الاتفاقية الأمنية.. بلح الشَّـام وعِـنَب اليمن!!

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

من الشائع كتعريف للسياسة، سواء كان هذا التعريف من الطبقة الثقافية الممتازة "النخبة" والمثقفين الشعبيين، أن السياسة دوما تكون في البحث عن الحلول الوسط للأزمات والاتفاقيات والعلاقات العامة في الدبلوماسية، ولكن هل حقا وواقعا تعمل السياسة هكذا؟ خصوصا إذا كان السياسي مسؤولا عن بلد يقع في عمق جغرافيا المشاكل الدولية كالعراق.

والاتفاقية الأمنية والمتعددة مع الولايات المتحدة الأمريكية ـ حيث أن لها ملاحق اقتصادية وعلمية وجوانب أخرى ـ من الممكن أن تكون خارج هذا التعريف السابق للسياسة والذي ذكرناه في أول المقال، فالسياسة في الغالب لا تسمح لممارسها (السياسي) أن يبحث في الأمور بما يرغب وبما يؤمن به، بل أن يتعامل معها بما يلائم أقصى مصلحة ممكنة لدولته وشعبه، وإذا ما تسلط وحتى أُنتُخٍب شخص أحادي النظر في منصب سيادي ما، فإنه من الممكن أن يتسبب بضرر كبير لشعبه وأمته التي انتخبته وهويظن أنه يقوم بالصواب.

العراق كدولة عموما وكحكومة نوري المالكي خصوصا تتمنى أن تبقى علاقاتها مريحة وطيبة وعلى نفس المسافة بين أطراف دولية وإقليمية متناقضة المصالح بل وحتى متعادية جدا، ولكن هل هذا فعليا ممكن؟ إن إيران وعبر أطراف موجودة في البرلمان والحكومة تحاول التدخل لمنع وتقييد أي اتفاقية عراقية ـ أمريكية مع يقيني أن لا مجال لأي اتفاقية مقيّدة، فليس منطقيا أن يربط الفيل ـ الولايات المتحدة ـ مصيره وحياته ومصالحه بفأرٍ اسمه العراق، فحكومة العراق التي أنجزت نجاحات داخلية وخارجية لا تملك الآن هامشا كبيرا للمناورة السياسية، فالولايات المتحدة لديها مفتاح الباب الذي سيخرج العراق من البند السابع الذي يبقي العراق تحت الوصاية الدولية، وبالمقابل إيران لا تريد مواقف معتدلة من العراق بقدر ما تريد جعل هذا البلد نسخة أخرى من إيران ومواقفها الآيديولوجية.

الولايات المتحدة الآن وككل دولة تحاول الإبقاء على مصالحها، لها الحق في أن تفعل ما هوصائب لصالح شعبها خصوصا وأنها صاحبة القرار والتنفيذ الذي أخرج العراق من جمهورية الصراعات إلى جمهورية التفاهمات، وهي التي قدمت أرواح وأموالا كثيرة حتى الآن في سبيل اتمام هذا العمل، كما أن لهذه الدولة الكبرى الحق في أن تقلق على كل ما تم إنجازه، وما تمّ إنجازه لم يكن ثمنه بخسا، خصوصا وأن الطرف الآخر المعترض على الاتفاقية هوطرفٌ معادي ويثرثر ويعمل باتجاه المواجهة.

وما يجعل إيران لا تملك حق الضغط على العراق في قبول ورفض الاتفاقيات هوأنها تريد من حكومة العراق ونوري المالكي أن تخوض حروب الآخرين بالنيابة، فيكون العراقيون مقاتلين على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل والولايات المتحدة، بينما منهج العراق المتأثر الآن بالنمط الغربي الأمريكي للديمقراطية يرفض إدخال العراق في شبكة مصالح لا يملك هوجملا فيها ولا ناقة، بل أنه كان هودوما ضحية تلك الصراعات التي دمرته ومنعته من أن يكون دولة تملك أبسط مقوّمات الدولة الحديثة.

وإذا كانت حكومة العراق تحاول البقاء على الحياد في الصراع الإيراني ـ الأمريكي الذي لا يبدوأنه يتجه نحوالحل، وحتى لوكان دستور العراق ينص على منع جعل العراق معبرا لأي جيش وقوة ضد دول الجوار، فإن الدول الأخرى بما فيها إيران وأمريكا ليست معنية بما ينص عليه الدستور، من هنا أعتقد أن لحظة "الحـــســم" قادمة في أن على هذه الحكومة ومعها رئاسة الجمهورية والبرلمان ستضطر إلى الاختيار بين أحد الخصمين المتصارعين إيران والولايات المتحدة! وغالبا ما تتسبب مناطق الصراع الملتهبة كالشرق الأوسط الآن والبلقان طوال السبعين سنة الماضية في تضييق مجال المناورة وهامش المراوغة لدى السياسي، ولا بد للعراق إذا أن يختار أحدهما، إما التحالف مع الولايات المتحدة والغرب الذي يمتد حتى الشرق الياباني والانضمام نحوالعسكر الإيراني والبقاء كدولة منقوصة ومحكومة بالبند السابع، وإذا كان السياسي العراقي حصيفا فسيختار الخيار الأقوى والمدعوم بالشرعية الدولية دون النظام الإيراني الفاشل والمعزول.

وإذا كان السياسي العراقي سيتعامل مع الصراع الذي يطال أرضه بمنطق المحايد فذلك إن لم يكن مستحيلا فهوعلى كل حال سيجعل العراق قد خسر "بلح الشام ـ قوة الجيش الأمريكي وإمكانياته في دعم أمن مواطنيه" وخسر عنب اليمن "قوة الاقتصاد الأمريكي الذي سيحرك ماكينة الاقتصاد العراقي ويجعله منافسا أساسيا في السوق".

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com