المحامي بلاسم حامد مجيد

 ibrahim199011@googlemail.com

ما أن هدأ رماد النار التي أضرمتها الصحافة الدنماركية التي تبنت الإساءة إلى المقام الشريف لنبي الإسلام محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وآله، وما أن وضعت الحرب العالمية الدينية التي تسجر هناك في عواصم الضباب أوارها، عادت إلى ساحة الجدل قضية صدام الحضارات، وهذه المرة بتبني أمريكي مستفيدة من شماعة إحداث الحادي عشر من أيلول مقررة بذلك أولاً وضع العصي في دواليب التفاهم المجتمعي الأمريكي بين الحضارتين المسيحية والإسلامية التي قد ولدت شعوراً غربياً طيباً بأتجاه الإسلام، وصولاً الى تشويه منظر الإسلام في عيون الرائي الأمريكي بخطة تثقيفية بالضد من الأسلام عن طريق حركات التبشير التي تنزل ميدان عملها عقب الأنحلال والحرمان الذي يصيب الرقعة الجغرافية التي تحتلها الآلة الأميركية وصولاً الى إستصناع وضع مأسوي في تخبط الرؤى والطروحات التي يتبناها سكان هذه المناطق مكرهين بالعوز والفقر والوجع مشفوعة بالدعم المادي الذي يرافق القتل والحرمان بتخطيط غربي وايدي من سنخ الحضارة الشرقية أو حتى الإسلامية بما يوصل مواطني هذا الإقليم او تلك الدولة الى أن الخيار الغربي والحضارة الغربية تصلح ان تكون بديلاً للإسلام .

واليوم، وبخسة ونذالة تعلن المؤسسة العسكرية الأمريكية عن وجهها الأسود عبر إستخدام إحد جنودها للمصحب الشريف هدفاً للرماية، والذي يخالني أن ذلك لم يتم ما لم يكن هناك تشجيع أو حتى أمر من قبل ذلك بهدف تمييع القضية وحرف الأنظار وتشتيت الرؤى حيال الموقف الواحد، والتي للإسف ما زالت مجتمعاتنا الإسلامية تتبنى بعض من موقفها ليست لصحتها من خطئها بقدر ما توثيقاً للتضاد فيما بيننا بعلم ووعي ام بجهل وغشاوة .

 أن العلائقية الحضارية أو أن شأت فقل التوافقات الإنسانية يبدو أنها ـ وذلك من وجهة نظر إسلامية معتدلة ـ أنها أصل الدين بأعتبار أن " الدين المعاملة " وأن " الناس أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق " وأكثر من ذلك شواهد الألفة البشرية التي تندب أليها الفلسفة الإسلامية الأصيلة . الا أن رواج البضاعة الأمريكية والموسومة بـ " صدام الحضارات " التي روج لها الفيلسوف الأمريكي هنتغتون في كتابه الموسوم بـ ( صراع الحضارات ) الصادر عام 1996 قبالة مبدأ حوار الحضارات الذي طرح في عواصم الإسلام من قيبل لبنان وطهران والنجف وكربلاء . والكم المليوني من التوصيات التي ما زال يتبناها رجالات الدين والمذهب الا الدخائل من قبيل المشتددين الإصوليين كالقاعدة ونظراؤها .

وغم التطور الحضاري والتكنولوجي الذي يمتلكه الغرب الا ان الواضح هوأن ساسة الغرب ما زالوا يمارسون مراهقتهم السياسية وفهمهم الخديج للحضارة من خلال تأجيج رماد نار ألطف الله في عباده بأخماده كأنهم ما زالوا يحنون الى الحروب الأهلية التي تأسست على أنقاضها ما يسمى اليوم بالمدنية الغربية او الحضارة الغربية، بل وحتى الحروب الدينية والمذهبية من قبيل الحرب الصليبية باتجاه الحضارات الأخرى والحروب المذهبية بين الكاثوليك والأرثوذكس، وغير ذلك شواهد كثر نترفع عن ذكرها الآن .

والحق يقال فأن مفاهيم صراع الحضارات تبقى تبني غربي بل وأدهى من ذلك أنما هي من نتاجات المؤسسة السياسية والعسكرية قبل الدينية وذلك بادياً جلياً من خلال نبوءات وإستشرافات طرحت على الساحة السياسية الغربية
منتقلة الى من يدعي الدين الكنسي .

ولو تأملنا جلياً بفكرة التصادم الحضاري وعدنا القهقري الى تأريخية سالفة للمسنا أن التنظير الذي طرحه إفلاطون والموسوم بـ ( الجمهورية ) أنما يركز على البعد الطوبوغرافي والجغرافي أكثر من دعوته الفكرية والمعرفية والثفافية وهنا أول بادرة نحو تقسيم المجتمعات جغرافياً .

ونفس الشيء الذي تبناه سيمغويد فرويد من خلال كتاباته النفسية والجنسية الهادفة الى توثيق النزعة الشخصية والنفسية وكسر شفرات التوافقات البشرية بتفعيل حس الأنوية والذاتية وكأنها تندب الى عنصرية الجنس والنفس . وذات الشيء إكده إمستر إداموس في تنبؤاته المروجة لأفكار التصادم الحضاري وانتصار الآلة الغربية على الإنسان عموماً .

بل أن الأمر وصل حتى الى المؤسسة السينمائية الغربية التي تبنت من ألإسلام مادة دسمة لتجييش مشاعر الكراهية والحقد بالضد منه ومن ذلك مئات الأفلام الوثائقية والدرامية التي تتخذ من الإسلام والمذهب قضية تدور في فلكها .

وعلى هذا فأن المشكلة الغربية حيال الإسلام لا تعدو أن تكون عدم فهم في بنيوية الإسلام وإسلوبه بالتعامل مع الأخر ومشاركته الواقع العالمي، وابعد من ذلك يرى البعض أن الحضارة الأسلامية داعية للحوار لأنها تستطيع أن تحقق مراميها عبر الحوار ـ والحوار مادة الاسلام ـ أولاً كما وأنها الطرف الأضعف هذا ثانياً، والضعف حالة قلقة تتطلب الجنوح الى حل أخر كالحوار أو الحيلة أو المكر .

كما أن ماهية هذه التصورات والإنطباعات الغربية حيال الحضارة الإسلامية متولدة من فلسفة بعض الأطر الإسلاموية التي ترى الحوار ضرورة تكتكية وإيدولوجية لازمة لا إنفكاك منها وهذا ما دفع الإستشراقيين ذوي النزعات الكولونية بتكهنات وتصورات سابقة متكدسة في ذهنية هذا المستشرق او ذاك الكاتب الذي يتخذ من الحضارة الإسلامية والعربية مادة كتابته وهذا نجده واضحاً جلياً حتى على أعلى مستويات الحضارة المقابلة وأعني بذلك الكرسي البابوي التي تبنت مراراً هجوماً لاذعاً حيال الإسلام معللين ذلك بالإرهاب وهي دلالة خطيرة لا ترى سوى إقصاء الأخر وتهميشه وهذا اذا دل إنما يدل على فقدان التوازن والموضوعية بالنظر الى الأخر وجره بجريرة غيره وهذا ما لا يرضاه تقنين أرضي أنساني فكيف يرتضيه ناموس سماوي لاهوتي، ما عاذ الله .

 وأن كانت مسوغات كتابة هذا المقال رد فعل على إخر مبتكرات الجيش الإمريكي " وهو الداعي الى حرية الرأي وتحرير الأمم" ـ عبر إستخدام مقدساتهم مواضع للتندر والقنص، الا أن حيثيات هذا المقال تتطلب منا مراجعة ما كتبه هانتنغتون حول منابع الصدامات المتوقعة بين الحضارات وعائديتها التي لا تعدو أن تكون بسبب أختلاف التاريخ واللغة والثقافة والتقاليد والإقتصاد الحديث والتطور الحاصل في علم السيسولوجيا والاكثر من ذلك هو الدين ناهيك عن ضيق العالم قياساً بالطموحات المريضة للساسة الغربيين فكانت ولادة هذا الكائن المشوه ـ العولمة ـ ليكون إول فيروسات الصدام بين الحضارات .

واياً كانت أسباب الصدام بين الحضارات، يرى هانتغتون أن المد القومي والدول المتبنية له سيكون أقوى سلاح يمكن أن يهيمن على العالم، عن طريق تجييش مشاعر الكراهية لكل ما هو لاهوتي سماوي، عند ذلك سيوصلون الفرد الى قراءة محيقة تتبنى طروحات الإنسان " والإنسان الغربي على وجه التخصيص " كبديل عن طروحات السماء، وهذا ما حصل إبان الترويج والتثقيف الذي تبنته الحضارة الشيوعية بداية القرن الماضي .

وعلى الرغم من أن العالم اليوم يحتوي جملة من الحضارات كالكونفوشيوسية واليابانية والاسلامية والهندية والأرثوذكسية والسلافية والأميركية اللاتينية، والإفريقية، إلا أن كل القراءات الغربية لا تخطو ولا تعدو أن ترجح حصول الإحتراب الحضاري بين المسلمين او على أقل التقادير في المناطق القربية منه كشبة القارة الهندية والصين وجنوب شرق إسيا، وهذا أسلوب مريض قد لجأت إليه المؤسسة صانعة القرار وبانية التصورات بغية توجيه رؤى المجتمعات الغربية وتحفيز حس العداء من الإسلام وقضيته العالمية .

وبأسلوب ماكر خبيث نرى أن هانتغتون بدأ يؤثر بأسلوبه الموحي حتى على مستوى الساسة والعسكر في العالم من خلال تنظيراته وتبريراته لما قد يحدث في العالم كالحرب العالمية المرتقبة بين دول القلب كما يسميها وأن لم يؤقتها حالياً الا أنه لم يرفضها ولم يستبعدها، ومن جنوحاته ايضاً إستشفافه حول إمكانية ان تكون الحرب بين طرفين أحدهما مسلم، وأن لم يسمي هو الطرف الأخر الا أن تكهناته تشير الى أن الطرف الأخر هو الحضارة الغربية بكنيستها
ومريدها، وهنا عودة صريحة لما سمي بالحرب الصليبية التي تبناها البيت الأبيض .

 وتعليقنا على قولتنا بأن الترويج لأفكار صدام الحضارات تبقى تبني سياسي أو عسكري عبر شبكة شيطانية تحاول أن تضفي على نفسها القداسة المسيحية فلو أردنا أن نمعن النظر في قراءة الساسة الغربيين نجدهم أشبه بالمتنبئين أو الكهنة والمتدينين وذلك من خلال حروف كلماتهم، إلا أن الواقع يؤكد على أنهم منظّرين ومستشارين لصناع القرار السياسي والعسكري وبالتالي فهم يقرأون الحدث قبل وقوعه أو يوقعونه بقراءات سابقة تدفع الى تقبل الجماهير له بعد أن يفلتروه بطريقة إيحائية ذات نزعة كنسية أو حتى كنيستية، فمن جملة قراءات المحلل السياسي الأمريكي كاريجن الذي يرى أن القيمة العصرية للغرب بإعتباره مصدر للتنوير والتثقيف والديمقراطية وحقوق الأنسان ما هو الا تجسيد للمسيحية الغربية، وهذا ما يجعل الثقافات الأخرى والحضارات في النصف الثاني من الأرض ليس الا هامش بأعتبار أنه حصر التنوير والسلام والدعوة لبناء الأنسان حصرياً في الغرب بل أبعد من ذلك نرى من يستبعد حتى الحضارات الروسية ودائرتها الكبرى بإعتبارها متأثرة ولو بطريقة هامشية بالحضارات العربية والإسلامية لقربها الجغرافي وانفتاحها الاقتصادي .

ومع كثرة وعبقرية المروجين لنظرية " صدام الحضارات" وكل متبنياتها إلا أننا ما زلنا نراها لا ترقى إلى مستوى الإيديولوجية الواقعية كونها تركن الى تكهنات مبنية على موقف ضدي أكثر منه واقعي وموضوعي كونها قابلة جداً للتخطئة والتفنيد ـ وهذا ما حصل بالفعل بعيد نشر هذه النظرية عام 1996، كون هذه النظرية ليست نظرية بالإصل بقدر ما هي فكرة إعلامية مدعومة بسلطة ونفوذ عسكري وسياسي، أثبتت الحوادث التي عصف بها العالم بأنها مجرد واحدة من آلاف الإحداث التي لابد أن يحصل بعضها ولو من باب المصادفة .

 وهنا نحاول أن نفند بناة هذه النظرية قبل بناؤها وذلك بوجهة نظر أسلامية موجزة .

1. من جانب أعتقادي ونفسي فأن مقياس الطرح لا يقرره طارحه بقدر ما يقرره أعداءه بأعتبار أن اي جماعة بشرية ترى في نفسها ما لا تراه في غيرها من مصاديق الصواب والدقة بالمعتقد والقيم والعمل بغض النظر عن بطلان أصل القياس وطريقة الإنتخاب بدلالة (( كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبؤهم بما كانوا يعملون )) .

2. الميلان والإنحياز الى الطرف القريب زماناً ومكانا لدى هذه الجماعة البشرية أو تلك الحضارة وهذا القرب الزمكاني يحدد درجة القربة ويحقق مستوى أفضل للتوليفة والإندماج بل أنهم لا يمنحون ودهم وشراكتهم الإنسانية ما لم تقدم اليهم الأمم والحضارات الأخرى قرابينها من المعتقد والفكر والدين وتذوّب قضيتها في قضيتهم بدلالة (( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )) .

3. حرص هذه الفئة او الجماعة البشرية على أن يكون الطرف الأخر معها من غير أن تمنحها حق أن تستقل بطروحاتها وتوجهاتها مستخدمة بذلك مبادئ الأكراه والقسر، فتراها تضغط على الطرف الأخر مكر وتشريداً بل وحتى قتلاً وذلك بدلالة (( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك )) و (( قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنُخرجنَّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودُنَّ في ملتنا. قال أو لو كنا كارهين )) .

4. أن من أهل الأديان والحضارات من يَعدُ دينه أو حضارته من خصائص قوميته او عرقه فلا يريد للآخرين أن يشركوه فيها، بل لا يراهم مساوين له حتى من الناحية الإنسانية فلذلك لا يرى نفسه مُلزماً بأن يلتزم في تعامله معهم بالقيم الخُلقية بدلالة (( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيلٌ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )) .

5. جنوح رغبة بعض الأمم لفرض معتقداتهم وحضارتهم على الأخر بحيث تكون هي المسيطرة وأن يكون أصحاب الحضارات الأخرى خداماً لمصالحهم . هذه الرغبة في السيادة والسيطرة تدفعهم لأن يعدوا العدة لضمان بقاء حضارتهم وللدفاع عنها في حال وجود خطر يهددها، والعمل لإخضاع الآخرين لها. وهم يستعملون في ذلك كل إمكاناتهم التي يرونها مساعدة لتحقيق هذه الأهداف بما في ذلك اللجوء إلى الحرب، واختلاق الأزمة وتطويق الأخر بما لا يحتمله من ضمانات عبر ما يسمى بالمؤسسات والمنظمات الدولية .

لذا فأن أطروحات الحضارة الإسلامية بالضرورة اللازمة تكون بالضد من هذه الحضارات كونها كما لمسناه من إعلاه رافضة لكل أشكال الهيمنة والإكراه، داعية الى تأسيس الجماعة الكونية المرتبطة بالخالق . وهي ما يسمى اليوم بالعرف السياسي ( حوار الحضارات ) بأعتبار أننا أتباع النظرية الإسلامية، والإسلام دين الجماعة، دين الجميع، دين أختصر الزمن وكسر قيود الإختلاف، فلا عرق ولا قوم، ولاجنس. الا التقوى. العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com