|
ما هو الدور الأمريكي المطلوب في الشرق الأوسط؟
د. شاكر النابلسي منذ أن دخلت أمريكا معترك الشرق الأوسط في عام 1956 في حرب السويس، وفي الترويج لـ "حلف بغداد"، والسخط العربي على أمريكا يزداد حتى وقتنا الحاضر. ولهذا السخط في بعض الأحيان ما يبرره لدى العرب. وتبريره الأبرز مساندة أمريكا اللامحدودة لإسرائيل عدوة العرب الأولى، وسبب الفوضى العارمة في الشرق الأوسط. والإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ الخمسينات إلى الآن كانت واقعة بين المطرقة الصهيونية التي يمثلها اللوبي الصهيوني القوي والغني والمستطيع في واشنطن، وبين سندان العرب وخاصة من أصدقائها المقربين في الخليج العربي والأردن والمغرب العربي. خيبة العرب سبب الميل الأمريكي لإسرائيل ولكن الميل الأمريكي نحو إسرائيل ودعمها والوقوف إلى جانبها في مجلس الأمن والأمم المتحدة، زاد عن حده في السنوات الماضية، بسبب النتائج الايجابية في المجال الاقتصادي والسياسي والعسكري التي أظهرتها إسرائيل، مما زاد من قوة اللوبي الصهيوني في واشنطن، ودعّم مواقف أصدقاء إسرائيل داخل الإدارة الأمريكية. وزاد من ضرب المطالب والحقوق العربية عُرض الحائط الأمريكي من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الفشل العربي الاقتصادي والسياسي والعسكري. نعمة البترول العربي ولكن العرب ظلوا أصدقاء مقربين للإدارات الأمريكية، بسبب وجود مصادر الطاقة المهمة في أراضيهم. ولولا وجود البترول العربي وأهميته للصناعة والاقتصاد العالمي، لكانت إسرائيل قد حققت قيام دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بكل سهولة، ولكانت اسبانيا توسعت في احتلالها لمدن مغربية أخرى إضافة إلى مدينتي سبتة ومليلة، ولكانت تركيا اقتطعت المزيد من الأراضي العربي من سوريا أو من العراق إضافة إلى لواء الإسكندرون، ولكانت إيران احتلت المزيد من الجزر العربية إضافة للجزر الثلاث (طمب الكبرى، وطمب الصغرى، وأبو موسى) التي احتلتها منذ 1971 وضمتها إلى أراضيها. ولأصبح الوطن العربي نهباً للاستعمار الغربي، كما عليه حاله بعد الحرب العالمية الأولى 1918 وسقوط الخلافة الإسلامية 1924، حيث تمَّ تقسيم العالم العربي بموجب اتفاقية سايكس- بيكو بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. ماذا يريد العرب من أمريكا؟ يتردد على لسان الساسة العرب والباحثين والمثقفين والمعلقين السياسيين العرب مطلب إقامة سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بين الفلسطينيين وإسرائيل. وهو مطلب أخلاقي عادل في مجتمع اليوتوبيا، الذي يظن العرب أنهم يعيشون فيه. ولكن العرب لا يعلمون، أو أنهم يعلمون ولا يريدون أن يظهروا علمهم، بأن السياسة عبارة عن غابة للوحوش الكاسرة فقط. أما العصافير والبلابل فلا مكان لها في الغابة، ومكانها في البساتين الوادعة. وأن معركة السلام تتطلب قوة واستعداداً وتجهيزاً أكثر بكثير من معركة الحرب. وأن الضعيف لا ينال إلا فُتات السلام، كعون، أو صدقة، أو شفقة. وما ستعطيه إسرائيل غداً للفلسطينيين بدفع أمريكي رقيق، ليس الحق الفلسطيني، ولكنه الصدقة أو الشفقة الإسرائيلية – الأمريكية. فالحق الفلسطيني هو في دولة فلسطينية على حدود 1967، وليس على قطع أرض فلسطينية متناثرة هناك وهناك. وهو ما عنينا به بالفُتات. فذلك هو ما يستحقه الشعب الفلسطيني الذي لا قيادة موحدة له، ولا هدف سياسياً موحداً له. فحماس في غزة لا تؤمن إلا بالكفاح المسلح وبتحرير فلسطين من البحر إلى النهر كوقف إسلامي. أي أنها تنظر إلى المشكلة الفلسطينية من منظار ديني بحت. في حين ترى "فتح" أن قيام دولة فلسطينية لا يتأتى إلا بالمفاوضات السياسية. وتعبر فلسطين قضية فلسطين قضية سياسية، ويجب أن تحل سياسياً. ومن هنا نرى أمريكا ومعها إسرائيل غير مهتمتين ومنهمكتين بإقامة الدولة الفلسطينية. ولن تقام الدولة الفلسطينية وفي فلسطين رأيان مختلفان وحركتان متصارعتان، واحدة تقول يميناً، والثانية تقول شمالاً. ومن هنا نرى، أنه رغم الخداع الإسرائيلي والمماطلة الأمريكية، وميل الشرعية الدولية إلى جانب القوي ضد الضعيف إلا أن العرب والفلسطينيين يتحملون المسؤولية الرئيسية لما يحدث الآن في فلسطين، بل وفي منطقة الشرق الأوسط عامة. الحقيقة التي يعرفها الجميع وهذه الحقيقة يعرفها الجميع، وخاصة من لهم علاقة وثيقة بالشرق الأوسط وأهله، كجيمس زغبي المحلل السياسي، وصاحب مؤسسة زغبي الأمريكية للاستقصاء. ففي مقاله "نحو دور أمريكي لوقف التدهور في الشرق الأوسط" نشره قبل أيام، قال: " بدا الرئيس بوش أقرب من أن يكون متلبساً بمعطف إسرائيل، ومشجعاً لها بين صفوف المشجعين, من خلال إشارته بإصبع الاتهام إلى كل من حركة حماس وحزب الله وسوريا وإيران. وهي لا شك إشارة توفر لإسرائيل ما يلزمها من تفويض مطلق لممارسة ما تسمّيه بـ"حق الدفاع" عن نفسها! وهكذا يكتمل ما تفعله القوة الإسرائيلية المنفلتة، بثنائية مفارقة التعاطف والضغط الأميركية، مع العلم أن التعاطف ظل من نصيب إسرائيل دائماً، بينما كان الضغط من قدر العرب ونصيبهم باستمرار!" ما هو الحل؟ لقد علم وأدرك قادة إسرائيل من حاييم وايزمان إلى يهود أولمرت، أن العالم العربي (وكالة بلا بواب) وأن أراضيه سائبة لمن يريد أن ينهب ويسرق ويضم. فقبل مأساة فلسطين بقرون، كانت البرتغال وإسبانيا قد تطاولت وسرقت من المغرب في القرن الخامس عشر مدينتي سبة ومليلة، وبعدها في عام 1939 سرقت تركيا لواء الإسكندرون من سوريا. ولم يفعل العرب شيئاً غير الصراخ والعويل والتنديد والوعيد. وكان الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية قبل عام 1948 من قبل اليهود تحصيل حاصل. إضافة إلى أن قادة اليهود وعلى رأسهم حاييم وايزمان عالم الكيمياء والسياسي المحنّق، وصاحب العلاقات الدولية الواسعة، وأول رئيس لدولة إسرائيل، كانوا من أقدر السياسيين على إدارة معركة قيام الدولة الإسرائيلية. أما نحن العرب فكنا بمقابلهم بالحاج أمين الحسيني القائد الديني الفاشل الجاهل، الذي لبس العمامة الأزهرية، وهو لم يتخرج من الأزهر، إذ طرد منه بعد السنة الأولى. وهو من تحالف مع الديكتاتور هتلر وموسوليني وراهن على حصانين خاسرين، فضاع الحصانان وضاعت معهما فلسطين. وكان جاهلاً بالسياسة الدولية كجهل معظم القادة العرب الذين لا يجيدون حتى (فكِّ الخط). إسرائيل لن تتفاوض جدياً مع الفلسطينيين الذين تعتبرهم شحادين سياسيين، يشحدون ما تيسّر لهم من فُتات الوطن. وهي تمُنُّ عليهم بما تعطيهم من فُتات الأرض منّاً بيّناً. فهي القوية ونحن الضعفاء. ولا حل لنا إلا القوة لاستعادة كل ما سرقه اللصوص منا. ليس في فلسطين وحدها، ولكن في باقي أنحاء الوطن العربي. فالضعيف خاسر بالحرب وخاسر بالسلام أيضاً.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |