|
د. حامد العطية قبل أيام زار المالكي المرجع السيد علي السيستاني في النجف الأشرف، ولدى انتهاء الزيارة خرج المالكي ليعلن لوسائل الإعلام بأن "المرجعية تؤيد الدولة بشكل عام." وأضاف المالكي بأن "همه (أي المرجع) العراق ومساعدة المحرومين، ويؤكد على أهمية قوة الدولة وإطاعة الحكومة." استعمل المالكي في تصريحه مصطلح الدولة مرتين والحكومة مرة واحدة، وما يهمنا هنا معرفة إن كان استعمال المالكي لهذين المصطلحين صحيحاً أم لا، ومن الواضح أن هذين المصطلحين أساسيان في علم وممارسة السياسة، ولا بد لكل سياسي معرفة معانيهما والتمييز بينهما، والدقة في استخدام المصطلحات أمر ضروري وحيوي في حقل السياسة والدبلوماسية، ويحرص السياسيون على انتقاء كلماتهم بعناية فائقة، لئلا يساء فهمها، أو يفسرها خصومهم على هواهم بغرض إحراجهم، ولعل من أهم القدرات المطلوبة في السياسي والتي لها وزن كبير بين معايير اختياره من قبل أعضاء حزبه أو جماعته السياسية مهاراته في الاتصال، والتي من أبرز مظاهرها الاستعمال الصحيح للمصطلحات والكلمات، وعندما يتفاوض السياسيون حول بنود اتفاق أو معاهدة يعتنون بدقة صياغتها لئلا تختلف وتتضارب تفاسيرها فيما بعد، وتكون مثار اختلاف بدلاً من اتفاق. تعرف الدولة أي state بإنها كيان سياسي مستقل ذو سيادة، له حدود جغرافية معترف بها وسكان وأنشطة اقتصادية وحكومة، ونظام الحكم هو أحد مقومات الدولة، أما الحكومة فهي مجموعة من المسئولين الذين يشغلون مناصب عليا ويتخذون القرارات السياسية والاقتصادية ويشرفون بصورة عامة على تنفيذها، وفي النظم السياسية التي يوجد فيها فصل بين السلطات تمثل الحكومة السلطة التنفيذية. يتضح لنا بأن الدولة والحكومة مصطلحان مختلفان، وغير متطابقين، وتوجد حالات واقعية دالة على ذلك، ففي الضفة الغربية المحتلة من فلسطين توجد حكومة يرأسها محمود عباس ولكن لا توجد دولة فلسطينية، لذا فمن الممكن في القانون الدولي وجود حكومة من دون دولة أو في هذه الحالة بانتظار قيام الدولة، ومن المعتاد أن تكون هنالك حكومة مادامت هنالك دولة، ولكن قد تحدث حالات استثنائية تكون الدولة فيها بدون حكومة لفترة زمنية ما، ففي الأيام التالية لسقوط النظام البعثي لم تعد هنالك حكومة عراقية، وقبل اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية مؤخراً كانت الدولة بدون رئيس جمهورية والمعارضة اللبنانية رافضة لشرعية حكومة السنيورة، وبالتالي فقد كانت دولة لبنان في نظرها بدون حكومة. وعودة إلى تصريح المالكي يتأكد لنا في ضوء تعريفي الدولة والحكومة بأنه لا يدرك الفرق بين المصطلحين، وقد استعملهما بصورة خاطئة، فعندما صرح بأن المرجع السيستاني يؤيد الدولة العراقية لم يقصد الدولة بل الحكومة، لأن تأييد المرجع لوجود واستمرار الدولة العراقية أمر مفروغ منه، وليس موضوع بحث، وبالتأكيد لم يذهب المالكي للمرجع لمناقشة بقاء أو تقسيم أو ذوبان الكيان العراقي، لذا فقد أخطأ المالكي باستعماله مصطلح الدولة، والصواب هو الحكومة. لم يوفق المالكي أيضاً في استعماله لذات المصطلح مرة ثانية، وذلك عندما قال بأن المرجع يؤكد على أهمية قوة الدولة، ويتبين لنا من تعريف المختصين للدولة، أي "كيان مستقل ذو سيادة"، بأن الكيان العراقي الحالي لا تتوفر فيه الخصائص الأساسية والمميزة للدولة، وهي الاستقلال والسيادة، وكما هو معروف للجميع بما فيهم مراجع الدين يرزح العراق تحت احتلال وهنالك نية للتمديد لوجود الاحتلال لأمد زمني طويل، فمادام الكيان العراقي محتلاً ومنقوص السيادة فلا مجال للحديث عن قوة الدولة. قال المالكي بأن المرجع أكد على إطاعة الحكومة، وهذا أمر محير، لأن مثل هذه الدعوة متناقضة مع عقيدة أساسية لدينا نحن الشيعة الإمامية، وهي من أبرز نقاط الاختلاف بيننا وبين المذاهب السنية، فقد فسر علماء السنة الآية القرآنية التي تأمر المؤمنين بطاعة أولي الأمر بأنها حكم عام يسري على جميع الحكام، بما فيهم البر والفاجر، والعادل والظالم، بشرط أن لا يناصب العقيدة الإسلامية العداء، أما الشيعة الإمامية فقد اشترطوا لطاعة الحاكم العدل وتطبيق حكم الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد أوجب البعض منهم تولية الفقية لضمان تحقق هذا الشرط الصعب، ومن المعروف بأن قرارات الحكومة العراقية خاضعة لمشيئة الاحتلال الأمريكي، لذا فإن الدعوة لطاعة الحكومة بالمطلق تعني الإذعان للمحتلين الأمريكيين أيضاً، كما هي دعوة لطاعة الحكومة كلها بما فيها من مسئولين فاسدين ومرتشين، ومن المحال صدور هذا التوجيه من المرجع السيستاني لتناقضه مع الشرع الإسلامي بصورة عامة، والفقه الجعفري بصورة خاصة، لذا أجزم بأن المالكي قد تصرف في التعبير عن موقف المرجع متعمداً، واستغرب أن لا يقوم ممثلو المرجعية بتكذيب تصريح المالكي، وحظر زيارته للمرجع في المستقبل تجنباً لاستغلاله المرجعية خدمة لمصالحه السياسية. يستدل من تصريح واحد للمالكي بأنه غشيم في السياسة، إلى درجة لا يستطيع فيها التمييز بين مصطلحي الدولة والحكومة، وهي معلومة يعرفها المبتدؤون من طلاب السياسة، بل كل من يمتلك معرفة عامة بالسياسة نتيجة قراءة الصحف والاستماع لنشرات الأخبار، ومن قبل فقد تكشفت للعراقيين ضحالة مهارات المالكي السياسية والإدارية، والتي يعيشون اليوم نتائجها المريرة المتمثلة في التقسيم الفعلي للعراق إلى ثلاثة أقاليم على أساس طائفي وعرقي واستعمال القوات الحكومية لاضعاف خصومه الحزبيين في التيار الصدري وتفاقم مآساة ملايين المهجرين وتدهور الخدمات الحكومية والغلاء الفاحش وتفشي الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية وانهيار المؤسسات التعليمية، والأدهى من كل ذلك عزم المالكي على التفريط بحاضر ومستقبل العراق من خلال التوقيع على معاهدة التنازل عن استقلال وسيادة العراق وربطه بالمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة. افتقد العراقيون عدل الحكام منذ استشهاد الإمام علي عليه السلام، وما بين ذلك النموذج المثالي ونقيضه، أي الحكم الطاغوتي، درجات، والخائف من الطغيان قد يرضى بأقل القليل من العدل، والعراقيون خائفون من عودة الطغيان المحلي أو استقرار طغيان الاحتلال، ولكنهم مع ذلك لا يقبلون بالمالكي، لأنهم خبراء بالوراثة في تشخيص الطغاة، ويدركون بأن المالكي هو مشروع طاغية قيد التكوين والإنشاء، والويل لهم لو اكتمل هذا المشروع الأمريكي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |