الإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة

 

السيد عبدالله هاشم الهاشمي

hashemi_y@hotmail.com

لابد من الإشارة ابتداءاً إلى واقع أمريكا قبل الحرب العالمية ـ حيث أن أمريكا في القرن الثامن عشر أو في نهاية ظهرت الولايات المتحدة  الأمريكية إلى مسرح السياسة العالمية واختارت في بداياتها مبدأ العزلة واختصرت جهودها على التغير والتبشير ولم تشارك الولايات المتحدة في تقاسم تركة الدول العثمانية من الدول العربية واكتفت بالتبشير والتغير ونشر ثقافتها.

* استطاعت بريطانيا بربط أمريكا بالقضية الفلسطينية بوعد اسمُ وعد (بلفور) وصيتها صدر قرار من الرئيس الأمريكي في آيار 1922 لصالح وعد بلفور وتأييداً له وبعدها ومن خلال معاهدة (أنجلو أمريكية) في 3/ ديسمبر 1924 من خلالها استطاع المواطنون الأمريكيون من إنشاء مختلف المؤسسات والجمعيات التعليمية التبشيرية وغيرها في فلسطين، وتمكنت بموجب هذه الاتفاقية (المعاهدة) المنظمات الصهيونية الأمريكية من العمل والنشاط لصالح الوطن القومي لليهود في فلسطين...

* كما أدت الحرب العالمية الثانية إلى تلاشي النظام الدولي السابق وظهور نظام جديد يسمى بالحرب الباردة؛ هما قوتان الاتحاد السوفيتي وأمريكا حيث أن الاتحاد السوفيتي يمثل العالم الاشتراكي والولايات المتحدة تمثل العالم الرأسمالي..

* وفي هذه الفترة بدأت الدول العربية باستقلالها السياسي تدريجياً، في الوقت نفسه بدأت أمريكا هنا بناء أحلاف في المنطقة المحاصرة المدّ الشيوعي واحتوائه، وسعى وزير خارجية أمريكا (والاس) إلى ربط الدول العربية بأحلاف تابعة لبلادة وحاول إنشاء حلف بغداد إلا أنه لم يكتب له النجاح...

* وفي الخمسينات بدأ المدّ القومي العربي بالانتشار وظهرت شخصية عبد الجمال ناصر فاتجه عبد الجمال ناصر إلى الاتحاد السوفيتي...

* وبعد نهاية الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي بعد انهيار الأخير، وباتت أمريكا هي الوحيدة القادرة على تجيش الجيوش وتوظيف مجلس الأمن والمؤسسات الدولية لصالح أهدافها، وقد طهرت حرب الخليج الوصول إلى منابع النفط واستمرارية تدفقه دون خوف من استخدام كسلاح من القوى الأخرى، كما حصل أن اتفق الدول العربية في حرب أمريكا بتقليص صادرات النفط في رمضان 1973م.

 ما هي عناصر الإستراتيجية الأمريكية للمشروع الأمريكي.

1ـ الحرب العالمية الرابعة ضد الإرهاب دون تحديد موضوعي للإرهاب والإرهابيين.

2ـ الحرب الاستباقية.. ضرب العدو مسبقاً قبل أن يقوم بأي عمل أصلاً.

3ـ تغيير الأنظمة بالقوة كأفضل طريق لمحاربة الإرهاب.

4ـ إدعاء نشر الديمقراطية.

5ـ محور الشر وساحته هي الدول العربية الإسلامية، وقد حشرت كوريا الشمالية معها.

6ـ الخطاب الديني والثنائية المانوية ـ أي أن هناك أخيار وأشرار، والناس يكرهوننا بدون أي سبب فقط، لأنهم أشرار ويحسدونا لأننا أخيار.

إذن لأمريكا إستراتيجية عليا ـ والحرب على العراق أولى خطوات هذه الإستراتيجية حيث أن أمريكا لا تُريد في المنطقة نظماً مقاومة، بل موالية لهم ولا تقاوم إرادتهم بالإضافة إلى ثرواتهم بغير منازع كما تريد أمريكا ضمانا لأمن إسرائيل لأنها الصديق الوحيد في هذه المنطقة التي يعتمدون عليها بحسب تعبيراتهم وتصريحاتهم... وفعلاً هذا ما صرح به (كارلو تشي) وأضاف قائلاً: (ولا بد من تغيير النظام في العراق بالسلاح وبعدة في إيران وسوريا، وبعدهما في  السعودية ومصر.

وخلاصة هذا المقال بعد كل التفاصيل التي أشار إليها الكاتب.

بأن المنطقة دخلت فيما يشبه المرحلة الانتقالية ... بعد فشل الحرب الأمريكية الحاصلة في العراق منذ أربع سنوات تقريباً، والحرب الإسرائيلية في تموز 2006، ولما كانت أمريكا تسعى من وراء احتلال العراق إلى جعله محطة لإعادة رسم طريقة المنطقة وفق منظور ومصالحها عبر إسقاط الأنظمة الوطنية، وتقسيم دول المنطقة إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية، وضرب المقاومة والقضاء عليها، وبالتالي الإجهاز على انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته كمدخل ضروري لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد.. ولكن فشل الخطة الأمريكية بسبب المقاومة أدى إلى إنتاج لوحة أو خريطة سياسية معاكسة لرغبات ومصالح أمريكا وإسرائيل.

وتتمثل البيئة الإستراتيجية الجديدة بالعناصر التالية:ـ

1ـ سيادة خط المقاومة على القوتين الأمريكية والإسرائيلية، وتحول المقاومة إلى قوة ذات هيبة وتأثير كبير في القيادات والأنظمة العربية.

2ت بروز إيران كقوة إقليمية متقدمة تشكل ظهيراً مهماً لسوريا والمقاومة العربي للاحتلال.

3ـ صعود قوة سوريا ونفوذها باعتبارها شريكاً في انتصار المقاومة.

4ـ خروج المواطن العربي من حالة الضعف والهزيمة في مواجهة إسرائيل وخاصة بعد هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب تموز الأخيرة... انه يمكن الانتصار على إسرائيل.

5ـ اعتراف إسرائيل قيادة ورأياً عاماً بالضعف والعجز بعد هزيمة تموز، وبأنها غير قادرة على تحقيق النصر، ولم تعد مكانا آمنا لها.

* وعلى هذا يبدو أن الخريطة السياسية في  المنطقة تغيرت تماما بسبب القوى المتولدة في هذه البيئة، وأن هذا التبدل في خريطة موازين القوى السياسي في غير مصلحة الخطة الأمريكية الإسرائيلية سوف يؤدي إلى:ـ

1ـ جعل أي مفاوضات عربية إسرائيلية مقبلة محكومة بموازين القوى الجديدة.

2ـ أن أمريكا لن يكون لها القوة السابقة وسف يتراجع تأثيرها وقدرتها على فرض أملاءاتها وشروطها، وخاصة بعد انسحابها من العراق مثقلة بأعباء الهزيمة والفشل في تحقيق أهدافها.

3ـ وفي مثل هذه المعطيات ولدت قرارات القمة العربية التي كانت اقرب إلى معسكر المقاومة والممانعة وحالت دون انصياع القمة للإملاءات الأمريكية.

4ـ إحداث تغيير في كل المفاوضات ومضمونها، مبدلاً من الرعاية الأمريكية المنحازة إلى جانب إسرائيل، سوف تطال سوريا برعاية دولية تحضر من خلالها روسيا والصين بقوة إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوزولي.

 الفتنة الكبرى بعد الاحتلال

* لقد ثبت للعالم كله بحرب قذرة وقتل جماعي وتدمير همجي لكل صفوف الحياة للأرض والإنسان والتراث والثقافة، واشتعلت حرب طائفية ومذهبية.

* أن الإدارة الأمريكية استغلت ضعف الدول العربية والمواقف المتردية، فصارت تلعب لعبة الفتنة الطائفية لتبث سمومها في العراق والسودان وسورية ولبنان ساعية إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.

* الرؤية الأمريكية الجمهوريين والديمقراطيين لا تختلف، فهما ناظران إلى المصالح الأمريكية والمقياس هو مصلحة أمريكا فقط وفقط.

* الهيمنة الأمريكية باتت مهددة في وجودها، ولا بد لها من مراجعة وضعها الداخلي سياسياً وعسكرياً من أجل خدمة المصالح الأمريكية في الخارج.

* أن ما يجري في الأوساط الأمريكية الشعبية ما هو إلا انقلابا على الممارسة السياسية الحمقاء التي ينتهجها إدارة بوش في العراق وباعتراف كبار الساسة الأمريكان أنفسهم بإصدار القرارات الدولية الغامضة والمليئة بالافخاخ والحاصلة لعدو من التغيرات والتأويلات وتحت شعار أعظم أكذوبة مزيفة للتأريخ .. أكذوبة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في حين ترسخ النقيض تماماً في كل مكان تتوجه إليه.

* أن أعمال أمريكا تصب في مصلحة إسرائيل وذلك في إطار الصفقة الداخلية التي يمارسها الصهاينة في العراق واستغلال موارده.

* أن بوش الابن جعل من أحداث 11 سبتمر مبرراً لإلصاق تهمته الإرهاب بالعرب والمسلمين وراح يبشر وينادي بالديمقراطية والحرية، فاحتلت أفغانستان وبدل الحرية والديمقراطية التي كانت تبشر بها .. انتشر الدمار وزراعة المخدرات والمفخخات والقتل والتشريد والجوع.

* أن خطة بوش ما هي إلا تطبيق لأجندة صهيونية وتحقيق الأوهام في رأسه ورأس عدد من أعضاء إدارته لإنشاء شرق أوسط جديد، الذي يكون فيه الكيان الصهيوني سيداً مطاعاً.

* ساءت كل خطط بوش بالفشل الذريع، حيث وصل عدد قتلى القوات الأمريكية 3700 قتيلاً فضلاً عن قتل المرتزقة وجند التحالف.

ختاماً:

أن نهاية المشروع الأمريكي (( الشرق الأوسط الجديد)) وأن العراق كان بداية النهاية لهذا المشروع، كما قال (ريتشارد هايس) رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة حيث قال: (( إن سيطرة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط تشهد نهايتها، وأن الحرب على العراق كانت بداية النهاية)) كما توقع ريتشارد (أن الحقبة الجديدة في الشرق الأوسط سيضعها لاعبون محليون على حساب اللاعبين الخارجيين، وأن صياغة الشرق الأوسط من الخارج ستكون أكثر صعوبة).. وهذا ما يؤكده (بول بريمر) الحاكم الأمريكي الأسبق للعراق باعترافه قائلاً ( لقد كان الغزو عملاً أقسى وأصعب مما كنت أتوقعه.... إننا لم نر في الواقع أن التمرد قادم وهذه خلاصة فشل الاحتلال وقرب انسحابه من العراق على لسان مسؤوليهم الكبار..

 الفصل السابع وانتهاكات الولايات المتحدة وبريطانيا لبنود وأحكام الميثاق وروحه..

1ـ تحريم الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا في حالات استثنائية كتهديم للسلم أو الإخلال به. أو كان ما وقع من إعمال العدوان.

2ـ أن لمجلس الأمن فقط (وحدهُ) السلطة لتقرير النقطة الأولى طبقاً لإحكام المادتين 41، 42 لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وليس هناك أي تخويل لأمريكا أو بريطانيا استخدام القوة من جانب واحد.

ولكن أمريكا ربطت أحداث 11 سبتمبر بوجود صلة بين العراق والقاعدة وقد سبق أن استخدمت ( ألمانيا ضد النرويج) لضربة الاستباقية خلال الحرب العالمية الثانية بذريعة منع غزو الحلفاء لألمانيا فرفضت محكمة (نور نبورغ) الحجة الألمانية وأقرت بعدم شرعيتها.

والقانون الدولي لا يقر الضربة الاستباقية بذريعة الدفاع عن النفس الوقائي إلا بحدود ضيقة جداً أي عدما يكون التهديد جدياً أو أن وقوع العدوان أو الهجوم المسلح بات حتمياً.

لذا فان لجوء الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الضربة الاستباقية ضد العراق بذريعة أنه كان يشكل  تهديداً جدياً، يعتبر عمل غير قانوني، لأن العراق لا يهددها بأي شكل من أشكال التهديد.

ولو سلمنا العراق يشكل تهديداً واقعياً للولايات المتحدة وبريطانيا فهل امتثلت للفقرة 33 من الميثاق والتي تنص (يجب على الجميع أطراف أي نزع ... أن يلتمسوا حالة بادئ بدء  بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية.

فهل لجأت واشنطن ولندن إلى المفاوضات أو التحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم التي نصت عليها الفقرة 33.

* تشكيل تحالفات خارج نطاق الأمم المتحدة يمثل اهانة واضحة وتحدي سافر لميثاق الأمم المتحدة.

* تدخل في الشؤون الداخلية للعراق وهذا أيضاً يعد خرقاً أو خلاف والتعامل والسلوك الدولي الذي استقر منذ عهود.

2ـ أن الجهد الدولي المنصب على تطبيق حظر أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن يطبق على جميع الدول بالمساواة فيجب أن يطبق على إسرائيل وأمريكا وغيرها من الدول وهذا أيضا يعد تناقض مع قواعد القانون الدولي.

 الإستراتيجية الأمنية في العراق

1ـ كانت حصيلة الاحتلال خلال 5 سنوات مليون ومئتان إلف شهيد عراقي وأضعاف هذا العدد من الجرحى و4 ملايين مهجر.

2ـ وبقد ما كانت ادعاءات الولايات المتحدة وأسبابها واهية لشن الحرب ضد العراق كاذبة وواهية تساقطت كما تتساقط أوراق الخريف أمام أنظار العالم وأن هذه الأسباب الكاذبة انكشفت للعالم بأجمعه ـ وأن شعار أمريكا بأن تجعل العراق أنموذجاً للديمقراطية والحرية صار العكس وهو أن العراق صار أنموذجا للتدمير ونشر العنف والصراع والتمزيق السياسي والطائفي في إطار الفوضى البناءة.

3ـ أصبحت حياة العراقيين المعيشية أسوأ من أي وقت مضى، إذ أن بلد جلة والفرات صار يعجز عن توفير مياه آمنه وصحية للمواطن وصار هذا البلد الذي يمتلك احتياطي نفطي لأكثر من 25 سنة العمر المفترض لنضوب النفط في دول المنطقة.. أصبح الآن يستورد مشتقات النفط من الغاز وغيرة والمواطن العراقي فقد أي إحساس بالأمن والاستقرار.

4ـ أن العراق بعد الاحتلال ربما تحرر من حكم صدام، لكنة أصبح فريسة لمحن وفتن جديدة وعدم وجود مؤسسات للدولة من حيث الفعل وامتلاك القرار وأن وحدت حكومة برلمان شكلية.

 أسباب بناء القواعد الأمريكية في المنطقة.

1ـ تعتبر هذه القواعد نقطة انطلاق للتدخلات والحروب.

2ـ تعتبر القواعد كمحرك اقتصادي، فالجانب الاقتصادي وجده الكفيل بأن يضمن الاستقرار داخل الولايات المتحدة، حيث تلعب القواعد العسكرية في تحريك الاقتصاد الأمريكي ذاته .

3ـ تعتبر القواعد عامل سياسي فالوجود العسكري في الدولة المضيفة يعتبر وسيلة ضغط على المضيق الذي يتوجب عليه التصرف بما تخدم المصالح الأمريكية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com