مغتربون منفيون؟ أم هم حصان طروادة؟

 

 

عصام الياسري/ برلين/ صحفي عراقي

 isamalyasiri@yahoo.de

بدعوة من بعثة الجامعة العربية في برلين، لأن أقدم مداخلة محررة خلال لقاء الأمين العام المساعد للجامعة العربية السيد الشاذلي بأبناء الجالية يوم ٢٢ مايو/ أيار ٢٠٠٨ في برلين، ولأسباب تتعلق بالطرف الآخر " ما عدا مما بدا " حال في اللحظة الأخيرة دون تقديمها. والجدير بالذكر كان للمداخلة أن تتناول أهمية العلاقة المتبادلة بين الجامعة والجاليات العربية في بلاد المهجر، ومنهم المغتربون والمهجرون، أيضاً ما المطلوب من الطرفين عمله لتفعيل دور الجالية في مضمار تحسين أوضاعها سيما في المجال الثقافي والاجتماعي. وفي الجانب الأخر، كان عليّ أن أسلط الضوء على ما يحيط المسألة من جوانب سياسية متراكمة، أثرت إيجاباً أو سلباً، على العلاقات الاجتماعية فيما بين أبناء الجالية العربية، وبينها وبين المجتمع الجديد عليها، يعتقد البعض ومنهم الرسمي العربي أنها من المحرمات التي لا ضرورة لتناولها، لأستطيع ملازمة وتصنيف الموضوع كما ينبغي. (ملخص المادة سينشر لاحقاً للفائدة العامة)

 إن عدم الغَرَاء بالأمر حال للأسف دون الوقوف على ما لدينا من طروحات وأفكار ربما كانت ستساعد على بلورة المحاور، أو إثراء النقاش على أقل تقدير، طالما أن الضيف الكريم أتى ليستمع إلى الجالية ونقل آراءها ومعاناتها للمعنيين في مقر الجامعة العربية فيما بعد.. ويؤسفني القول بأن المبعوث لم يتناول شيئاً مهماً يتعدى إطلاق سيرة ذاتية لحياته، عرفنا ضمناً بأنه كان لسنوات وزيراً للداخلية في تونس، وما ورد على لسانه قبل يوم من هذا اللقاء بات أثر بعد عين وحل مكانه ديباجات تقليدية. فهو لم يقل في مطالعاته شيئاً جديداً، وإن قال، فكلامه لم يكن إلا كلاماً إنشائياً، يستعرضه كل مسؤول عربي حين يلتقي مواطنين عرب هنا وهناك، شعارات نمطية عهدناها منذ ٤٨ للإستهلاك السياسي وإثارة المشاعر، كالقضية الفلسطينية أو لبنان أو العراق.. بالمقابل استطاع أبناء الجالية العربية استعراض همومهم وطموحاتهم وأفكارهم بشكل واضح ومسؤول، إلا استثناءات ذهبت بإتجاه فكر طائفي واثني لا له من ناحية الموضوع وخصوصية المكان والزمان أي ضالة سوى "بوق" بدافع سياسي اعتاد في كل محفل تشويه حقائق ما يجري في ظل الإحتلال على الساحة العراقية.

وتجدر الإشارة إلى أن الأستاذ الشاذلي قد تناول قبل يوم من هذا اللقاء ثمة مسائل خطيرة ساقها أثناء حديثه المرتجل مع الجالية، كقوله: إننا توجهنا لمخاطبة الإتحاد الأوروبي وغيره، معرفة الكفاءات التي هم بحاجة إليها لنُصدرها إليهم دون أن تتعرض إلى إشكاليات قانونية ـ فأن صح هذا فيعني أن هناك ثمة توجه رسمي لإفراغ المجتمع العربي من طاقاته البشرية، كما يعني الإطاحة بمنظومتنا العلمية والصناعية والإقتصادية بجريرة الإنفتاح.. وقوله إن مسألة الهجرة أصبحت واقعاً، الأمر الذي يقتض أن نتعامل مع أصحاب الأموال العرب في المهجر كمصدر لدعم الاقتصاد الوطني. هذا جيد إذا أتاح المجال أمام القطاع العام لأن يطور نفسه، وأخذ بعين الإعتبار تحسين الأوضاع المعاشية للفقراء وإيجاد فرص عمل لهم، وأن لا يصبح وسيلة لفائدة المستحوذين على قطاع رأس مال السوق وأصحاب النفوذ في الدولة، وهو الهدف الحقيقي من وراء ذلك.

 إن أي إطار رومانسي يغوص في البحث عن نماذج لا تقدر المعيار النسبي، كما لا يستطيع تحقيق أحلام المجتمع وتحريك حالة التجديد لديه بواقعية ملموسة، سيبقى حالة لا تحتمل، على أبناء الجالية العربية ألا يبالغوا من باب المجاملة لتقديس الرسمي العربي إذا ما قال كلاماً معسولاً لا يعط للخبز مذاقاً ولا يغني من جوع، وعليهم أن يدركوا بأن أي إطار رسمي لا يحسن اختيار البدائل، ولا يحسن اختيار الأولويات، لا يمكن أن يكون قادراً على مساعدة أبناء مجتمعاته، بالقدر الذي يسوق فيه شأناً يعود بالفائدة على أصحاب القرار هنا وهناك، عامداً عن قصد أو دون قصد لأن نكون حصان طروادة لتحقيق مآربه السياسية وظيفياً.

 لقد غص إطراق العين من كلام الأجلاء ولم نجد أية ألفة أو ابتكار يقوم على الرغبة في التغيير، بقدر الإبحار في رياض كل ما يدعو له صاحب القرار، مسؤولا، اعتدنا دائماً على أن يكون إطاراً شمولياً حد القداسة. وإذا كنا نتطلع إلى تأملات جديدة تتجاوز نمط النظام السائد في الوطن العربي، ونأبى كبح عواطفنا ثقافياً وفكرياً وسياسياً، لافتراضات خاطئة، فعلينا أن لا نبحث عن حلول في مجازٍ، قلِب علم المنطق مغزاها كواقع حال للتغيير، إنما علينا أن نواكب مظاهر التمايز وتحويلها إلى أدوات فعالة تخدم مصالح أبناء الجالية العربية في المهجر لا على أساس الولاءات، بل على أساس التوافق بين أهل الدار.. ولعل أصدق موقف يتناغم مع مذاق المغتربين والمهجرين العرب ما قاله الرئيس اللبناني الجديد سليمان بحق الأشقاء اللبنانيين المغتربين، عندما دعا إلى الاهتمام بهم، مطالباً إعادة حقوقهم ومنها حق الجنسية والإنتخاب.

 وإذا كان اللقاء قد أغدَرَ دون سواه، فلابد من الإشارة إلى أن بعثة الجامعة العربية في برلين قد حققت نجاحاً هاماً على صعيد العلاقات ووضع خطط وأوراق عمل مستقبلية ساهم في بلورتها وإعدادها بعض المعنيين من أبناء الجالية العربية على الساحة. وتعاملت مع هذه القضايا والمنعطفات بواقعية وموضوعية، الأمر الذي أسس في الآونة الأخيرة إلى إجماع بين الأطراف على أهمية التعاون والحرص على تثبيت ما اتفقوا عليه في كافة المجالات، وربما أنشأ سمات وملامح جديدة تستمد عناصرها النموذجية من مختلف الصور والأفكار التي استعرضها كل حسب خبرته وتجربته خلال الجلسات التي شارك فيها بحرص رئيس البعثة الأستاذ مسيّب، بهدف المساهمة في رسم مظاهر الإبداع المؤسساتي والإداري لتحقيق ما يصبو إليه الجميع ومواجهة العقبات وحالات الاستياء.

 نتمنى من أبناء الجالية العربية في المهجر ولاسيما الكفاءات، أن تأخذ زمام المبادرة لفرض بيئة جديدة تحقق ازدواجية التعايش بين عالم إفتج قومه، وعالماً جديداً إنسلخوا إليه. طاقات عملية تمزج بين العطاء والنصح والإرادة، وتتمتع بمرونة الحراك الاجتماعي والفكري والجيوديموغرافي والنفسي لتيسر الأدوار الهامة التي يضطلع بها المثقف والعامل والطالب العربي على مستوى النساء والرجال في المهجر، كما تستقر عليه كنتاج نموذجي بعثة الجامعة العربية في برلين التي أسدت حرصاً بالغاً للمساهمة في ترميم بيت المغترب العربي من الداخل والخارج.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com