اللعب بقضايا الاندماج في النمسا
نادية عيلبوني/ صحافية
فلسطينية مقيمة في فيينا
hawe_sami2000@yahoo.co.uk
ربما لا نأتي بجديد إذا ما أعدنا تكرار حقيقة أن من يتصدرون تمثيل الجالية الإسلامية في النمسا لا يمثلون كل المسلمين فيها. فالإسلام كما المسلمين ليسوا حزمة واحدة لكي يتصدر أصحاب مذهب ما بعينه تمثيلهم. كما أن سياسة الإقصاء والتهميش التي يتبعها البعض هنا ما عادت تجدي لستر العورات الكثيرة التي تظهر من تحت الرداء الطائفي ذو اللون الواحد، للذين اعتدوا على التنوع الجميل الذي يقدمه الإسلام في صورة شيعته وعلويته ودروزه وإباضيته وإلى آخر ما هناك من مذاهب إسلامية.
إلا أن الجديد في الأمر حقا ليس فقط هذا التعدي على حالة التنوع الموجودة بين صفوف المسلمين بادعاء تمثيلها جميعا وحسب، بل في محاولة بعض المتنفذين الذين يدعون تمثيل الجالية الإسلامية من الذين يعملون في مجال الاندماج للعودة بمجتمع الحريات التي دفعت ثمنه النمسا عشرات الآلاف من الضحايا على مدى تاريخها، إلى الوراء. ليس هذا وحسب بل ومحاولة هؤلاء رعاية كل من يسعون لإثارة الفتنة الطائفية والدينية بين الأديان المختلفة في النمسا .
الندوة التي دعت إليها المجسترات ( دائرة البلدية ) 17 ومنظمة الإعلام والثقافة المصرية في يوم 27 -8-2008 حول مشاكل الأسرة المسلمة في المهجر ،والتي أدارها السيد عمر الراوي والدكتورة منال أبو العلا،هي في الحقيقة ليست إلا محاولة مبطنة ظاهرها بريء وباطنها مليء بالحض على التمييز الديني، وإلا ما معنى أن يتم السكوت ما قاله الذين طرحوا مشاكل طلاقهم مع زوجاتهم لدى قيامهم بالتهجم على المسيحيين واليهود وعلى قيم الحريات في المجتمع النمساوي وتحت سمع وبصر من حضروا من المجسترات 17؟ وما معنى أن يحاول القيمون على الندوة طرد الصحافيين النمساويين والعرب من القاعة بدعوى أن المحاضرة تطرح مشاكل خاصة علما أن الدعوة إلى الندوة كانت عامة عبر موقع رابطة الإعلام والثقافة المصرية على الانترنت؟ لقد أصر الصحافيون على التواجد لأنه لا يوجد قانون يمنع حرية الصحافة في النمسا، ولأن ذلك المنع مخالف قلبا وقالبا للدستور النمساوي بشأن الحريات؟ فابتدع القيمون على الندوة أمام عدم استجابة الصحافيين للخروج أن لا يكتب عن حيثيات تلك الندوة.
ونحن لا نفهم حقيقة تحت أي مسمى يتم منع الصحافيين من التواجد أو الكتابة في ندوة عامة مدعوون إليها؟؟!!!وكيف يسمح عضو برلمان لنفسه بأن يخاطب الصحافيين بتلك الطريقة الغير لائقة وأن يطلب منهم طلبا مخالفا للدستور النمساوي؟
الندوة التي أقيمت والتي تحدث فيها بعض الأشخاص عن حيثيات طلاقهم في رأينا، لم يكن الهدف منها فقط عرض المشاكل لمناقشتها بقدر ما كانت تشجيعا على التمرد والتطاول على قوانين الحريات المعمول بها في هذا البلد، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية. لقد اتهم المتحدثون تحت سمع وبصر الجميع بوجود مؤامرة مسيحية ويهودية تقوم بها أيدي سوداء لتخريب الأسرة المصرية المسلمة. وادعى القيمون على الندوة والمتحدثون في ذلك الفيلم عن عدم شرعية اللجوء إلى القضاء الغير مسلم في حالات الطلاق والزواج.
لقد أستفزت تلك الندوة عن عمد المشاعر الدينية لعدد من الحضور المسيحيين الذين أبدوا امتعاضهم من الطريقة العدوانية التي تم التعرض فيها للمسيحيين. ولا يعني هذا أننا ضد أن تطرح مشاكل المسلمين أو الأجانب في بلد المهجر إلا أن هناك فرق واضح وبيّن بين أن يتم عرض المشاكل بموضوعية ودون محاولة الإساءة لأي أحد وبين أن يساء إلى المختلفين دينيا بحجة الحريات الدينية. لقد كان بإمكان القيّمون على الندوة أن يجدوا غير هذه الطريقة التي أساءت للمسلمين وغير المسلمين من أبناء الديانات الأخرى سواء منهم العرب أو المسلمين إذا كان الهدف هو العمل على تطبيق الشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية على المسلمين في النمسا ،وهذا الأمر يمكن تلمسه من خلال متابعة حيثيات الندوة ومن طريقة عرض المشاكل التي قدمها الرجال (كلهم مصريون) وامرأة واحدة مصرية أيضا، واستبعدت منها النساء قصدا في محاولة لتصوير أن الظلم يقع على هؤلاء الرجال فقط لأنهم مسلمون، دون أن تذكر أسباب طلاقهم ودون حضور زوجاتهم للاستماع إلى وجهات نظرهن وظروف طلبهن للطلاق وما تعرضن له على يد هؤلاء الأزواج، إلا أن هذا لم يحدث الأمر الذي يجعلنا نميل إلى الاقتناع بأن كل شيء كان مدبرا ومخططا له بهدف كبير يجري العمل على تنفيذه وبمشاركة الماجسترات 17 التي صمتت عن الإساءات التي قدمها الفيلم للمختلفين دينيا. وربما أيضا بمباركة الحزب الاشتراكي الذي يدعم لونا واحدا من المسلمين على حساب المكونات الأخرى المتنوعة لمسلمي النمسا.
نستنكر بشدة تلك الطريقة الغير لائقة والتي تعيدنا إلى أجواء الشحن الطائفي التي تعيشها مصر وبعض الدول العربية بين المسلمين والمسيحيين والتي تقودها الحركات الأصولية عادة. ونرفض تصدير مشكلات العالم العربي بمشاكله الطائفية إلى هذا البلد، كما نستنكر كل محاولة يشتم منها إعادتنا إلى أجواء الاستبداد السائدة في البلدان الديكتاتورية التي نسعى جاهدين إلى التخلص منها في وطننا الجديد النمسا. ولا يسعنا إلا أن نستنكر أيضا تلك الأصوات التي تريد إعادتنا إلى محاكم "التفتيش" الإسلامية على شاكلة ما حدث من قبل المسلمين المتطرفين في كل من الصومال أو أفغانستان في عهد طالبان. وإنني اعتبر مع كثير من النساء العربيات والمسلمات أن قانون الأحوال الشخصية في النمسا هو خلاصة ما توصلت إليه الحضارة ومجتمع الحريات وهو يلبي إلى حد كبير حاجات نسائنا إلى الحرية والكرامة. كما نعتبر أن المحاكم النمساوية كما المنظمات التي تعمل على مساعدة المرأة والدوائر التي ترعى شؤون الأطفال كل هذه جميعا تلبي طموحاتنا وحاجاتنا كنساء ولا نجد أي داع لتغييرها، كما يسعى بعض الرجال الذين يريدون الهيمنة على الطفل وعلى المرأة وعلى العائلة. وأن أية محاكم خاصة أخرى ما هي إلا محاولة للعودة بنا وبالمجتمع النمساوي إلى القرون الوسطى التي ولت والتي لا نريد لها أن تعود مهما كانت الاعتبارات أو المسميات.