|
الموضوعات التي تتناول اللهجة المحلية هي من اخطر الاشياء التي يحتاج كاتبها الى دقة وقدرة عالية في تجسيد الواقع وجهداً استثنائياً يقع على الممثل نفسه كي يتعايش معها ويتمكن منها، ولعل الدراما المصرية ذات الثقل الاكبر عربياً كانت سباقة في فرض لهجتها الريفية (الصعيدية) على المتلقي العربي مما جعله بعد ذلك يتقبلها بكل رحابة صدر بعد ان تمكن من مفرداتها وفهم معانيها رغم البعد المكاني واختلاف الثقافة . والعودة عندنا الى اجواء الريف تحتاج الى عمل كبير يعيد لنا صورته الحقيقة بعد مساحة الحرية المتاحة للكاتب والممثل وطرح المواقع دون تزيف وتملق بعد ان كانت هناك جملة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تناولها وخصوصاً المسألة السياسية المرتبطة اصلاً بالحياة الاجتماعية بالنسبة لتلك المرحلة التي كان يصورها المسلسل. ولعله عاد بالمشاهد العراقي الى مسلسلات كانت حاضرة قبل اكثر من 25 سنة مضت مثل (الدواسر وجرف الملح) . (بيت الطين) الجزء الثاني الذي عرض عبر الفضائية السومرية للمخرج والكاتب عمرا التميمي الذي وجد في النجاح المنقطع النظير الذي حققه الجزء الاول فرصة في اكمال المسيرة التي بدأها والمخطط لها سلفاً عبر النهايات المفتوحة والتي تجعل المتلقي مهيأ ذهنيا للجزء الاخير، المسلسل بجزئيه الاول والثاني قائم على اللهجة الريفية الجنوبية ذات المفردات العميقة والتي تحتاج احياناً لمفسر بالنسبة لبعيد عنها في نفس الوقت يحتاج الى ممثلين متمكنين منها بحيث نشعر بالانسجام والسلاسة بادية على هؤلاء الذين احياناً اجهدوا انفسهم في التلاعب بها، ولعل هذه اللهجة التي كانت يوماً من الايام محط سخرية واستهزاء البعض اصبحت اليوم سر نجاحها وقبولها حتى الذين لم يعيشوا تلك الاجواء خصوصاً انها تصور فترة نهاية الملكية وبداية الجمهورية وهي مرحلة تغيير كبيرة في حياة الفلاحيين الذين عانوا الاقطاع وتسلطه على رقابهم وتنفسوا الصعداء في زمن الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم وشعروا بقيمة الحياة بعد ان كانوا لا يملكون شيئاً، ومع كل الاف تناول المسلسل هذه الفضية بنوع من السخرية وان هؤلاء الفلاحين غير مؤهلين لامتلاك حريتهم والتصرف بحياتهم الاقتصادية وانهم بحاجة الى وحي يدير اعمالهم بالرغم من ان قانون الاصلاح الزراعي والعمل ابرز انجازات الراحل عبد الكريم قاسم ومازال الذين عايشوا تلك المرحلة يشعرون بقيمتها واهميتها حتى هذا الوقت. المسلسل في جزئه الثاني قائم على احداث الجزء الأول مع بعض التغيير في الشخصيات والذي كان موفقاً في الكثير منها جاء طارئاً ولم يضف لها بعداً درامياً، ولكن تبقى الشخصية الرئيسة في هذا المسلسل هو (عليوي) الذي يؤدي دورها الفنان المتألق حافظ لعيبي ذات الروح الانفجارية من خلال عدم الانقياد بسهولة والسعي وراء الحقيقة رغم بساطتها وعفويتها ولكنها استطاعت طرح همومها ومشاكلها بصورة ابن الريف الثائر ويشاركه كل هذه الاحداث رفيقه (شلش) الذي تربطه به علاقة روحية حتى اصبح عرابه وموجهه في جميع تحركاته وتنقلاته، ويبدو ان هذه الشخصية تطورت في الجزء الثاني الى رجل حكيم ومعلم قادر على فهم احوال الناس وفهم نفسياتهم بعد ان كانت في الجزء الأول تهذي بكلمات بسيطة وعلامات المس الجنوبي بادية عليها، ولا نعرف لماذا حول هذه الشخصية وقلب تركيبتها؟ أهي رحلة الغيبة.. لا نعرف لماذا هذا التحول؟ شخصيات الجزء الأول والثاني لم يطرأ عليها تغيير يذكر مثل شخصية (عجاج) ميمون الخالدي و(فهيمة) فاطمة الربيعي فهي تؤدي نفس الشخصية مع تغيير الاسم فقط فهي متمردة وشرسة وقوية تحاول فرض سيطرتها على البيت وهي امتداد لشخصية (نوعة) وحتى شخصية (جوية) انعام الربيعي فهي ايضاً امتداد لشخصية (نومية) مع المبالغة في اللهجة والخروج عن العفوية التي ظهرت جلياً في شخصية (عذيب) على داخل الذي اجاد في رسم الصورة الجنوبية بكل حركاتها وقسماتها ويشاركه في ذلك (كشغيل) ماجد ابو زهرة في حين هبط (عيد) مازن محمد مصطفى الى دون المستوى، ولعل ذلك يعود الى ان دوره ليس فيه انفعال ريفي بقدر شخصيته السطحية والبسيطة التي لا تعرف ماذا تريد. اما الشخصيات التي تعد على الجانب الكوميدي مثل شخصية العريف (شلتاغ) فقد قيمتها من خلال المبالغة في الكوميديا المصطنعة، في حين نجد الثنائي (هلال وبدر) محمد سلام وكريم الشيخ نجاحاً في لعب الشخصيتين بشكل رائع وعفوي مما جعلهم يسرقان الاضواء من ممثلين يعدون من الرواد. بعض المشاهد الكوميدية جاءت طارئة وكأنها مجتثة من المسلسل وربما يعود ذلك لطرد حالة المحلل التي قد تصيب المتلقي وايجاد نوع من الطرافة على الحلقات التي كانت تقتصر على هذا العدد الذي جاوز الثلاثين حلقة. اما شخصيات الجزء الثاني فقد اضاف بعضها جواً من المتعة والحركة للمسلسل كما في شخصية (وحيد) علي فرحان بالرغم من انها لا تشكل ثقلاً في الوجود او عدم وبراعة الفنان جعلته يفرض نفسه ممثلاً مبدعاً استطاع الولوج الى القلوب عبر البساطة والعفوية، ولعل اكثر الشخصيات جدلاً هي شخصية (هديرس) او (مزهر) عبد جعفر النجار الذي جمع الاخلاص للوعود والوفاء للصديق والمجرم الخطر الذي استطاع ان يلعب الشرطة ويحتال عليها مرات عديدة والقادر على تقمص الشخصيات الريفية والحضرية وحتى المجنون منها، وهل يعقل ان مجرم مسجون مثل (مزهر) ان يخاطر بحياته من اجل اعادة الحق لاصحابه علماً انه اعتاد على السلب والنهب والكسب الحرام ولكنه يملك قلباً رحيماً وعطوفاً خصوصاً مع (شلش) الذي اخبرهم عن مكانه و(عليوي) هذه الشخصية اضافت للعمل بعداً درامياً مع عدة تناقضات فيها. ويبقى ان نقول ان شخصيات مثل (سرمد وسرينا وشوكت) لم تضف للمسلسل اية حركة بل انها بدت خارجة عنه، اما شخصية (فتنة) فقد بالغت في فرض رأيها على والدها الشيخ (عجاج) علماً ان في ذلك الوقت يتزوج الشيوخ والاقطاعيون بالعشرات من النساء من دون الرجوع لاولادهم والاكتراث بهم مما جعلها غير موفقة في اداء هذه الشخصية البسيطة. والحق يقال ان مسلسل (بيت الطين) تفوق فيه الممثلون الشباب على جيل الرواد اذ انهم سحبوا بساط النجومية من تحت اقدامهم وايضاً ان هذا العمل العراقي يعد من الاعمال التي صورت داخل العراق رغم الظروف التي نمر بها عكس اغلب الكسلسلات التي تصور في سوريا والاردن.. نأمل للدراما العراقية المزيد من التطور والتقدم بما يطرح من قضايا المجتمع العراقي بصورة جلية وبعيداً عن المبالغات التي تخدم الفن احدى قنوات الاعلام المرئي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |