاملوا معه على هذا الأساس, فقد أفرد مسرحية ً خاصة بالرسول الاكرم محمد صلى الله عليه وآله أسماها ( تشيد محمد ) وهو عبارة عن حوار بين النبي وبين إبنته الحبيبة فاطمة الزهراء زوجة الصحابي الشجاع علي بن ابي طالب على حد قول السيدة كاترينا مومزن صاحبة كتاب ( غوته والعالم العربي) وتضيف هذه الكاتبة قولها عن المسرحية بان غوته يصف بها النبي محمد (ص) الهادي للبشر وبالنهر المتدفق صوب محيط الألوهية, فنراه في هذا الوصف يشبه المتصوفة في وصفهم ولا غربة في ذلك فأن غوته كما يقال عنه أنه كان ينتمي الى (الغنصوية) وهي إحدى الطرق الصوفية التي كانت سائدة في بعض المناطق الألمانيه وقتئذٍ والتي تعتمد على التقوى الدينية. وفي هذه المسرحية يصور هذا الكاتب كيف أن النبي وصل الى مرحلة النضوج الكامل في الحالة الإيمانية والتي عاشها بكامل أبعادها الروحية فيتجه الى أحب الناس اليه وهي زوجته السيدة ( خديجة ) من أجل مساعدته في حمل راية التوحيد , وهي التفاته جميلة من هذا الكاتب العبقري في دحر المزاعم القائلة ان الأسلام لا يحترم المرأة ولا يقيم لها وزنا ً بل يصور النبي الكريم وهو يستشيرها ويأتمنها على أهم الامور التي تخص الدين الجديد مما يعطي إنطباعا ً على أهمية الدور الذي أعطاه الرسول للمرأة فيصفها بأحب الناس اليه ,فيقول غوته في الجزء الثاني من كتابه الشعر والحقيقة (( وبعد أن ينتهي محمد من نفسه الى الإيمان يفضي بهذه المشاعر الى ذويه , فيختار زوجته خديجة وعلي بن عمه بصورة مطلقة )) ثم يعرج هذا الكاتب بذكر الرجال الذين وقفوا مع النبي وآمنوا بمبادئ الدين العظيم كـ علي بن ابي طالب واصفا دور الأمام علي في الذود عن الإسلام والوقوف مع النبي لأيمانه بالقيم الكبيرة التي نادى بها الإسلام فيقول (( ويحاول هو نفسه وعلي وبصورةٍ أكبر أن ينشرا هذه العقيدة في القبيلة على نطاق اوسع)) مشيرا الى قوله تعالى ( وأنذر عشيرتك الاقربين) لكن العشيرة ليست هي الغاية التي جاء من أجلها النبي بل هي خطوة أولى على طريق تعميم الهداية للبشرية جمعاء , ويستمر غوته في ذكر مآثر النبي (ص) ويركز على تطهير الكعبة من الاصنام فقد نظر الى هذا العمل بأنه قهر حقيقي للقوى الظلام والشر المتمثل بالمشركين , ويعتبر الكاتب أن النبي هو المبشر والامام علي هو الناشر والحافظ لتعاليم محمد في أمته وفاطمة هي المرأة التي تذوب شوقا ً لتبيغ هذه الرسالة فيقول في إحد حواراتها وهي تنادي أباها (( خذنا معك الى البحر المحيط الأزلي الذي ينتظرنا باسطا ً ذراعيه والذي طالما بسطهما ليضم أبناءه المشتاقين اليه)) ويصور غوته عالمية الرسالة المحمدية وسمومبادئها العظيمة فيقول في مسرحيته هذه عن الرجل الذي تحمل أعباء الرسالة (( وما كان هذا الفيض كله مقصورا ً على الصحراء الجرداء , وما كان هذا الفيض ليفيض في رمال الرمضاء وتمتصه الشمس الصالية في كبد السماء ويصده الكثيب من الكثبان , فيلبث عنده غديراً راكدا ً من الغدران )) أي ان هذا النور الالهي جاء ليعم العالم ويروَّي البشرية واروع ما في هذه المسرحية هو النشيد الذي اسماه ( نشيد محمد) وهو عبارة عن قصيدة متبادلة بين علي وفاطمة الزهراء . لقد جاء ذكر غوته لفاطمة ومن قبلها أمها خديجة كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في ترجمته للديوان الشرقي لأن السيدة خديجة رضي الله عنها أم المؤمنين وحبيبة النبي التي لم يتزوج بغيرها طول حياتها وهوالمخلص والوفي لها بعد مماتها , واما ابنته الحبيبة الى روحه وزوجة ابن عمه وربيبه وام الحسن والحسين رضي الله عنهما . والتي كان يقول عنها ( فاطمة بضعة ٌ مني ) . وهكذا نرى يوهان غوته الذي أغنى العالم بفكره وأدبه لم ينس أبداً ما قدم الإسلام له وللبشرية من أفكار ومعتقدات جعلته يحيا على الأرض حياة ًسماوي عليا سابحا ً من خلالها في فضاءات الحب والعشق الصوفي باتصال دائم مع الروح التي تتساوى لديها لحظات اللذة والألم .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com