عبدالكريم هداد

 hadadkarim@hotmail.com

اللون الأسود له فعل فني في تكوين لغة التعبير للوحة التشكيلية، ومن خاصياته الطبيعية في تكوين الظل وحدود أبعاد فضاء الموضوع المتناول، وهولون يتميز بخاصية امتصاص الضوء، وهوغير عاكس له، كما هي خاصية اللون الأبيض، لذا يكون لوناً مكتوماً ومشدوداً على ذاته، فهولون لا يسمح بالرؤية أبعد منه، وهنا تتمحور خاصيته في فساتين سهرة الإناث، فهويعكس أنانيتهن المنشودة، ولا يساعد في تركيز الرؤية أبعد منهن. فهوسيد الألوان لامتصاصه الضوء الموجود في مكان السهرة والحفل.

مثلما هوأن زحام النخيل ومرآها من على مشارف جهات العراق الأربعة يوحي للرؤية بغمامات من السواد، فنعتت بلاد الرافدين بأرض السواد. كما وإن للون الأسود دلالاته وتوظيفاته المكتسبة داخل المجتمع العراقي عبر تاريخ حركته الأجتماعية الطويلة، فمنذ أن فتحنا عيوننا على الدنيا ونحن نرى أمهاتنا لم تفارقهن الثياب السود، ومنذ الصبا متواصلات في التعبير عن مصائبهن المتجذرة والمتكررة في الفقدانات التي لا تحصى على طول سنين حياتهن القصار، لذا كان تواصلهنّ في ارتداء ثوب السواد كخيمة ظل لإنتظار أمل مأمول، عله يأتي محملاً بفرح منشود وقادر في أن يكتسح دنياهن بمرادٍ من الأمنيات الصغيرة، ولن نذهب بعيداً حتى نرى اللون الأسود يشد زخرفته في كوفيات رجال قبائل ريف ومدن جنوب ووسط العراق.

واليوم وفي ظل تغيرات الأحوال المناخية على الأرض، نتيجة الأحتباس الحراري، وفي ظل التصحر الشديد في جغرافية العراق، وشدة درجات الحرارة والتلوث المناخي والهواء المحمل دوماً بالأتربة المتطايرة والخالي من نسمات البرودة، جعل من غير المناسب أن تكون الألبسة ذات اللون الأسود صالحة كملابس عمل في العراق، لكونها سريعة في الإتساخ تحت هكذا ظروف مناخية وبيئة في العراق، كما وإنها غير مناسبة للون البشرة العراقية المائلة في غالبيتها الى السمرة الداكنة بفعل لهيب الشمس ومعدومية الخدمات والمعدات التي تخفف من شدة آثار الطقس، نظراً لطول النهارات وسطوة الشمس الساخنة بلهيبها وضوءها الساطع، كما وإن الملابس السوداء تساعد في زيادة حرارة الجسم لكونه لون غير عاكس للضوء والحرارة.

وبعيداً عن كل هذا الحديث أعلاه، لا أدري لماذا أشعر بعدم الراحة والسخط ؟، حين أرى بين حين وآخر بعضاً من فصائل الشرطة العراقية وقادتها، من خلال نشرات الأخبار التلفزيونية، وهم يرتدون زيهم الرسمي، لكن بلون أسود خالص!

كيف إذن للعهد العراقي الجديد أن يكون زاهياً ورجال سلطة دولة القانون نراهم "سوادٍ في سوادِ "؟!، بل وخالين من "الكشخة" المطلوبة لرجل السلطة الحامي للقانون ؟ فما وقع التأثير على المواطن العراقي الذي مازالت الدنيا مظلمة في عينيه، وهويرى شرطياً عراقياً و" هدُومَه سُودَة" ؟!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com