تناقلت وسائل ألأعلام خبر مفاده أن مجلس محافظة البصرة قد قرر منع دخول الخمور والمشروبات الكحولية من المنافذ الحدودية . هذا القرار يثير عدة تساؤلات تتعلق بمدى شرعيته من ناحية. وفي حالة دستوريته فأن البعض قد يذهب ألى القول بأن الدولة العراقية بعد عام 2003 محكومة بأيدلوجية دينية أسلامية .

من خلال مراجعة نصوص الدستور العراقي نجد أنه قد ديًن الدولة بألأسلام 

المادة (2):-

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع

من المعلوم أن الدولة تمتاز بأمتلاكها لشخصية معنوية مستقلة عن الشخص الطبيعي للحاكم. سواء بدينه أوقوميته أوأيدلوجيته. لذا فأن تبني الدولة (الشخص ألأفتراضي) لدين أو قومية أو أيدلوجيا يؤدي ألى أضعاف حياديتها كمؤسسة. طالمها أنها أتصفت بصفة شخص الحاكم..

الدستور العراقي الدائم قد أفترض مساحة للمشرع في أصدار القوانين. فهو يستطيع الحركة بين ثوابت ألأ سلام ومباديء الديمقراطية. مع ألأخذ بنظر ألأعتبار أنه قد أشترط أرضية هذه المساحة بأن لا تخرج عن أن ألأسلام كمصدر أساس التشريع كما ورد في المادة (2) السالفة الذكر.

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ب ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور

. ثانياً :ـ يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين

أحد طرفي التشريع ألذي يتمثل بثوابت أحكام ألأسلام .قد مرر من خلال حشر مصطلح سياسي فضاض مقابله وهو ( مباديء الديمقراطية) . فماذا يراد بمباديء الديمقراطية؟ هل هي المباديء المنصوص عليها في المواثيق الدولية أم التجارب الديمقراطية المشهود لها ؟.

تكملة النص قد بينت أن ألأولوية التشريعية تقتضي ضمان الهوية ألأسلامية لأغلبية الشعب العراقي. دون أن يحدد ماهية هذه الهوية. لذا نجد أنحراف عتلة التوازن بين أن يكون القانون وفق ثوابت ألأسلام بأعتباره المصدر الرئيسي للتشريع ومباديء الديمقراطية لصالح ثوابت ألأسلام . مع ترك حفنة من تساؤلات ليس لها أجوبة محددة . فهل هذه الثوابت محددة وفق رؤية فقهية مذهبية أم وفق منظور سياسي تطرحها ألأجزاب ألأسلامية؟ من هي المرجعية ألتي تحددها؟

هنا نجد أن العملية التشريعية في الدستور تخضع لمعادلة غير متزنة. مليئة بأسئلة ليس لها أجوبة. بل أنها قد تسبب خللا في مبدأ المساواة بين أبناء الوطن. فالقانون الصادر وفق الدستور قد يراعي مصلحة فرد يمتلك هوية أسلامية على حساب عراقي آخر . لا يمتلك هوية أسلامية سرده الدستورفي أحد بنوده على سبيل ألمثال بأعتباره حالة أستثنائية طارئة على العراق. كالمسيحيين، والايزديين، والصابئة المندائيين.

علاوة على ذلك فأن الدستور قد وضع العراق بأكمله كدولة بسيادتها وشعبها المتنوع في أديانه ومذاهبه في سلة العالم ألأسلامي بأعتباره جزء من العالم ألأسلامي. بينما كان ألأجدر بالدستور كلائحة قانونية تحددألتزامات وحقوق أن ينص على أن العراق عضو في منظمة المؤتمر ألأسلامي وملتزم بميثاقها

المادة (3):-

العراق بلدٌ متعدد القوميات والاديان والمذاهب، وهو جزءٌ من العالم الاسلامي، وعضوٌ مؤسسٌ وفعالٌ في جامعة الدول العربية، وملتزمٌ بميثاقها.

لم تغفل ديباجة الدستور تأكيد دور المراجع الدينية وألأيدلوجيا الدينية ألأسلامية في صياغة الدستور فنصت على

بسم الله الرحمن الرحيم

{ولقد كرمنا بني ادم}

نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، مَوْطِن الرُسُلِ وَالأنبياءِ، وَمَثْوىَ الأئِمَةِ الأطْهَارِ،

عِرفاناً منَّا بحقِ اللهِ علينا، وتلبيةً لنداءِ وَطَنِنا وَمُواطِنينا، وَاسْتِجَابَةً لدعوةِ قِياداتِنَا الدِينيةِ وَقِوانَا الوَطَنِيةِ وَإصْرَارِ مَراجِعنا العظام وزُعمائنا وَسِياسِيينَا،

لكي يؤكد الدستور أسلامية الدولة. فقد أشترط أن يكون هنالك فقهاء من الدين ألأسلامي أعضاء في المحكمة ألأتحادية العليا المختصة في الرقابة القضائية على دستورية القوانين.

المادة (89):-

اولاً :ـ المحكمة الاتحادية العليا هيئةٌ قضائيةٌ مستقلة مالياً وإدارياً.

ثانياً :ـ تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب

من ناحية أخرى فأن واقع الحال ألأستنثنائي الطاريء على العراق بسبب تدخل دول الجوار والفراغ الفكري الذي سببه القمع الفكري لنظام صدام في الفترة السابقة . يشير ألى أن الدولة العراقية ما تزال تفتقر ألى المؤسسية . فقد تحولت من سلطة البعث ألى عبث ألأحزاب ألأسلامية. كشفت عنها قوائم تحمل عناوين أسلامية ممثلة في مجلس النواب سواء السنية منها أوالشيعية .

 سيما أن هذه ألأحزاب قد تم دعمها بمناسبات دينية حلت محل المناسبات الوطنية للدولة عززت المجتمع ومؤسسات الدولة بمظاهرألأسلمة السياسية. كأستشراء ظاهرة تحجيب النساء وأطلاق اللحى وجداريات وملصقات أسلامية وأناشيد أسلامية ومسرح أسلامي وحوزنت المدارس والجامعات ...ألخ .

 ما يؤكد أسلامية الدولة العراقية أيضا مقولة مشهورة أطلقها السيد رئيس مجلس النواب في أحد جلساته بأنه سيضرب قانون الدولة (بالقندرة) !! في حالة مخالفته لثوابت ألأسلام . فضلا عن أن جلسات البرلمان تبدأ بتلاوة من القرآن الكريم يتلوها أحد رجال الدين ألأعضاء في مجلس النواب. للتذكير بالمحاذير ألأسلامية في عمل النواب.

مع وجود هذا الركام البشري الذي خلفه صدام حسين قطف ألأسلاميون ثمار ما زرعه في حملته ألأيمانية. فألبسوه في دستور كان ضحية محاصصة سياسيين لا يفقهون فن كتابة الدساتير . لذا ليس غريبا أن يصدر مجلس محافظة البصرة قرار بمنع دخول المشروبات الكحولية للحفاظ على الهوية ألأسلامية للشعب العراقي كما نص الدستور الدائم.

ألا أن هذا القرار المحلي الصادر من مجلس محافظة البصرة قد خالف قواعد ألأختصاص في رسم السياسة الخارجية التي تختص بها السلطة المركزية. كما ورد في المادة (107)

ثالثاً :ـ رسم السياسة المالية، والكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته.

علاوة على ما تقدم فلم ينص قانون العقوبات على أي مادة قانونية تمنع ألأتجار بالمشروبات الكحولية أو تناولها أو فتح محلات بيع الخمور سوى ما تم ذكره من أستثناءات في المواد (386,387).

قرار مجلس محافظة البصرة يكشف عن أن هنالك منهجية تمارسها ألأحزاب ألأسلامية. لتقنين أيدلوجيتها بعد أسلمتها للمجتمع العراقي. جسدتها في أعلى رأس الهرم القانوني هو الدستور مرورا بالقانون أنتهاءا بقرار تنفيذية محلية تصدرها مجالس المحافظات.

من الممكن أن تتكرس هذه ألأيدلوجيا بفعالية أكثر بحيث تهدد علمانية الدولة وحياديتها في حالة تطبيق فيدرالية الوسط والجنوب ألتي ينادي بها السيد عبد العزيز الحكيم. أذ أن النظام الفيدرالي سيسمح لكل أقليم أن يختص دستور محلي بتنظيم متطلباته المحلية. ذلك من شأنه أن يمنح ألأحزاب ألأسلامية فرصة أكبر في أن تمارس دورها في تقنين أيدلوجياتهاعلى ألأقل في ألأقاليم . أذ يعتبر الخروج على ثوابت ألأحزاب ألأسلامية خرقا قانونيا لا يقابل بتصفية مليشيوية كما يحصل اليوم بل عقاب ينص عليه القانون قد يكون الجلد مثلا.

 لايمكن الحد من تجاوزات ألأحزاب ألأسلامية على القانون والمجتمع . دون أستعادة حالة التوازن ألسياسي في البلاد من خلال دعم ألأحزاب العلمانية في ألأنتخابات القادمة . من المفترض أنها تمثل الطرف ألآخر من العملية التشريعية . و تشجيع مهام منظمات مجتمع مدني تسعى ألى تحقيق توازن في السلوك ألأجتماعي للفرد العراقي .كونه معيارا للسلم ألأهلي بين أبناء الشعب ألعراقي المختلف في سلوكياته ألأجتماعية بموجب قانون الدولة.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com