|
الأخ والصديق الدكتور عبد العالي الحراك من الشيوعيين النساك،الذين يرون في الشيوعية مبادئ سامية وأهداف نبيلة،يتعامل معها كما يتعامل المتصوف في حبه الإلهي،يسكر بخمرها ويطوف في عوالمها باحثا عن الحقيقة المجردة بعيدا عما يتطلع إليه الآخرين،ممن جعلوا من السياسة والمبادئ سلما للوصول إلى أهداف ليس في آخرها المصالح الضيقة،لذلك تراه مندفعا لعشقه الأزلي اندفاع المتصوفة والزهاد،بعيدا عن الأطماع ونزوات النفس ،وما عليه الكثيرون ممن وجدوا في هذه اللعبة ما يحقق لهم بعضا مما يصبون إليه،لذلك تراه في اندفاعاته صادقا ساميا متساميا،يحاول ما وسعه الجهد تقريب وجهات النظر والوصول إلى أمر سواء. ولعله في الكثير من كتاباته من الداعين إلى وحدة اليساريين بصورة خاصة والعلمانيين بصورة عامة،لتحقيق الحلم الكبير في بناء الدولة المدنية الوطنية،لذلك تراه ممسكا بقلمه يحاور ويناور في هذا السبيل بعيدا عن مغريات الجاه والسلطة،يحاول تجاوز الهنات والأخطاء،وعدم أثارة البغضاء والأحقاد ،والاتفاق على حد أدنى من المشتركات،بعيدا عن صالح هذه الجهة أو تلك وهو رأي سليم لا يرضي الذين في أنفسهم غير ما يظهرون،وقد أحصيت له خمسة وثمانون مقالا تصب في هذا الاتجاه لم أجده منحازا لجهة دون أخرى،وإنما يقف على مسافة واحدة من الجميع،رغم ميله الفطري إلى جانب يرى فيه الصدق والحقيقة وأن جحدها الآخرين. وقد كتب الأخ أحمد الناصري في العدد2294 من الحوار المتمدن مقالا بعنوان(الصديق اليساري الوطني الدكتور عبد العالي الحراك) طرح فيها وجهة نظره في ما آل إليه معسكر اليساري من تفتت وضياع محملا جهة بعينها مسئولية هذا التدهور عازيا إليها جميع الأخطاء والسلبيات،ومع أني لست بموقع المدافع عن هذه الجهة أو تلك،ولكن كنت أتمنى على الأخ الكريم أن يكون منصفا في أطروحاته،وأن يتحلى بالموضوعية عندما يوجه سهام نقده لجهة دون أخرى،فالأخطاء تتحملها الجهات الأخرى أيضا،ولا يمكن أن نبرأ طرف من خطأ قاده إليه سوء التقدير أو عدم التأتي لمعالي الأمور،ولا أعتقد أن هناك ملائكة وشياطين،بقدر ما هناك أناس اجتهدوا فأخطئوا وآخرين كان لديهم شيء من صواب،والذي يحاول رأب الصدع والسعي للم الشمل عليه أن يتحلى بالموضوعية وأن يتحمل جزء مما حدث ،لا أن يبرأ نفسه ويجعل الآخرين عرضة لسهامه،وهو في تحيته للصديق الحراك لم يكن سائرا في الدرب الذي حاول الحراك أن يسير عليه في الحيادية التامة بين المتخالفين. وسأحاول هنا الإشارة إلى شيء ربما لا يرضي جميع الأطراف لأنه يلتقي معها في جانب ويفترق في آخر،وهو وجهة نظر قد تخطيء أو تصيب ولكنها في كل الأحوال سليمة النوايا بعيدة عن الانحياز لطرف دون آخر ،ولعلي مخطئا في قراءتي ،أمل أن يؤخذ ما أقوله بمحمل المصلحة البعيدة عن الأهواء والنزعات التي لا يسلم منها إنسان،وأتمنى على من يقرئه أن يتخلى عن عواطفه وأحكامه المسبقة عله يجد فيه ما يقترب من الحقيقة ولو بشيء مقبول. في الدعوات المتكررة لوحدة اليسار طرحت الكثير من الآراء النافعة لكنها للأسف الشديد اصطدمت بالخطوط الحمراء والأحكام المسبقة لأطراف النزاع،ولم تحاول جهة ما التنازل عن عليائها لتأخذ زمام المبادرة،وتحاول مد خطوط التعاون مع الآخرين،وهذا متأتي عن نظرة فوقية لا تنسجم والطموحات التي يدعوا لها الساعين لتوحيد الجهود في هذه المرحلة الحرجة التي يتوقف عليها مصير اليسار بمختلف تلا وينه،واليسار الماركسي على وجه الخصوص،لذلك أطرح فيما يلي بعض النقاط التي يمكن أن تكون ورقة عمل يمكن بلورتها واغنائها بما يطرحه الآخرين من تصورات نافعة في هذا المجال. · نلاحظ أن هناك أطراف يسارية عديدة يجمعها توجه واحد هو محاربة القيادة الحالية للحزب الشيوعي العراقي،وهو الجهة الوحيدة التي تمتلك رصيدا على الأرض له وجوده بغض النظر عن حجم هذا الوجود وأحقيته بالتمثيل الحقيقي للشيوعيين العراقيين. · هناك أطراف تراهن على المقاومة المسلحة وأنها التي تمتلك الحظ الأكبر في التغيير،أتحدى هذه الأطراف جميعها أذا كانت تمتلك بندقية واحدة انطلقت منها أطلاقة يتيمة لمقاومة المحتل،عدى الحرب الكلامية التي تمجد أفعال ما يسمى بالمقاومة،التي لها أجندات بعيدة عن أي منطلق وطني تقدمي،فالمقاومة التي على الأرض تكوينات طائفية تحمل في أجنداتها ما يدعو إلى محق اليسار والقضاء عليه ،لأن اليسار الحقيقي هو العدو التاريخي لهذه الجهات،وجهات أخرى بعثية من العار على من يحمل أسم الشيوعية أن يفكر في يوم ما بالتحالف معها حتى وأن جلبت صكا ماركسيا لينينيا ستالينيا بريجنيفيا تروتسكيا الى آخر القائمة،لذلك عليهم اللعب بورقة أخرى غير هذه الورقة السوداء. · أن النضال لإخراج المحتل،لا يكون بالشعارات أو البيانات ،فالعمل الحقيقي يكون في الشارع والمصنع والحقل والمدرسة وغير ذلك من التجمعات ،ومن يتصور أن الإنترنيت أو الصحيفة أو أي وسيلة أعلام أخرى قادرة على أخراج المحتل يعيش في وهم ويسبح في الخيال،ولي أن أسأل أين هي هذه المنظمات الجماهيرية التي تمتلكها المنظمات اليسارية،,هل تستطيع هذه المنظمات مجتمعة أخراج تظاهرة لمئات الأشخاص،أو تقوم بإضراب له تأثيره الواضح،وأين هي التنظيمات الحزبية التي تمارس دورها في الساحة العراقية ،لقد بحثت عن هذه الإبرة في أكوام القش فلم أجد لها وجودا سوى في عقل من كونها بخياله لا غير. · أن الأطراف العاملة على الساحة العراقية بما فيها الأطراف الكردية والتي تطلق على نفسها ديمقراطية لا يمكن لها أن تلتقي في يوم ما مع الحزب الشيوعي أو أي طرف ماركسي إلا بما يخدم توجهاتها ومصالحها،ولنا في التاريخ عبرة بدراسة الماضي ومقارنة الأحداث ،لذلك علينا أن نفهم هذه الحقيقة،وأن لا نفسح في المجال لتحقيق طموحاتهم التي تنتهي بمداها البعيد بإنهاء الشيوعية والشيوعيين،وعلى الشيوعيين ذاتهم أدراك هذا الأمر والسعي لتوحيد صفوفهم والالتقاء على المشتركات الكثيرة التي تجمعهم ،وإلا فأن هذا التشرذم كفيل بمسخ هذا الوجود وإنهائه .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |