عبد الخالق ياسين/

باحث في الشؤون السعودية

yaseen2468@gmail.com

اعتقال مسؤول دائرة السجون العراقية .. بين ضرورات الكشف عن الحقائق ومحاكمة المجرمين.. وإصلاح واقع الحال.

أعلنت قوات الاحتلال الأميركية يوم 24/5/2008 أنها اعتقلت اللواء جمعة حسين زامل الحلفي/ المدير العام لدائرة السجون العراقية، بناءاً على مذكرة اعتقال صادرة عن القضاء العراقي، وأكدت مصادر عراقية مطلعة بأنّ الحلفي كان يخضع للمراقبة الصارمة بأمر من رئيس الوزراء منذ حوالي 8 أشهر بعد تزايد الشكاوى ضده بارتكابه انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في السجون والمعتقلات العراقية، كذلك ثبوت علاقته بعصابات القتل والخطف من داخل تلك المعتقلات، وهي عصابات مرتبطة بميليشيات جيش المهدي، وتأتمر بأمرها.

وجاء اعتقاله على خلفية اعترافات عدد من قيادات الميليشيات في مدينة الصدر، والكشف عن أسلحة وأعتدة مختلفة في منزله في حي البلديات.

وتشير مصادر مطلعة في وزارة العدل العراقية بأنّ اللواء الحلفي، كان من أشد المعارضين لإطلاق سراح السجناء العراقيين، ولم يكن بمقدور حتى رئيس الوزراء المالكي أنْ يفرض رأيه عليه، فلطالما صدرت أوامر من مجلس الوزراء بإطلاق بعض السجناء لكن الحلفي والعصابات المرتبطة به قد عطلت تلك الأوامر.

وتؤكد مصادر وزارة الداخلية العراقية بأنّ الحلفي قد أثرى ثراءً فاحشاً من خلال المتاجرة بمصير السجناء، حيث أنّ العصابات كانت تقوم وبعلمه بخطف الكثير من السجناء من داخل الزنزانات أو من دوائر ما يسمى بالتسفيرات، وخصوصاً أولئك الذين تصدر أوامر قضائية بالإفراج عنهم، وتطالب ذويهم بمبالغ مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم، والمئات منهم قتلوا حتى بعد أنْ دفع ذووهم مبالغ الفدية، ولم ولن يعودوا أبداً إلى عائلاتهم. وهم أما غُيبوا أو قتلوا، وكانت جثثهم تلقى في ساحات وشوارع بغداد أو مكبات النفايات.

كما يرتبط اسم الحلفي بفضائح فساد مالي وإداري، فضلاً عن ارتباطه بدوائر المخابرات الإيرانية، حيث أنّ معظم التوجيهات التي كانت تصله من عناصر جيش المهدي المتنفذين داخل السجون هم من ضباط وعملاء المخابرات الإيرانية وفيلق القدس، الذين نفذوا عمليات تصفية المئات من المعتقلين من الطيارين وكبار الضباط وأعضاء في مختلف الأحزاب المساهمة في العملية السياسية، وكذلك من البعثيين، بناءاً على أوامر صادرة من الجهات الإيرانية المذكورة، التي كانت تدفع للمجرمين مبالغ زهيدة مقابل تصفية أولئك المواطنين العراقيين الأبرياء.

وقد حاول الحلفي الافلات من قبضة العدالة منذ نهاية عام 2007، حينما قدم طلباً أصولياً بإحالته على التقاعد في 13تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، وذلك في أعقاب تحذيرات وصلته من الأجهزة الإيرانية، بوجوب مغادرة العراق، لأنّ المخابرات العراقية والأميركية على حد سواء قد وضعته في قائمة الأهداف المطلوب القبض عليهم. وكانت لجنة تحقيقية قد أوصت في نهاية السنة الماضية 2007 بإحالة اللواء الحلفي على التقاعد، وهي التوصية التي لم تجد طريقها للتنفيذ.

ويأتي هذا الحادث الخطير ليؤكد كل التحذيرات السابقة التي أطلقتها العديد من الأوساط العراقية الحزبية الرسمية والشعبية، من حدوث انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في معتقلات الحكومة العراقية. ومن الجدير بالإشارة إلى أنّ الكثير من قيادات جبهة التوافق العراقية، وفي مقدمتهم نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي يقودون منذ عام 2006 حملة سياسية وإعلامية شرسة ضد تلك الانتهاكات. وهي الحملة التي حظيت بدعم ومساندة واسعة النطاق داخل وخارج العراق.

وهنا نتساءل هل سيكون اللواء الحلفي آخر المجرمين المتساقطين الذين أسقطتهم جرائمهم وآثامهم ضد أبناء العراق. والحكومة العراقية مطالبة بعد الآنْ بأنّ تأخذ بنظر الاعتبار كل المعلومات التي تردها حول تسلل وهيمنة المجرمين على السجون وغيرها. فإذا سقط مسؤول السجون، فما الذي يمنع من وجود المئات من أتباعه المجرمين الذين لا يزالون يتحكمون برقاب الأبرياء. ولن يكون من المقبول بعد الآن السكوت على جرائمهم، فالمطلوب تقديمهم إلى العدالة، وكذلك إعادة اعتقال المجرمين الذين كانوا قد حصلوا على براءة مشكوك في نزاهتها من بعض المحاكم العراقية تحت وطأة التهديد والوعيد وشراء ذمم بعض من حُسبوا على القضاء العراقي، أمثال حاكم الزاملي/ وكيل وزير الصحة السابق والمجموعة العاملة معه. لأنّ عدم القيام بذلك سيشجع المئات من عتاة المجرمين على معاودة نشاطهم الإجرامي بمجرد تراخي الأجهزة الأمنية والقضائية الحكومية.

المطلوب كذلك أنْ تشهد دوائر السجون العراقية حملة إصلاح شاملة، يعاد فيها النظر والتحقيق في كل شيء تدور حوله الشبهات، وأنْ لا يكون أحد فوق القانون ، كائناً من كان...

إنّ حكومة السيد المالكي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، أنْ تتحلى بأعلى درجات المسؤولية الوطنية والأخلاقية، وأنْ تدقق في طبيعة ارتباطات كل من يعرقل أو يعارض إطلاق سراح الأبرياء الذين شملهم قانون العفو العام، وكذلك في أغراض كل من يدعو إلى التساهل مع المجرمين أمثال اللواء الحلفي. وعلى الحكومة أنْ لا تضحي بمصداقيتها في سبيل الدفاع عن مجرمين ألحقوا الضرر البليغ بالوطن والمواطن والحكومة على حد سواء.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com