العراق و"كوارث العروبة"!!

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

لماذا يُصر العرب دوما على أن العراق هو"بلد عربي"!! وماذا قدم العرب للعراق والعراقيين؟ قبل وبعد إسقاط النظام الطائفي الفاشستي! والحقيقة أن ما نال العراقيين من آلام وكوارث ومشاكل كبرى قومية وطائفية كان لدول المنطقة "العربية تحديدا" دور أساسي فيها، ولن نفلسف الأمور بحيث لا يفهمها المواطن العراقي البسيط، لكن ينبغي للمواطن أيضا أن يستوعب حقيقة ما يجري.

كان العراق طوال أكثر من أربعين عاما هي فترة العهد الجمهوري القومي، جزءا مهما من المنظومة العربية الدكتاتورية التي كانت تعتبر حكم صدام حسين وحزب البعث ركنا أساسيا من هذه المنظومة المهترئة والطفيلية التي تتغذى على دماء الشعب، بينما كان النظام العربي القمعي يبارك بالمقابل كل عمليات القتل والتهجير والحرب ضد إيران ـ التي تقوم الآن بإدارة سياسة قذرة لا ختلف عن سياسة الأنظمة العربية ـ وضد الشعب العراقي قبل كل شيء، وعدا سوريا التي فتحت أبوابها للمعارضة العراقية كانت المنظومة العربية بالكامل تعتبر المعارضين العراقيين عملاء لإيران "الفارسية المجوسية والصهيونية العالمية حسب التعبير البعثي"، وبالتالي كان موقف النظم العروبية سلبيا بالجملة وضد قضية تحرر الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري.

ولا يمكن تبرير الخطأ العربي بحجة المصالح الوطنية والقومية لهذه الدول، ذلك أن الشعوب والحكومات العربية كانت تعتاش على خيرات العراق الذي كان من المفترض أن ينتفع منها العراقيون أولا كونهم أصحاب الدار، لكن الحكومات العربية والنخب الثقافية العربية كانت تفضل دوما إهلاك العراقيين مع الإبقاء على أقلية مذهبية وعرقية هي التي كانت تمثل "العرب الخلصاء والمهتدين" بمعنى أنهم مميزون مذهبيا وعرقيا.

والآن وبعد أن تم إسقاط البعث وصدام، رأينا الإعلام العروبي بدأً من السعودية وقطر وإعلامها المتحيز ـ الجزيرة ـ ومرورا بمصر والسودان وانتهاءا بالمغرب والجزائر، رأيناهم يلطمون الخدود ويشقون الجيوب على البعث وبطله صدام الذي أتقن إذلال العراقيين، ولم يكن من المستغرب أن نجد الأعراب وحكوماتهم ويرسلون الآف الانتحاريين والذباحين والقتلة من ـ عباد الإسلاف ـ وأزلام البعث العربي لقتل العراقيين وتدمير بلدهم لعلهم يستطيعون ـ وعبثا يحلمون ـ القضاء على أغلبية العراقيين، الشيعة والسنة وسائر القوميات لصالح عصابة سلف بعثية صغيرة، وها هم مرة أخرى يتهاونون في إرسال سفراءهم ودبلوماسييهم إلى العراق.

إن الأنظمة العربية تعيش الآن هاجسا وكابوسا خطيرا اسمه "العراق وشعبه ونظامه الديمقراطي" وكثمن باهظ ينتظر من الحكام العرب دفعه جراء جرائمهم ضد الشعب العراقي، فإن تحول العراق من بؤرة دكتاتورية وساحة تدريب على القتل والتعذيب إلى واحة للتعدد والحرية والديمقراطية القائمة على حقوق الفرد، كل هذا التغيير يمثل تهديدا حقيقيا لعقل "منظومة قيمية فكرية" هيمنت على العقل العربي طوال أكثر من ألف عام، فالعراق الشعبي الذي يستمد قوته من حرية شعبه لا من تكبر وطغيان دكتاتوره يستطيع إسقاط هذه الأنظمة لا عبر الفعل العسكري والعُنفي لكن عبر نشر ثقافة نقد الحاكم وحق الفرد والشعب في إسقاط وتغيير حكومته وبدون دماء.

لكن على فريقين أن لا يقفا حاجزا أمام حرية العراقيين، الأول: المعممون من السنة والشيعة على حد سواء والثاني: دعاة القومية من كافة الانتماءات الذين يثيرون على الدوام ثقافة ولغة الحرب والكراهية والصراع.

النظام العربي الآن يعيش أزمة عقل وثقافة في عصر كسرت فيه الحدود البرية والبحرية والعقلية بفضل الإنترنت والفضائيات والصحف والمجلات، والنظام العربي الآن لا يقدر على شيء عدا تأخير إصدار شهادة وفاته.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com