|
احمد البديري خمس سنوات ونيف مرت على دخول قوات الاحتلال للعراق بعنوان قوات تحالف أو ائتلاف وبهدف إسقاط حكومة صدام ولأسباب معلنة تتعلق ببرنامج أسلحة الدمار الشامل والتي كانت عبارة عن أكذوبة كبرى لأن أمريكا تعلم علم اليقين مدى القوة الحقيقية التي يمتلكها شرطيها في المنطقة وربيبها المدلل صدام والتي كانت عبارة عن قوة كارتونية لا يوجد لها على ارض الواقع أي حقيقة .. ولم ينطلي على العراقيين ما روج له بعض الشخصيات القادمة والتي جاءت مع الأمريكان في المقاتلات الحربية من أن هدف الولايات المتحدة هو إنقاذ العراقيين من بطش النظام وأجهزته الإجرامية ، وسبب استيعاب اغلب العراقيين الواعين للخطوة الأمريكية هو التجربة التي مروا بها إبان الانتفاضة الشعبانية المباركة التي كادت أن تنهي ذلك النظام البائس بمعدات بسيطة وأسلحة بائسة وقيادة منعدمة إلا أن الولايات المتحدة رضخت فيما يبدوا لإملاءات وتوصيات عملائها في الخليج والشرق الأوسط بإيقاف هذه الانتفاضة والسماح لنظام صدام بخرق اتفاق وقف أطلاق النار ولتحصد أجهزة البعث الإرهابية أرواح ألاف الأبرياء من شباب العراق وشيبته وتملئ بالسجون آلاف آخرين وليعاني أبناء العراق مرارة تلك الطعنة الأمريكية الغادرة... خمس سنوات ونيف مضت على التغيير في العراق إلا ان العراقيين الممتحنين الذين صبروا ورابطوا وقاوموا الحكم البعثي، أقول لم يلمس أبناء العراق أي تغيير ايجابي على جميع الأصعدة وحتى ما تحقق من حرية محدودة على مستوى العمل الإعلامي والسياسي والاجتماعي لفترة قصيرة بعد 4/9 تعرض هو الأخر لنكسة كبيرة وسرعان ما تلاشى في أتون الصراعات التي تشهدها الساحة العراقية وقدم أصحاب الكلمة الحرة في العراق قوافل من الشهداء اغتيلوا على أيد الظلاميين ليفقد العراقيون حلمهم الوردي بعراق خال من الشمولية والاستبداد والاستئثار والأنانية الفئوية . خمس سنوات ونيف لم يشهد الوطن الحبيب فيها تطور ونمو سوى على صعيد الفساد الذي استشرى في جسد الدولة ونتج عنه ألاف من الفاسدين الكبار ذوي الكروش والجيوب الممتلئة بخيرات العراق وأهله من مليارات الدولارات التي تضاعفت إلى عشرات الأضعاف بالنظر للزيادة المجنونة في الأسعار التي شهدتها أسواق النفط ، بينما في الجانب الأخر لا زال الملايين من موظفي الدولة ينتظرون عطف الحاكمين للنظر في أوضاعهم المعيشية الصعبة والبائسة بينما يترقبون بين حين وأخر زيادات تعلن عنها أجهزة الحكومة طوال الحكومات الثلاث السابقة واللاحقة دون أن ترى تلك الوعود والتصريحات النور ...ويرزح ملايين العراقيين ممن لم يحض لا في النظام السابق ولا في عهد حكوماتنا الرشيدة بامتيازات أو خطوات فعلية لانتشالها من الأزمة المعيشية المرهقة والمذلة والتي وضعتهم في حال لا يحسدون عليه أجبرتهم عليه السياسيات الاقتصادية الخاطئة للوزارات العراقية المعنية بهذا الجانب المهم وليصل المواطن العراقي إلى تحت مستوى خط الفقر، وبدل أن تسعى الحكومة وتشكيلاتها الوزارية إلى التخفيف عن كاهله تعمدت استفزازه بين الحين والأخر بتهديدات بقطع البطاقة التموينية الممزقة أصلا أو زيادة تسعير الطاقة الكهربائية المشلولة وما إلى ذلك من التهديدات . خمس سنوات ونيف عمر التجربة السياسية التي خاضتها قوى الخارج او معارضة الخارج كما يعبرون عن أنفسهم والكل سواسية من علمانيين وإسلاميين فلقد جرب كل منهم حضه على حسابنا وحساب أهلنا دون ان يتلمس العراقيون أي تطور ملحوظ او تغيير معتد به بل الكثير من العراقيين يتحدث اليوم علنا عن هذه التجربة السيئة والتي لا تقل سوءا أن لم يكن أسوء بكثير عن تجربتهم مع حكم نظام البعث ... التغييب الواضح والمتعمد لأبناء الداخل وعدم منحهم فرصة لإدارة مؤسسات الدولة بل والعمل على إفشال أي موقع يتصدون له في مراكز القيادة بات واضحا بشكل لا يقبل التشكيك من قبل المراقبين ونظرة واحدة إلى رئاسات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية ورئاسة الدولة بالإضافة لجميع المواقع الأخرى تظهر سيطرة ونفوذ قاطع للشخصيات التي دخلت العراق بعد 4/9 وغياب واضح لتيارات الداخل من الإسلاميين والعلمانيين والقوى العشائرية والمدنية ...الخ، في مؤشر خطير على استثار السلطة واحتكارها لهذا الطرف دون ذلك ...ان استمرار هذا التغييب لعراقيي المحنة من قبل عراقيي المهجر سوف لن ينفع البلاد والعباد وأن كان ذلك التغييب لن يكون طويلا خصوصا ونحن نقترب من انتهاء الدورة للمجلس النيابي الحالي.. خمس سنوات ونيف انفرط عقدها لتنبئ بأنها لم تكن كافية فيما يبدوا للإخوة في الكتل السياسة الرئيسية الحاكمة في العراق للولوج إلى المجتمع العراقي ومعايشة همومه ومكنونات أسراره الغير مشفرة ، ليعجزوا اثر ذلك عن تفهم وإدراك المتغيرات التي طرأت على المجتمع العراقي خلال ثلاثين عاما من سنوات هجرتهم، النمو الفكري والمعرفي والثقافي الذي شهده بالإضافة إلى التطور الكبير الذي طرأ على مفاهيمهم الأساسية وتصوراتهم العامة . وتبعا لذلك فمن الخطأ انتهاج سياسة لغة السياط وطريقة الترهيب وآلية الإقصاء والتهميش وعملية التسقيط والتحريض من قبل المسيطرين على مقاليد السلطة ضد الغالبية العظمى من أبناء الشعب لمجرد الاختلاف في التوجهات الأيدلوجية أو الدفاع عن حقوق المستضعفين أو منافسة شريفة لهم على مقاعد السلطة فأن ذلك سيترك أثرا لن يزول بسهولة في نفوس الآخرين ، ولن ينفع ان يتقرب الساسة المتنفذين أسلوب بذل الأموال وتوزيع الحصص والغنائم لشراء ذمم البعض ممن يستسيغ ذلك لشق وحدة الصف وخلق النزاعات والمصادمات ومن اجل أيضا إخضاع الأخر وتركيعه للقبول بالممارسات والمشاريع الخاطئة والمستبدة التي لن تجلب سوى مزيد من الويلات والمحن لهذا الشعب الجريح . خمس سنوات ونيف عجاف كسابقاتها الخمس والثلاثين وهذا ما نراه نحن الذي عشنا مرارة تلك السنين ومحنها على الأقل، كل ذلك أوصل المجتمع العراق الى يأس وإحباط عجيبين لم يكن أكثر المتشأمين أن يتصورها إلا أنها أصبحت واقع حال وليس محال . الضوء الذي يأمل العراقيون ليكون مؤذنا بنهاية النفق المظلم الذي عاشته البلاد انتظروه طويلا من اجل أن يبدءوا حياة جديدة ولن ينقطع أمل الكثيرين منهم بكل تأكيد برؤيته..فهل سيكون ذلك قريبا؟ ذلك ما سيقررونه هم بأنفسهم أي العراقيين وليس عليهم أن ينتظروا من يصنع لهم ذلك أو يصوره لهم البعض ممن عجز وفشل في ذلك فهم صناع الحياة وهذا ما أثبتوه على مر السنين...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |