حمىّ الأرض تقتل الأرض... فأين البشر !

 

 

د. محمد مسلم الحسيني/ بروكسل

 mhamood@skynet.be

العالم يتغير تغيرا سريعا بكل وجوهه وفصوله . النفوس تتبدل ،الطبائع تنقلب ،الأخلاق ...العادات... المقاييس.... والمفاهيم كلها تتناثر وتتبعثر في عالمنا هذا ! . عالم المادة والمصلحة الآنية ، عالم الركض وراء المجهول ، عالم التناحر والتباعد والإنفعال ، عالم الأنانية والكراهية والحقد . الإنسان اليوم يحرق محيطه ومنابع وجوده كما يحرق غيره ويحرق غيره كما يحرق نفسه ، ومن دون أن ينتبه ويتفهم ! . أن الفوائد الآنية والمصالح المؤقتة قد أعمت البصر والبصائر وجعلت من الإنسان، المتحضر بالألفاظ والمصطلحات ، وحشا كاسرا لا يبقي ولا يذر . لم يعد الإنسان عدوا لأخيه الإنسان كما كان وعلى مر العصور فحسب ، بل أصبح اليوم عدوا لنفسه ولأهله وللطبيعة والحياة التي يرتع في ثناياها ! . نعم انه يحرق هذه الطبيعة الجميلة الخلابة ويبدل شكلها وقوامها وخصائصها !.

 الحمىّ هي تعريف علمي لارتفاع درجة الحرارة فوق معدلاتها المعروفة عند الإنسان والحيوان . وإرتفاع درجة الحرارة عند الإنسان والحيوان هي مؤشر هام على حدوث مرض ما . أن الأرض ترتفع حرارتها أيضا فوق معدلاتها في حالة إصابتها بالتلوث البيئي الحاصل من إنبعاث الغازات الناتجة عن حرق مصادر الطاقة بصورة كبيرة لا تتناسب وقدرة الطبيعة على إمتصاصها وإحتوائها. وهذا مايسميه العلماء بظاهرة "الإحتباس الحراري". بينما أرى من المناسب تسمية هذه الظاهرة بـ " حمىّ الأرض" ، بالنظر لقوة التشابه بين حمىّ الأنسان أوالحيوان وظاهرة الأحتباس الحراري هذه !.

إن إرتفاع الحرارة في الحالتين ناتج عن عوامل مرضية وتلوث، كالتلوث المكروبي مثلا عند الأنسان أو الحيوان والتلوث البيئي في حالة الأرض . الحمى تولد أعراضا عند الأنسان كالصداع وزيادة في سرعة دقات القلب وفقدان الشهية والنحول العام ، وحمى الأرض تولد أعراضا مناخية وبيئية واضحة مثل الفيضانات والأمطار الغزيرة والعواصف والتصحر والجفاف وإرتفاع درجة حرارة الجو وإرتفاع نسب المياه في البحار والمحيطات . أن إرتفاع حرارة الأنسان درجة مئوية واحدة أو أكثر كفيل بأن يؤدي الى توليد مشاكل واعراض مرضية ،كما أن إرتفاع درجة حرارة الأرض درجة مئوية واحدة أيضا كفيل بتوليد مشاكل واعراض بيئية وجوية وكما ذكرتها . إرتفاع حرارة الأنسان أكثر من خمس درجات مئوية فوق معدلاتها تعني الموت ، وإرتفاع درجات حرارة الأرض أكثر من خمس درجات مئوية فوق المعدل تعني الفناء وبداية نهاية الحياة فوقها !. جعل الله تعالى حمىّ الأنسان لتكون علامة منبهة له بأن شيئا غريبا قد حصل وأنه مريض ويستحق العلاج والمداراة ، وينطبق المعنى نفسه على الأرض ، حيث يجب على الأنسان أن يفهم ويعي بأن الأرض قد مرضت ويجب العناية بها ومداواتها وتجنب اسباب عللها وإلا ستكون النهاية لعالمنا الجميل هذا ! .

 لقد اتفق العلماء والمتخصصون في طبيعة الأرض وعلومها حديثا على تقديم عقارب (ساعة يوم القيامة) دقيقتين لتصبح على بعد خمس دقائق فقط من وقوع الكارثة الكبرى وفناء البشرية . وساعة القيامة هي ساعة رمزية تسير عقاربها نحو نهاية العالم . وهذه الزيادة في قرب الساعة كانت بسبب الظواهر الطبيعية الغريبة التي تضرب كوكبنا هذا . والجميع يسمع ويعرف بأن درجة حرارة الأرض في تصاعد مستمر، نتيجة لتصاعد نسبة الغازات المنبعثة من إستهلاك الوقود في المصانع ووسائل النقل الكثيرة المستعملة وأهم هذه الغازات هم : غاز ثاني أوكسيد الكاربون وغاز الميثان وأوكسيد النيتروز الذين وبمساعدة بخار الماء يرفعون درجة حرارة الأرض بشكل متصاعد ! .

 أن حرارة الأرض قد أرتفعت الى مايقارب 0.8 درجة مئوية خلال القرن الأخير . وهذا الإرتفاع كان كفيلا بإختفاء مائة صنف من الحيوانات والنباتات ، إضافة الى إختفاء 50 الف هيكتار من الغابات العالمية وإزدياد مساحات التصحر في العالم الى 20 الف هيكتار . و بينت وكالة ناسا الفضائية بأن الغطاء الثلجي في القطب الشمالي بدأ يذوب وأن 14 في المائة من سطحه الثلجي قد ذاب خلال 12 شهرا بين سنة 2004 و 2005 م . كما ويرى العلماء بأن إستمرار إستهلاك الطاقة بنفس المستوى الحالي سيؤدي الى ذوبان كامل للجليد في القطب الشمالي وإرتفاع مستوى المياه في المحيطات الى نصف متر وإرتفاع درجة حرارة الجو الى مايقارب الخمس درجات مئوية قبل حلول عام 2100 م . ويرون أيضا بأن في العشرين السنة القادمة ستحصل كوارث جوية تؤدي بحياة الملايين من البشر وستختفي أصناف وفصائل من النبات والحيوان عن سطح هذا الكوكب! . فالدببة في القطب الشمالي مثلا ستنقرض عن الوجود ، وبعد أربعين عاما ستموت أغلب الأسماك الموجودة في البحر إن لم يكن أجمعها ! .

قد يدرك المرء من هذه المعلومات بأن عالم هذا اليوم ينتحر! ، ومن دون أن يشعر الناس بذلك . ليس في هذا الكلام مبالغة أو تهويل ، إنما هي الحقيقة بعينها . هذه الحقيقة التي أقرها العلماء والباحثون ومنذ زمن طويل ، والله قد دعى بكتابه الى الإستئناس بأقوال العلماء وأفكارهم حيث قال : (فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . إلا أن الكثير من الناس لم يقتنعوا بما قاله العلماء في وقتها ومضوا في إستهلاكهم غير المقنن وغير المنتظم للطاقة ومصادرها ، حتى أصبحت الظواهر التي تحدث عنها العلماء حقيقة لا تقبل الشك أوالتشكيك . وتجلت اليوم الكثير من البراهين الدامغة والتي تدل على إرتفاع حرارة الجو المضطرد وإصابة الأرض بالحمىّ ! . ففي أوربا مثلا لاتخلوا السيارات حديثة الصنع من مكيفات الهواء بينما لم يكن لهذه المكيفات وجودا في حياتهم سابقا . كما بدأت أشجار المناطق الحارة تنبت في تربتهم كالتين والنخيل! ، بينما ليس لهذه الأشجار حياة في جوّهم سابقا . وصلت درجة الحرارة العظمى الى(10) درجات مئوية في شهر كانون الثاني من العام المنصرم، بينما تصل الى (10)درجات تحت الصفر أو أقل في السابق !. أن بعض أيام الصيف تكون شديدة الحرارة في أوربا الشمالية الى درجة أن تحصل وفيات بسبب هذا الإرتفاع مثلما يحصل ذلك عادة في الهند !. كما أن بيوتنا بدأت تغرق من شدة الأمطار!، والكثير من الناس قد أشتروا أكياسا من الرمل لمنع ماء الأمطار من الولوج الى بيوتهم !. ان هذه الظواهر وغيرها قد بددت الشكوك عند البعض في صحة وجود ظاهرة الأحتباس الحراري أو حمىّ الأرض .

نصيب العراق من التلوث البيئي قد يفوق سواه، وما هذه الأمراض الجسدية المستشرية بين العراقيين إلاّ إشارة أولية الى ما بعدها! لا يتكلم أحد عن هذا التلوّث ولا يبحث أحد عن أسباب الأمراض العضال التي تصيب أبناء العراق، اصحاب الشأن يطمرون الرؤوس في الرمال كما تفعل النعامة! لا أحد يهتم بمستقبل الحياة بهذا الوطن المبتلى بالكوارث والمحن، الجميع يضع الحبل على الغارب فلا من سامع ولا من مجيب!

 قد يتساءل المرء ويقول ماذا ينتظر الناس بعد..... !؟ . ولماذا لايتحرك البشر ويوقف الموت الزؤام القادم اليه لامحالة !؟ . فرغم صراخ العلماء وتحذيراتهم ، هل تحرك السياسيون لوقف حمىّ الأرض ومرضها وطبق ما يجب أو ينبغي ! ؟ . هل إنظوت كل دول العالم تحت بنود بروتوكول كيوتو ، وهل طبقت بنوده حقا ؟ . فمالذي ينتظره السياسيون بعد اليوم ؟ . لماذا لايتحركوا ويتفاعلوا مع هول الحدث ؟ . هل سيهملون الأرض كما أهملوا الإنسان..... ! ؟. وهل سينتهي عمر البشرية على مرأى ومسمع الجميع وكلّ ينشد قول الشاعر ! : إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر !!!؟ .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com