رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se 

يواصل الطرفان الأمريكي والعراقي التسريب المتعمد للأفكار الأمريكية التي وُضعت أساسا لتكون محاور المفاوضات الأمريكية العراقية تمهيدا لعقد المعاهدة التي تنظم العلاقة بين الطرفين والبدء في تنفيذها مستهل العام القادم 2009، فردود الفعل لا تزال تتصاعد في الساحة العراقية والإقليمية، مما وفر للطرفين المتفاوضين معطيات ميدانية في الموقف منها حتى قبل عقدها عند المستويات الشعبية والرسمية، و لابد أن تجد هذه المواقف وردود الأفعال، صداها في الجولات القادمة من المفاوضات وتغيير مساراتها ونتائجها، ردود الفعل الرسمية الحكومية أكدت على الالتزام بالثوابت الوطنية وعدم التفريط بالسيادة الوطنية، أما رد الفعل الأمريكي فصار أكثر تفصيلا في إعلانه عن نواياه، السفير الأمريكي لدى العراق رايان كروكر صرح  يوم 5/6 بالقول " لن يكون هناك أي اتفاق ينتهك السيادة العراقية. العراقيون لن يتقبلوه، وأقولها بصراحة، نحن لا نريد اتفاقا غير قابل للصمود والاستمرار، ويجب أن يحظى هذا الاتفاق بدعم كامل من الحكومة والشعب في العراق". ونقلا عن راديو سوا فان السفير الأمريكي نفى وجود نية لدى إدارة بوش لإقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق، مؤكدا أن الاتفاقية ستخلو من أية بنود سرية، و"العراقيون أوضحوا أنهم لا يوّدون بقاء بلدهم تحت طائلة البند السابع من ميثاق مجلس الأمن بعد العام 2008، كما أن الحكومتين أعربتا عن عزمهما إنجاز اتفاقية التعاون الاستراتيجي بأقرب وقت ممكن، واهتمامي يتركز على المناخ السياسي في العراق، ولا أتقيد كليا بالمفكرة السياسية الأميركية". تصريح سفير الإدارة الأمريكية في بغداد لا يخلو من التنصل عما سرب من الشروط الأمريكية المجحفة والمرفوضة، و رهن التحقق من مصداقية هذا التصريح سيبقى حتى الإعلان الرسمي عن بنود الاتفاقية. 

العراق الآن بين شرين لا تفاضل بينهما، أما الاستمرار وخضوع العراق تحت طائلة (البند السابع) من ميثاق الأمم المتحدة، أو القبول باتفاقية تريد من خلالها الولايات المتحدة على الأقل  جني بعض ما خططت له عند غزوها للعراق، وهذا يجري في ظل عدم تكافئ الإمكانات الدبلوماسية والميدانية العسكرية والأمنية في الصراع المصيري على مستقبل العراق السيادي، مما يضعف من أوراق المفاوض العراقي، ولذلك فإن الوفد العراقي بحاجة إلى توفير مستلزمات تقويه شروطه و مطالبه، وأهمها تكاتف جميع القوى السياسية العراقية وجميع مؤسسات المجتمع المدني لتكون ظهيرا مساندا له. وهذا يتطلب من المشاركين في العملية السياسية الارتفاع بحسهم الوطني، والكف عن تغليب المصلحة الطائفية والاثنية على المصلحة الوطنية العظمى في هذه المرحلة المعقدة، والإسراع بتشكيل حكومة وطنية تحظى بأكبر قدر من الدعم داخل مجلس النواب، كما يوجب على الحكومة الإقدام على مبادرات فعالة لتحقيق المصالحة الوطنية، واستثمار ما يسمى بربيع بغداد السياسي. كما أن الزخم الشعبي والرسمي المتصاعد في هذه الأيام الرافض لأي اتفاقية مذلة، يعزز الآن بموقف إقليمي مساند بغض النظر على دوافع وأسباب هذا الرفض، فهل تستطيع الحكومة العراقية ووفدها المفاوض استثمار للموقفين الشعبي والرسمي العراقيين والموقف الإقليمي لمواجهة الشروط الأمريكية؟.  

إن الحاجة إلى عقد اتفاقية مع الولايات المتحدة  استحقاق تفرضه مواثيق الأمم المتحدة ومسؤولية الدولة المحتلة تجاه البلد الواقع تحت الاحتلال، وبدون أن تكون هذه الاتفاقية عادلة  ومقرة بالسيادة الكاملة للدولة العراقية، سوف لن يكتب لها الدوام، و الشعب العراقي كغيره من شعوب الأرض لن يرضى بالهيمنة الأجنبية تحت أي شكل أو مسمى. وقد يكون مفيدا التذكير بمصير معاهدة  حلف بغداد التي ألغتها ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بقرارها الجريء بالخروج منها ثم إلغائها في آذار العام 1959، تلك المعاهدة التي شكلت امتدادا لمعاهدة بورت سموث مع الحكومة البريطانية والتي رفضها الشعب العراقي في انتفاضة عارمة عرفت بانتفاضة كانون الثاني العام 1948 . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com