|
جاسم الحلفي لا يخفى على أي متابع للوضع الأمني في العراق ملاحظة التحسن الملموس فيه. فبعد النجاحات التي تحققت على هذا الصعيد في البصرة، جاء التقدم الباهر في طرد الإرهابيين من الموصل الحدباء، وإفشال مخطط تلك القوى وتحطيم مسعاها في التمركز في المحافظة والتحكم فيها، عبر فرض طريقتها السقيمة في الحياة غير المألوفة للشعب العراقي. لذا جاء إسناد أبناء أم الربيعين للخطة الأمنية امرأ طبيعيا ومنسجما مع طبيعة أهلنا في الموصل، وحبهم لمدينتهم وحرصهم على خصوصياتها، وعلى سلامة دورة الحياة فيها. ولم تقتصر بشائر النجاحات في هاتين المحافظتين وحسب، بل يمكن الاشارة الى التقدم الحذر الذي تحقق في مدينة الصدر، مما دفع أبناء المدينة الى المطالبة بتعزيز ذلك التحسن ومواصلته حتى يترسخ، ويطبق القانون وتتحقق الطمأنينة في نفوس أهل المدينة التي تصبو عيونهم نحو استقرار كامل، وخدمات سمعوا بها كثيرا ولم ينتفعوا فيها كما يحق لهم. ويصح القول هنا، بأن أي تحسن يتحقق على الصعيد الأمني، سيجد له انعكاس ايجابي على أوجه الحياة المتنوعة، خاصة عندما يرافق ذلك تحسنا حقيقيا على الصعيد السياسي والخدمي. وبمقابل ذلك فان ما شهدناه من تراجع للخطاب الطائفي خلال هذه الفترة من جهة، وتصاعد الخطاب الوطني بدلا عنه، والتأكيد فيه على الهوية الوطنية من جهة ثانية، إلا احد علامات التقدم الذي يشهده الوضع. كما يؤكد ذلك أيضا التراجع الواضح في نبرة الأداء الإعلامي لبعض للقوى السياسية، التي تمترست خلف الهويات الفرعية، وارتفاع الحديث هذه الأيام عن أهمية إيجاد المشتركات وصياغتها بما يخدم الأهداف العامة والقضايا المصيرية والمصلحة الوطنية. وبطبيعة الحال، لا يعني هذا التحول ان انقلابا كبيرا في المفاهيم قد حدث، لكن يمكن تسجيل حقيقة ان هناك تغييرا واقعيا يمكن للمتابع ان يلاحظه بيسر، وهذا ما تلتقطه الناس ببديهيتها، وينعكس بوضوح على مزاجها، لذا فالحركة الطبيعة للناس في الحدائق العامة والأسواق يعبر فيما يعبر بان أجواء انفراج نسبي أخذت تطبع الحياة اليومية الاعتيادية بطابعها الايجابي. ان حركة الناس الطبيعية هذه، هي خطوات واعية بأهمية الحياة وجمالها، وضرورة سيرها كالمعتاد، لذا يعد الحرص على ديمومة هذه الحركة، ومراعاة مزاج الناس والعمل على تحسينه، أمرا أساسيا لتعزيز الجوانب الايجابية في بنية المجتمع. لذلك يُعد قرار القيادات الأمنية في مدينة الموصل القاضي برفع الحواجز من شوارع المدينة وأسواقها، قرارا ذكيا، أريد منه تسهيل حركة الناس وتحسين المزاج العام. من جانب آخر فان الكل يعلم حاجة العاصمة، بغداد، لهكذا قرار، فالحواجز في شوارع بغداد عديدة، فإضافة الى ما تسبب هذه الحواجز من اختناقات مرورية، تعيق سير المركبات، فهي تأخر حركة الناس وتشكل ضغطا نفسيا مؤذيا. يضاف الى ذلك التواجد الكثيف لحركة المواكب الرسمية للمسئولين في الشوارع، وسرعتها فوق المعتاد، وصفارات الإنذار التي لم تنفك من إطلاق أصوتها بقوة، والضجيج المزعج الذي تولده هذه الأصوات العالية، كذلك السلاح الذي تشهره بعض الحمايات بوجه كل من لم ينتبه لمرور مواكب ما، مما يسبب إزعاجا للناس وإرباكا لم يعد مقبولا، فهو يسيء بالدرجة الأولى الى سمعه المسؤولين ودورهم الذي يتحدد بالحفاظ على امن المواطنين والسهر على تقديم الخدمات لهم. صحيح ان المسؤولين في الدولة هم أهداف دائمة للإرهابيين، مما يستوجب توفير الحماية الكافية من اجل تأمين سلامتهم، وهذا أمر مفهوم، لكن طريقة الحماية وشكلها، وطبيعتها يجب إن لا تكون على حساب الذوق العام ومزاج الناس وراحتهم. ولهذا يتعين معالجة هذه الأمور بطريقة مسؤولة كي لا يتولد انطباع بان الناس في وادٍ والمسئولين في وادي أخر، وحتى لا يبدوا ان التحسن الأمني الذي نتحدث عنه لم يشمل حتى هذه اللحظة راكبي المواكب وحمايتهم!. فحين نؤكد ان الأمن قد تحسن، علينا في نفس الوقت ان نسير سويا مع الناس!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |