|
ان العمل السياسي الكردي ما هو الا تنفيذ مرحلي للمشروع القومي الكردي المتكامل والطموح الذي يهدف الى تأسيس دولة كردية نواة في شمال العراق لتبدأ بالتوسع تدريجيا مع الزمن نحو جنوب شرقي تركيا وشمال شرقي ايران وشمال غربي سوريا . وعليه فان تحقيق هذا المشروع هو المعيار الذي يقاس به مدى نجاح أو فشل العمل السياسي الكردي، وعليه فالفعالية السياسية التي تقرب الاحزاب السياسية الكردية من تحقيق الهدف النهائي للمشروع هي الفعالية الناجحة والعكس صحيح . ان نظرة سريعة لتطور المطالب الكردية خلال الستين سنة الماضية وبالتالي ارتفاع مستوى المكاسب السياسية الكردية في العراق خصيصا تثبت نجاح استراتيجية تبني فكرة المشروع القومي المتكامل، مع الاخذ في الحسبان حقيقة تحمل هذه الاستراتيجية الناجحة في الماضي، وامكانية تحملها في المستقبل، بين فترة واخرى، بعض الخسائر والانتكاسات التكتيكية . وفي مقابل ذلك نلاحظ عدم وجود اي مشروع قومي تركماني مباشر وواضح شبيه للمشروع القومي الكردي في الاطروحة السياسية التركمانية، أو حتى خط سياسي متحالف مع الخطوط الرئيسة في المسرح السياسي العراقي من قبيل عمل الاحزاب السياسية التركمانية الدينية في ظل الاحزاب الدينية العراقية سنية كانت أم شيعية لحصد المكاسب السياسية للتركمان، كما تفعل الطرق الصوفية الكردية في جنوب شرقي تركيا تحت ظل حزب التنمية والعدالة التركي الديني لجمع المكاسب لاكراد تركيا واخرها موافقة البرلمان التركي لطلب قدمه الحزب المذكور لتغيير قانون مؤسسة الاذاعة والتلفزيون التركي يسمح بتأسيس قناة تبث برامج بالكردية على مدار الساعة . و في عدم وجود المشروع القومي التركماني يصعب قياس مدى التقدم التي تحققه أوالتاخر الذي يصيب العمل السياسي التركماني، وتبقى بعض المكاسب المحلية التي تحققه عاجزة عن معادلة عدم وجود استراتيجية عامة ناجحة . مع ذلك يمكن ان نقيس نجاح أو خيبة العمل السياسي التركماني بالمقارنة مع العمل السياسي الكردي . فانتقال العلاقة السياسية التركمانية- الكردية من مرحلة المنافسة المتكافئة في الماضي الى مرحلة محاولة الاكراد فرض الوصاية على التركمان وعلى القضية التركمانية في الوقت الحاضر يبين بشكل لايدع مجالا للشك مدى التخلف والتأخر الذي لحق بالعمل السياسي التركماني . ولقد لاحت طباشير هذه الوصاية الكردية منذ اشراف الاحزاب الكردية على تأسيس الاحزاب التركمانية الكارتونية أوالاحزاب الكردومانية، أو ما يعرف في السياسة بخلق الكيان الضد في تسعينيات القرن العشرين، غير ان الفشل الذريع الذي اصاب هذه الاحزاب لم يمنع الاكراد المعروفين بالاصرار والعناد والمواصلة على تنفيذ مخططاتهم مهما طال الزمن وصعب السبل من تجربة استخدام طرق اخرى لخرق الصف التركماني ومحاولة فرض الوصاية على الفكر التركماني القومي التقليدي وسحبه من ايدي مؤسسيه واباءه الروحانين الحقيقين، وقطع علاقاته مع اتراك العالم. ولقد كانت اخر محاولة جدية وخطرة لهذا المنحنى تلك التي تم تبناها رئيس الحزب الوطني الكردستاني السيد جلال الطالباني تحت عباءة منصب رئيس الجمهورية العراقية. ولقد خطا سيادته في السابق بعض الخطوات المهمة في هذا السبيل مثل تعيين السيد مظفر ارسلان احد رؤوساء الجبهة التركمانية القدماء ورئيس الحزب الوطني التركماني سابقا مستشارا له، ثم اعقب ذلك تعيين السيد فاروق عبدالله عبد الرحمن الرئيس الاسبق للجبهة التركمانية مستشارا للسيد رئيس الوزراء . ولقد تقدم فخامة رئيس الجمهورية بخطوة جديدة اخرى في مسيرة فرض الوصاية على التيار القومي التركماني ومحاولة احتوائه وتفريغه من الداخل بتصريحه "أن الشعب التركماني من اكثر شعوب العراق تعرضا للظلم، بل واكثر ترضا للظلم من الاكراد!" متطرقا الى نقطة استهدف بها اشعال الفتنة الطائفية بين ابناء الشعب التركماني حيث قال "ان التركمان قد ظلم مرتين مرة لكونهم تركمان ومرة لكونهم شيعة"، في حين لم يخطر ببال اي تركماني يوما انه سني او شيعي، لان العهد البائد لم يطبق سياسة التسنن بل كان يطبق سياسة التعريب وهذا واضح للجميع . واعقب تصريحه المداهن للتركمان بتشكيل مكتبا بأسم ( المكتب الاستشاري التركماني ) يرتبط مباشرة بديوان الرئاسة وبالذات في هذه الايام العصيبة بالنسبة للعراق المشرف على اجراء انتخابات مجالس المدينة . ولقد تم اختيار شخصيات تركمانية مقربة من سيادة رئيس الجمهورية، شخصيات تمرست وامتهنت السلطة في الدولة العراقية في كافة مراحلها واشتاقت اليها بعد ان عزلت عنها، شخصيات ليس لها تاريخ في العمل السياسي التركماني أو لها علاقة مع الفكر القومي التركماني، شخصيات ضعيفة النفوس محسوبة على التركمان . ان الخطوة التي يهدف من ورائها تشكيل هذا المكتب هو خلق كيان تركماني منافس وبديل للجبهة التركمانية العراقية والاحزاب المنظوية تحت خيمتها وبعض الاحزاب التركمانية الخارج الجبهة وهما حزب توركمن ايلي وحزب القرار التركماني الممثلون الشرعيون للتيار القومي التركماني . ويبدو ان مكتب التمزيق التركماني هذا بدأ بالفعل بالعمل على اجتذاب من اعلنوا الزعل على الجبهة التركمانية، أو من لم تمنحهم الجبهة التركمانية الهبات والمناصب ولم تطرق ابوابهم تزلفا لهم . ولقد تم رصد السيد فاروق عبدالله عبد الرحمن خارجا من منزل السيد احسان عبد الله ( مدير المكتب الاستشاري التركماني ) في حي الماس بكركوك بعد ان قدم له فروض التهنئة والتبريك اعقبه زيارة اعضاء حزبه لنفس المنزل في اليوم التالي! انني واذ اختم مقالتي هذه اريد ان اشير الى جملة حقائق ان الاوان ادراكها من قبل الجميع وهي : ان الخطر الذي يهدد المشروع القومي الكردي هو وجود مشاريع أو افكار قومية في العراق، فبسقوط حزب البعث تم تنحية المشروع القومي العربي عن مسرح السياسة العراقية، وبقي الان مهمة تصفية الفكر القومي التركماني . فالحزبين الكرديين الرئيسين يعملان دوما ضد نيل الشعب التركماني لحقوقه المشروعة ولكن هناك فرق رئيسي في تعامل الحزبين في كيفية ضرب مصالح الشعب التركماني، فالحزب الديمقراطي الكردستاني ذات البنية العشائرية العسكرية اختار طريقة تلائم بنيته وهي طريقة التهديد والتخويف العلني والتلويح بأستعمال القوة وبالعمل على توطين الاف من الاكراد النازحين من شمال العراق ودول الجوار واحتلا ل اقليم توركمن ايلي، اما حزب الاتحاد الوطني الكردي فيعمل بأسلوب سياسي متحضر واسع الصدر بعيد المدى لتمزيق وتفكيك وحدة الشعب التركماني، اسلوب يتلائم مع بنيته وخلفيته الفكرية اليسارية . هذه الميكانيكية في العمل السياسي ذات المظهر المختلف والمحتوى المتطابق هي ميكانيكية الفخ الذي ابتدعه الاكراد في التعامل مع الدولة العراقية سابقا، حيث يلوح احد القطبين (القطب المتشدد) بالعصا ليدفع الهدف( الحكومات والمؤسسات المنافسة أو المعادية) لابتلاع الجزرة التي يظهره القطب الثاني ( القطب الذي يلبس القفاز الحريري ليخفي قبضته الحديدية) . ويحاول سيادة رئيس الجمهورية اليوم بأظهاره جزرة مكتب التمزيق التركماني ضمان اقبال من يجري خوفا من تهديدات السيد البرزاني واقبال من يعلن الزعل على الجبهة التركمانية بعد كل موتمر دوري ! ان الغريب في كل ما يجري هو ترافق الاحداث داخليا مع ما ينشر بقلم بعض المحليلين والكتاب الاتراك القوميين من وجود مؤامرة داخلية – خارجية لتصفية الجبهة التركمانية، أو اضعافها، أوالاستيلاء عليها من الداخل ضمن صفقة اقليمية دولية لتصفية اخر الحواجز امام ترفيع المشروع القومي الكردي لمرحلة جديدة اكثر تقدما ...!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |