الثقل الاستراتيجي للعراق في الشرق الأوسط
 

سهيل احمد بهجت

 sohel_writer72@yahoo.com

الثقل الاستراتيجي للعراق في الشرق الأوسط سهيل أحمد بهجت للحظ دور كبير في خلق القيمة الاستراتيجية لأي بلد، فالأرض والثروات والموقع الجغرافي كلها أمور ليست من صنع الإنسان، لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يد له في صنع قيمة استراتيجية وسياسية لأي بلد، فالشعب الذي يستطيع تجاوز مشاكله وبناء إنسان حر وعقل قائم على الحرية ورفض الاستبداد والمستبدين، يخلق عبر هذا الفعل الإرادي قيمة تتجاوز معايير الحظ التي تؤثر في خلق الاستراتيجية، والأهم هنا هوأن قيمة الأرض والثروات والموقع الجغرافي تضيع وتقل إذا ما وضعنا فيه شعبا يعاني من أمراض الدكتاتورية والطائفية والعنجهية القومية إضافة إلى الجهل والتخلف.

والعراق الآن يخوض هذا الامتحان العسير الذي يتطلب الكثير من الجهود الحكومية والشعبية وشرائح المجتمع، وكلما رسخت ثقافة الديمقراطية والحرية الفردية والحريات العامة، وكلما رفض الشعب أن يتنازل للسلطة التي تحاول قهره وسلب بعض وكل حقوقه، كلما ازداد العراق قوة وأهمية على الساحة الدولية والإقليمية، وإذا كان البعض يظن أن العراق كان قويا في وقت ما! وتحديدا أيام البعث وحكم وهيمنة النظرية القومية، فإن هذه نظرة قاصرة ومحدودة بكل معنى الكلمة، فالعراق كان يملك جيشا ضخما ومليارات الدولارات، إلا أن الإنسان كان عديم القيمة ولم يكن هناك وجود لشيء اسمه "حقوق الإنسان"، "الحرية كوجود واقعي وقيمة قانونية"، "حق الاعتراض والاحتجاج" وغيرها من المباديء التي ترسخ مفاهيم الدولـــة والقانـــون.

لقد كان العراق دوما يدفع ثمن الصراعات الإقليمية والدولية، ودوما كانت حكوماته ـ على الأخص في العهد الجمهوري الشمولي 1958 ـ 2003 م ـ تدفع بالعراق باتجاه دفع الثمن واتخاذ الموقف الخاطيء من الأزمات، فكان العراق في العهد الملكي يتجه نحوسياسة واقعية براغماتية، لكن أحزاب المعارضة الرجعية ـ الشيوعية والقومية والإسلامية التي كانت آنذاك ضعيفة ـ دفعت بالحكومة إلى انتهاج مواقف قائمة على الشعارات وثقافة الهتاف والخطابات الرنانة، وكنتيجة عن ثقافة "المؤامرة" والزج بالثقافة والعقل العراقي في المعركة وما أسموه الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومواجهة "الاستعمار والامبريالية الغربية" حسب تعابير الأحزاب الآيديولوجية، خسر العراق كل فرصة في أن يصبح أولا دولة بالمعايير الحديثة وثانيا لم يصبح العراق ذا أهمية استراتيجية لصالح شعبه، بل كان مهما "استراتيجيا" للآخرين فقط، فقد اهتم بأهميته الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، لكن العراق في الواقع لم يكن سوى ســاحة لصراعات الآخرين لعقود إن لم نقل لقرون!.

كان العهد الملكي رغم كل سلبياته إيجابيا من ناحية أنه كان يسعى إلى جعل البلد جزءا وعضوا مهما في المنظومة الغربية الديمقراطية الرأسمالية ـ هذه الكلمة

لها مردود سيء في العقل العراقي الذي لا زال يعاني من جراثيم الماضي ـ لكن ما

أن جاء العهد الجمهوري حتى أصبحت السلطة مكانا وساحة صراع للأحزاب الآيديولوجية القومية والشيوعية وفيما بعد دخل الإسلاميون في هذه الحلبة، وانجر العراقيون شاءوا أم أبوا إلى الصراعات الإقليمية وهيمنة ثقافة "الجماهير التي لا وعي لها" التي تركض وراء الزعيم الأوحد، وكان للعراق رغم كل ثقله وأهميته أن يصبح حاله حال دول المنطقة في أن شعبه مسلوب الإرادة باسم "الحرية"، "الاستقلال الوطني" و"حكم الشعب" وأنه مجرد معبر للآخرين.

ومن الطبيعي أن ينتهي حال بلد هيمن عليه عقل "الصراع" والتخوين ونسبة الآخرين إلى العمالة والجاسوسية والشعب الذي ليس إلا وقودا لطموحات كل فاتح جديد، من الطبيعي أن ينتهي الأمر بكارثة حقيقية، وعندما دخلت قوات التحالف إلى العراق في 2003 م لم تعثر في طريقها إلا على الخراب والمعاناة والعقول المخدرة والملوثة بـ"ثقافة المقاومة" وتعليق صور الزعماء "الأصنام" الدينية والقومية والآيديولوجية، وكان العراق قد انتهى كدولة منذ انقلاب 1958 الذي أطاح بنواة دولة كان من الممكن أن تتخطى التفرقة الطائفية والعرقية، ورغم كل البساطة والوطنية التي أظهرها "عبد الكريم قاسم" إلا أنه لا يستحق كل المديح والتضخيم الإعلامي لأن الرجل فتح أبواب جهنم على العراقيين ولأنه هيء ـ من حيث لا يدري ـ لإصابة العراق بسرطان البعث.

والآن ونحن في طريقنا لبناء نظام سياسي واجتماعي واقتصادي جديد، علينا تخطي جملة أمور وعلى الشعب أن يُسقط أؤلئك الذين يريدون منا أن نعود إلى الماضي ولغة "تمجيد المقاومة" المزعومة والصراعات والحروب الإقليمية وبالأخص ما يسمى الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأن المصلحة الوطنية تقتضي أن نتخلى عن العاطفة والشعارات في سبيل إبقاء العراق آمنا كشعب وأرض ولكي لا يصبح العراق ضحية شعارات الآيديولوجيين الدكتاتوريين في المنطقة، وللأسف فإن هناك أحزابا وتيارات "دينية" تدفع بالعراق بهذا الاتجاه وأؤكد أن رفع هؤلاء لشعار "مصلحة العراق" ليست إلا لأغراض تجارية ولخداع المواطنين الذين لا زالوا أسرى الثقافة القديمة، كما أن هناك أحزابا ـ قومية تشعر وتؤمن بأن لها امتدادا خارج العراق ـ تريد زجّ العراقيين في حروب جديدة مع دول مجاورة، ومن واجب الشعب وطبقته السياسية المثقفة أن لا تنجر وراء الطموح السياسي لهؤلاء ومنعهم من تسلق طموحهم السياسي اللا قانوني على أكتاف ودماء الشعب العراقي.

حقيقة أنه من الغريب أن يقوم السياسيون والحكام ـ الجدد ـ برفع ذات الشعارات التي كان البعث ونظامه الإرهابي يعتز بها وأجد ازدواجية ـ نفاقا بالتعبير الديني ـ بين ما يطرحه هؤلاء من شعارات وبرامج سياسية تختصر العراق الكبير إلى جزء من أمة أكبر ـ حسب زعمهم ـ أمة عربية وأي قومية أخرى وأمة إسلامية، بينما العراق الديمقراطي الجديد يقتضي جعل العراق "أمة قائمة بحد ذاتها" وأن هذه الأمة ليست بحاجة إلى إسباغ أي نوع من الشرعية الدينية والقومية على وجود وماهية الشعب والدولة العراقية، العراق البراغماتي الذي لا مقدس فيه إلا مصلحة المواطن العراقي وأن كل الأفكار والمناهج القائمة على الصراع والحرب سواء تلك القائمة على التبرير الديني والقومي والآيديولوجي النظري لا بد لنا من حذفها من قاموسنا السياسي، لبناء عراق حرّ وآمن وديمقراطي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com