د.عبد المنعم عنوز/ محام واكاديمي

saal1@t-online.de

ان كل تصرف دولي يقود الى ابرام اتفاقية دولية ، لابد ان يبدأ بمرحلة التفاوض حول تحديد شروط هذه الاتفاقية من الناحية الشكلية والموضوعية. ومن متابعة ما نشر من تعليقات حول الموضوع ،يثير الالتباس وكأن مثل هذه الاتفاقية قد حسم امرها وهي جاهزه للتوقيع وملزمة للاطراف الموقعة وترتبت آثارها في التنفيذ والالتزام بمضمونها. الحقيقة غير ذلك . لماذا ؟ لان كل اتفاقية دولية يريد منها ان تكون نافذة قبل الدولة العراقية لابد ان تنال شرعيتها بعد عرضها على المجلس التشريعي(البرلمان)  لمناقشتها ومن ثم لرفضها أوتعديلها  أولاقرارها والمصادقة عليها ، وهنا يلزم ان تنظم بقانون عملية المصادقة على المعاهدات والاتفافيات الدولية بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب كما جاء في نصوص الدستور العراقي الجديد.

اذن لماذا تتصاعد الاحتجاجات لمناقشة مشروع الاتفاقية العراقية – الامريكية؟ هل هو بسبب ضعف الثفة في نوايا المفاوض العراقي أوانه ناتج عن واقع اصطفافاته السياسية التي قد تقود الى كثير من التنازلات للجانب المقابل ؟ ام في مثل هكذا مشروع اتفاقية  ، هل يفتقر الجانب العراقي  الى عناصر الضغط لتأمين التوازن العقدي بين الاطراف كما هو الحال في كافة الاتفاقيات والعقود الدولية عند تثبيت بنودها؟

أم ان هنالك وضعا اقليميا مرتبكا لايسمح باتخاذ موقف الانحياز حاليا الى القطبية الاحادية وهي في صراع دائم مع بعض دول الجوار؟ ( ايران وسوريا )

هذه بعض التساؤلات التي تتردد في ذهن المراقب السياسي وكذلك عند المواطن العراقي المتابع لمراحل بناء الدولة العراقية الجديدة في كل المواقع وما يرافقها من تبني مشاريع قصيرة أو طويلة الامد.   

الخلل الكبيركما نراه دائما هوعندما تريد الحكومة العراقية طرح مشروع قانون ذو اهمية جوهرية في بناء الدولة العراقية  أو كما هو الحال لمشروع الاتفاقية باهميتها وابعادها هذه ، فانها، ونتمنى ان لايكون ذلك عن قصد، تعمل دون دعم اعلامي مسبق لتبيان الحقائق مسبقا بواسطة وسائل الاعلام وبكافة انواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة وبلغة بسيطة يفهمها عامة الناس. بهذه الاجراءات البسيطة نغلق الطرق لكل من ينتظر خلل الاداء للنظام السياسي الجديد للوثوب عليه أوالطعن المستمر بعقلانية سياساته ومنها الخارجية في هذه المناسبة.

لنعود لموضوع مشروع الاتفاقية المقترحة،فان كثير من ضوابط العلاقات الدولية يكون لها فعلها المؤثر في تحديد مسار التفاوض وقوة التأثيروالنفوذ لكل جانب . ولاشك ان خاصية اللاتجانس بين الوحدات الدولية المتفاوضة من حيث التمتع بعوامل القوة والنفوذ رغم تمتع الدولة العراقية في جوانب كثيرة بالسيادة التامة ،فانه بلاشك يشير بان قوة وضع القواعد لمضمون هذه الاتفاقية هو ان الجانب الامريكي قادر على صياغتها ووضع المقيدات التي لا مناص امام المفاوض العراقي الا العمل وفقها والالتزام بها او عدم التجاوزعلى مضامينها، وان كان ذلك بدرجة نسبية .وهذا ما نحذر منه.

قد تكون مدركات صناع القرارالعراقي في مرحلة التفاوض تخضع للتأثير بحساب الفوائد والعوائد المجزية المناسبة التي ستنتج عند استجابتها لبنود الاتفاقية المقترحة ، وهذه وجهة نظر.الا انه في اطارالحسابات الدقيقة ومراعاة الظروف الاقليمية القائمة ، فانها لاتشجع على فعل اية مبادرات للتغيريكون مصدرها الاساسي والفاعل والمؤثر هو الجانب الامريكي. ان اية محاولة للاقدام في الظرف الاقليمي الراهن على احداث تغييرات دون القاء بال للمدركات الواقعية والتي ينبغي ان يدركها صناع القرارفي الدولة العراقية قد تكون نتائجها مكلفة وتقود الى حالة اللااستقرار في العلاقات الدولية الاقليمية. فليس من مصلحة العراق احداث ارباكات او ان يضع نفسه طرفا فيها من شأنها التأثير في النسق العام للنظام الدولي الاقليمي ويجعل منه غير مستقرا، وذلك للسببين التالين:

السبب الاول:  ان الهاجس الامني هو دائما مصدر الارباكات للوضع الدولي المعاصر. وان حرص الجانب الامريكي لابرام اتفاقية ستراتيجية مع العراق له ابعاده التنافسية في طبيعة المنظومة الدولية وتحديد معامل النفوذ والفعل عند تعرض القطبية الاحادية الى التغيير وهو ما سنبين مصدره لاحقا. وسؤالنا هو الا يشكل العراق امتدادا جغرافيا يبدأ من الحليف الستراتيجي تركيا ويمتد الى دول الساحل الغربي للخليج العربي وخاصة الدولة الاكثر تاثيرا ونفوذا هي المملكة السعودية؟ هذا على ما يبدو الغرض والباعث لابرام هذه الاتفاقية تسعى اليها الادارة الامريكية. ونحن نعلم من جانب آخر طبيعة العلاقات وعمقها الغير معلن عنها من اتفاقيات ستراتيجية بين هذه الدول وامريكا في هذا الخط الجغرافي  . وهذا الامتداد بطبيعته يكون قادرا على توفير كل مقومات اداء الفعل المؤثرفي الصراعات الدولية ذات الطبيعة جيوبولتك. وعندما يكون العراق طرفا في ذلك بشكل أو بآخر فلا شك انه سيكون في الخط الامامي وفي المواجهة المباشرة لمثل هذه الصراعات ومدى خطورته في الظروف الدولية الراهنة اذا حددنا هوية الطرف المقابل لهذا الصراع كما يبينه السبب التالي.

السبب الثاني :هو ان المتابعة لواقع العلاقات الدولية لجمهورية روسيا يؤشر انها  تسعى جاهدة الى ايجاد القطبية المضادة . ولقد  خطط له الرئيس بوتن  واهم واجباته تنفيذ هذا المشروع وهو رئيسا للحكومةالحالية. وصحيح جدا ان مثل هذا الافتراض لايستند على اثباتات ملموسة. والافتراض قائم ايضا بانه من المحتمل ان تكون ايران طرفا في هذه الستراتيجية لحسابات المنفعة وازالة الهاجس الامني لديها عند تواجد القوات الامريكية في جوارها وان تكون ثقلا اقليميا مهما بتعاونها مع الطب المفترض. الم نرى كيف يحاول الروس ابعاد او تذويب الضغوط التي يمارسها بعض اعضاء المجتمع الدولي الفاعلين لايقاف مواصلة ايران  تنفيذ البرنامج النووي؟ وهذا مايبين ايضا رفض ايران الشديد لكل جهد عراقي في ابرام اتفاقية مع الجانب الامريكي. ومن جانب آخر، يعتبر الثنائي روسيا وايران ان في العراق عمقا جغرافيا بأهمية ستراتيجية يؤمن خط الارتباط حتى سواحل البحر المتوسط في سوريا وفي جنوب لبنان . من هنا ندرك طبيعة التصارع من اجل تامين مستلزمات القوة والنفوذ وفعل التأثيربين القطبين الحالي والمفترض.

ما هو الموقف الذي يفترضه المراقب والمحلل السياسي لكل ما يجري لاعداد هذه الاتفاقية؟

لاشك ان من بينهم من يوصد الابواب نهائيا ويجعل من الدولة ان تكون عاجزة في التعامل مع واقع العلاقات الدولية وتحجيم اية محاولة لصناع القرار فيها اختيار ما هو مناسبا للتفاعل معه تحقيقا للمصلحة الوطنية العليا. الا ان هذا التفاعل الدولي لاتكون نتائجه ايجابية الا بتوفر االشروط التالية:

الاول ، هو توفر حسن النية لدى المفاوض العراقي بعيدا عن الدوافع السياسية اوالحالة الاقليمية داخل الوطن وبواعث تاسيسها.

الثاني ، هو ان يكون الجانب العراقي في موقع القوة سياسيا واقتصاديا وامنيا . ويتحقق ذلك بدفع اجراءات التضامن والتحالف الوطني الى درجات متقدمة من الوعي ونكران الذات  والانصياع لحكم الضرورة في الحفاظ على هذا البلد من كافة الاطراف التي فرضت نفسها في واقع الحراك السياسي والامني.

الثالث ،هو توفر الكفاءة والاختصاص في تحريربنود مثل هذه الاتفاقية لدى الطرف العراقي كي يتمكن من ضمان حالة التوازن في تحقيق المنافع المتحققة بعد ان تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ.

ولغرض تحقيق الشروط اعلاه نرى مايلي:

1- محاولة التريث وكسب الوقت من الطرف المقابل. هذا الوقت المضاف  سيسمح في مضاعفة الجهود لتحقيق الوحدة الوطنية بين كافة الاطراف والكتل السياسية.

2- النهوض بالواقع الامني الى درجات متقدمة والذي سينتج عنه تقدما في الاقتصاد والخدمات ويزيد عند ذلك من تفاؤل الفرد العراقي وثقته بقادته السياسيين صناع القرار.

3- مراقبة درجة حركات التغيير الاقليمية وحال العلاقات الدولية التي تتزامن معها وتقييم درجة الصراع بين اطرافها كما وضحنا ذلك اعلاه. 

4- ان مشروع هذه الاتفاقية يكون اكثر وضوحا ويكتسب عناصر القوة في الموافقة والتنفيذ عندما يتكفله فريق جديد لتقرير شروطه. ولهذا يكون من الموضوعية السياسية والتشريعية ان يؤجل الى مرحلة قدوم صناع القرار في الحكومة والبرلمان الجديدين بعد الدورة الانتخابية القادمة.

والله من وراء القصد

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com