|
د. مجيد جعفر تطرح بين الحين والآخر تخمينات وأرقام متفاوتة ومتضاربة جدا عن عدد الأكراد الفيلية في العراق، تتراوح بين 45,000 (لا ندري إن كان مرددي هذا التخمين يدخلون ضمن هذا العدد المهجرين إلى إيران والمهاجرين إلى البلدان الأخرى) و2,000,000 وحتى 3,000,000. قبل الاستفتاء والانتخابات النيابية الأخيرة كانت تخمينات عدد شريحة الأكراد الفيلية في العراق تخمينات مرتفعة وكان هنالك تفاؤل واهتمام بهم وكانت أسعار أسهمهم في البورصة السياسية مرتفعة تماما، وكان الإقبال الواضح عليهم قد انعكس بشكل وعود وعهود وتصريحات ورسائل وكونفرنسات. بعد نشر نتائج تلك الانتخابات قدم سياسي كردي بارز، الأستاذ ملا بختيار، خلال كلمة له في اجتماع في عاصمة السويد ستوكهولم، تفسيرا لأسباب حصول قائمة التحالف الكردستاني على 27,000 صوت في بغداد. والسبب في رأيه كان تصويت 97% من الأكراد الفيلية لقائمة الائتلاف العراقي الموحد. هذا معناه أن الباقي 3% صوتوا للقوائم الأخرى. بعملية حسابية بسيطة وعلى افتراض أن كل الـ 3% صوتوا لقائمة التحالف الكردستاني وهو 27,000 صوت فإن 97% تساوي 873,000 صوتا. لذا يصبح مجموع المصوتين للقائمتين على هذا الأساس 900,000 كردي فيلي من الذين بلغوا السن القانونية للانتخاب. ولا يدخل ضمن هذا العدد الأطفال والشباب الذين كانت أعمارهم دون السن القانونية، كما لا يدخل ضمنه الذين صوتوا للقوائم الأخرى. إلا أن هذا التفسير ترك جانبا وتم تقديم تفسير آخر، متداول ولكن غير معلن، لتلك الأرقام نتج عنه هبوط حاد في عددهم. التفسير الجديد مفاده أن عدد الأكراد الفيلية في بغداد، مركز تجمعهم الرئيسي، لا يتجاوز في حقيقة ألأمر 45,000. وأصبح هذا التخفيض في الرقم دارجا ومتداولا في بعض الأوساط وبدأ بترديد هذا الرقم عدد من الأكراد الفيلية. هذا التقليل الشديد لعدد الأكراد الفيلية في بغداد كان حتما لتقديم تفسير سهل وبسيط لواقع عدم النجاح في تحشيدهم بتقديم المكتسبات الملموسة لهم لكسب أصواتهم. وكان الرقم الجديد المنخفض مؤشرا قويا على بدأ هبوط شديد في أسهم الأكراد الفيلية في البورصة السياسية، وكنتيجة لذلك حصل فتور وقلّ الإقبال عليهم والاهتمام بهم وبقضيتهم. وكامتداد لهذا التخفيض في العدد بدأت الشكوك تثار من قبل البعض حتى حول أعداد المهجرين منهم قسرا وعدد الشهداء المغيبين وغير ذلك، مع العلم أن الأرقام التي يقدمها الأكراد الفيلية في هذا الصدد هي أرقام تقديرية لا تختلف، في كونها تقديرية أو تخمينية، عن الأرقام التقديرية التي يقدمها أشقائنا في كردستان حول ضحايا عمليات الأنفال (182,000) وعدد القرى المدمرة (4,500) وعدد الشهداء البارزانيين المغيبين (7,000)، أو الأرقام التي يقدمها إخوتنا في العراق حول عدد ضحايا الانتفاضة الشعبانية أو عدد المقابر الجماعية وعدد الشهداء المدفونين فيها. كان هذا حال عدد الأكراد الفيلية وأسهمهم في البورصة السياسية. ولكن الأمر تغير ألآن مرة أخرى لأن انتخابات المحافظات على الأبواب وبدأت أسهم الأكراد الفيلية تستعيد حيويتها من جديد وترتفع بشكل ملحوظ في البورصة السياسية وحصلت طفرة ايجابية ليصل عددهم ثانية إلى 1,000,000 كردي في بغداد، حيث قال سياسي كردي بارز، وزير شؤون المناطق خارج الإقليم وممثل حكومة الإقليم في اللجنة العليا الخاصة بتطبيع الأوضاع في كركوك، الدكتور محمد إحسان، لجريدة «الحياة»: "«إذا وافق البرلمان العراقي على تقسيم كركوك إلى 4 مناطق انتخابية وفقاً للقوميات (الكوردية والعربية والتركمانية والمسيحية) التي تسكنها فإن الحكومة الكوردية ستطالب بإجراء التقسيم نفسه على بغداد والموصل وديالى لضمان عدم سيطرة مكون على مكون آخر في المحافظات التي يسكنها الكورد»، مشيراً إلى وجود مليون كردي في بغداد." (موقع حكومة إقليم كردستان، 1/6/2008، نقلا عن جريدة الحياة.) ومما يستدعي جلب انتباه القارئ الكريم في هذا المجال تصريح سبق لضابط أمريكي أن أعطاه لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في 30/4/2006 جاء فيه "يقول المقدم الاحتياط جو رايس، الذي عاد مؤخرا من الواجب في العراق، معبرا عن رأيه الشخصي، إن بغداد مدينة مختلطة جدا، ويلاحظ متسائلا: "ما هي اكبر مدينة كوردية في العراق؟ بغداد. واكبر مدينة سنية؟ بغداد؟ واكبر مدينة شيعية؟ نعم بغداد." (الترجمة العربية من النص الانكليزي لمقالة نشرت في جريدة الواشنطن بوست الصادرة في 30/04/2006). وما يسترعي الانتباه هنا هو أن هذه الأرقام هي حول عدد الأكراد الفيلية في بغداد فقط وليس في كل أنحاء العراق، حيث يسكن أكراد فيليه في المناطق خارج الإقليم والمحافظات الأخرى. لذا وعلى ضوء ما جاء أعلاه لا يمكن أن يكون عدد الأكراد الفيلية في بغداد مجرد 45,000 مهما حاول البعض تقليل عددهم، وربما ضمنيا من أهميتهم وشأنهم، ومهما انخفضت أسهمهم في البورصة السياسية، إذ لا يمكن أن تكون كل هذه المصادر الثلاثة على خطأ. الرقمين الذين ذكرهما السياسيين الكرديين البارزين متقاربان كثيرا وهما 900,000 و1,000,000. وما يشير إلى احتمال قرب هذين الرقمين للواقع هو التصريح المشار إليه أعلاه للضابط الأمريكي الذي يقول أن بغداد هي أكبر مدينة كردية في العراق، مع العلم أن أكبر مدينة في إقليم كردستان هي أربيل ذات المليون نسمة تقريبا. وعلى أية حال فلا يمكن حسم الموضوع بدقة إلا بعد إجراء تعداد سكاني في العراق وإلا بعد تقديم إحصائيات موثقة عن عدد المهجرين والشهداء المغيبين من الأكراد الفيلية وغيرهم من ضحايا النظام السابق. وماذا يستطيع الأكراد الفيلية عمله على ضوء ما جاء أعلاه وعلى ضوء تجاربهم السياسية والانتخابية خلال الفترة الماضية التي تتجاوز الخمسة سنوات؟ يستطيعون الحصول على دور مهم نسبيا في انتخابات محافظة بغداد والانتخابات القادمة وتحقيق وزن انتخابي يعتد به إذا رصوا صفوفهم ووحدوا خطابهم السياسي ونسقوا وتوصلوا إلى قواسم مشتركة تجمعهم وتضع المصالح العامة المشتركة لشريحتهم قبل أي اعتبار آخر ودخلوا الانتخابات كمجموعة موحدة، أما بقائمة مستقلة أو ضمن قائمة كبرى أخرى كمجموعة موحدة، وتوصلوا إلى تحالفات تخدم جهودهم المشتركة ليستعيدوا ويصونوا حقوقهم الدستورية والقانونية ومصالحهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليضمنوا مستقبل أجيالهم القادمة. أما إذا بقينا على حال التشظي وبقيت جهودنا مفتتة وتتقاذفنا الأمواج الداخلية وتعصف بنا الرياح الخارجية فلا أمل يُرجى ولا مكسب يُتوقع والشيء الوحيد الذي سينتظرنا جميعا هو المكارم التي ينعمون بها علينا بعد أن نذرف الدموع ونقبّل الأيادي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |