د. وليد سعيد البياتي

wsialbayati50@hotmail.com

 المدخل الى المنهج الاستعماري الحديث:

 في تعريفات اصطلاحية للاستعمار نجد ان (معجم اكسفورد) يذكر الاستعمار باعتباره: (مجموعة من البشر تستقر ( تستوطن) بلد جديد ويشكلون جماعة تخضع للبلد الام او مرتبطة بها، وتتألف من المستوطنين الاوائل واحفادهم ووارثيهم مادامت العلاقة مستمرة مع الوطن الام).

 هذا التعريف فيه الكثير من المغالطات القانونية فهو لايشير باي شكل الى السكان الاصليين للمناطق التي تم استعمارها ولا إلى خصوصيتها التاريخية. وهو بالتالي يبرر الاستعمار مفرغا اياه من كل اشكال الصراع مع الاخرين. ثم لايشير الى قانونية الاستيطان خاصة في امكان هي مسكونة من قبل جماعات بشرية اخرى لاتمت إلى المستعمر بصلة تاريخية او اجتماعية.

 تبنى الفكر الاستعماري على الدوام نزعة وصولية في تحقيق غاياته اللاشرعية عبر أخضاع المستعمرات لمناهج تفكيره الذاتية دون اعتبارات اخلاقية وتاريخية وفكرية لكيان وتاريخ الشعوب المستعمرة. وهذه الفكرة أو الرؤية قد أستمرت عبر تحولات حركة التاريخ وهي لاتفرق بين مناهج الاستعمار القديم أو الجديد. لكن معذلك فقد تحولت النظرة الاستعمارية في رؤاها بعد الحرب العالمية الثانية وكرست منهجا خاصا بعد الحرب الباردة تبنى الخروج من الفهم الكلاسيكي للاستعمار القديم الى مرحلة تقسيم مناطق الصراع والتنازع كما حدث بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية فكان المعسكران الشرقي و الغربي. من جانب آخر فقد تشكل التقسيم وفق اسس عسكرية حسب مناطق القوى. اما في المرحلة الحالية فالصراع الاقتصادي الذي تمثل بالاستعمار القديم قد وضع معايير استعمارية قسمت العالم الى عالم الشمال الصناعي الغني والمحكوم بقوى رأسمالية وإن تبنت شكلا اشتراكيا في بعض سياساتها، وعالم الجنوب الفقير والمالك للبنى الاولية التي يحتاجها العالم الشمالي، وهكذا بقي الصراع اقتصاديا وفق مناهج الاستعمار الحديث. ومن هنا لايمكن اغفال تعلق الفكر الاستعماري الحديث ببدايات النهضة الصناعية وحاجة الدول المصنعة الى المادة الخام.

 يفرض الفكر الاستعماري نظرة وصائية على الشعوب المستعمرة مجردا إياها من مجمل الحقوق العامة وأولها حق تقرير المصير. فالفلسفة الاستعمارية تقوم على اساس ان الشعوب المستعمرة لاتتمتع بالكفاءة الفكرية لادارة شؤونها فياتي المستعمر الذي يعد نفسة اكثر كفاءة لادارة الحياة بكل اشكالها (السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية).

 ومن هنا كان للفسفة الغربية دورا واضحا في تكريس المفاهيم الاستعمارية، بل والتنظير لها بعاتبارها جزءا من حركة التاريخ، ولم يكتف الفلاسفة اللادينيين بالدعوة للاستعمار بل ان الكنيسة نفسها كانت عاملا رئيسيا في تفسير حركة الاستعمار من منطلقات دينية واقتصادية وسياسية في آن، كما كانت عليه الحروب الصليبية. وهنا لابد من استذكار ملاحظة لبعض الفلاسفة الالمان حيث يقول (كونور): " إن الانكلوسكسون هم أكثر القوى الاستعمارية الاوربية تعمدا للابادة، حيث هدفهم النهائي هو افراغ الارض من اهلها وتملكها، وانهم خلال مسيرتهم الاستعمارية التي بدات بايرلندا ولم تنتهي بعد تحكمت بسلوكهم وبنادقهم وتحولت الى ذهان هذياني جعلهم يؤلهون ذاتهم ويتوهمون امتلاكهم حق تقرير الموت والحيات لكل من عاداهم " 1.

 ولايمكن ان نغفل تأثير هذاه الافكار الاستعلائية في معظم فلاسفة ومؤرخي الغرب مما ادى الى ظهور إتجاه فكري يقول بظرورة اعتناق النظرة العرقية في التعامل مع الاخرين تحت حجة تفوق العرق (النوردي) 2 . ومن ثم تطور هذا الاتجاه في المنهج الاستعماري الذي ظهر بشكل كبير في الاستعمار الاوربي لكل من دول آسيا وافريقيا، ومن قبل لامريكا.

 في مرحلة لاحقة اراد السياسيون والفلاسفة معا إخراج الاستعمار من مفاهيمة القديمة ونظرته الوصائية الى الشعوب المستعمرة بالبحث في نظريات جديدة لا تخرج في مضامينها ونتائجها عن تلك القديمة. ولما كان الفكر الاستعماري قد سعى الى ايجاد تاصيل قانوني وإجتماعي لوجوده واستمراره عبر تحقيق جملة من الاغراض يمكن ترتيبها على الشكل التالي:

 أولا: السعي الى تشويه ومسخ التاريخ الاصيل للمستعمرات وأحلال نماذج تاريخية اصطناعية.

 ثانيا: ايجاد نماذج ادارية تتبنى المنهج الاستعماري ظهرت على شكل ممالك ثم حكومات.

 ثالثا: إخضاع المناطق الاستعمارية الى تبني لغة المستعمر ومناهج تفكيره الفلسفي في كل المجالات العلمية واللغوية والاجتهادية والادبية، حتى صارت وسيلة للانتاج العلمي والادبي والمعرفي.

 ثالثا: أخضاع حركة الانتاج (الصناعي والزراعي والتقني) لمناهج الانتاج الاستعماري.

رابعا: ربط حركة التطور العلمي بالمناهج الاستعمارية.

 فان الفكر الاستعماري قد اوجد شبكة موروثات أخرجت المناطق المستعمرة (بالفتح) من اصالتها التاريخية وشوهت ملامحها النفسية في سعيها لمسخ الشخصية الذاتية والاعتبارية لشعوب الدول التي تم اخضاعها للمنهج الاستعماري. فمحاولات سلخ المجتمعات الخاضعة للاستعمار عن تاريخها وثقافتها الاصيلة قد شكلت على الدوام نمطا استعماريا توحدت فيه الانظمة الاستعمارية أيا كانت مصادر نشوئها، بل انه هناك نوع من التوافق بين هذه الانظمة في هذا المجال الذي شكل احد سمات الاستعمار قديما و حديثا، في مراحل عديدة من حركة التاريخ سعت النظرية الاستعمارية الى استغلال النزعة القومية لضرب الفكر الديني، وفي مراحل اخرى عكست الحالة فتم استغلال التوجهات الدينية لضرب الافكار القومية.

 فمثلا نجد ان الحكومة البريطانية استغلت ابن عبد الوهاب لضرب كافة التوجهات القومية في شبه الجزيرة العربية في مرحلة التأسيس، ثم اثارت النزعة القومية لضرب المراكز الدينية في مرحلة لاحقة. ففي الوقت الذي يطرح فيه الاسلام قيما شمولية نجد ان الصراع الذي اوجده صدام في صراعه ضد الجمهورية الاسلامية في ايران كان صراعا قوميا، كما ان تقييم الحالة العراقية بعد سقوط الصنم كان يتبنى أسسا غير مترابطة، فمرة يتم التقسيم على أسس مذهبية (شيعة وسنة) ومرة أخرى على أسس قومية وعرقية (عرب، كرد، تركمان وغيرهم). وهكذا نجد ان التنظير الاستعماري لعلاقته مع الدول المستعمرة كان على الدوام غير واقعيا وينحو باتجاه تسلطي لاضعاف الاخر.

 نظرية الاستعمار الجديد (ما بعد الكولنيالية).

 في ضوء المعطيات السابقة بنى الفكر الاستعماري نظريته الخاصة في تحقيق الاهداف الاستعمارية، وتدعو النظريه التي سماها البعض (ما بعد الكولينيالية) إلى التخلص من المناهج العتيقة في إدارة وحكم المستعمرات عبر أيجاد حكومات محلية تتبنى نفس المنهج الاستعماري في ادارة شؤون البلاد، وغالبا ما تكون هذه الحكومات معينة من المستعمر نفسه. لاشك ان مفهوم ما بعد الكولينيالية يمكن ان يصبح مخرجا للفكر الاستعماري من ازمته، وعلى الرغم من ان هذا المفهوم ليس جديدا إلا ان التحولات التاريخية لما بعد الحرب العالمية الثانية قد افرزت ضرورات قاسية جابهت الفكر الاستعماري الحديث تمثلت بحركات التحرر في معظم مناطق الاستعمار، وخاصة الاستعمار البريطاني فنجد ان الهند التي كانت تعد ماسة التاج البريطاني وكاحدى اكبر واغنى المستعمرات البريطانية الغنية بالمواد الاوليه، قد تمكنت قبل نهاية النصف الاول من القرن الماضي من ان تحصل على استقلالها. وقد تعددت حالات التحرر من النظم الاستعمارية ولو بشكل جزئي، مما ادى الى ظهور مفاهيم جديدة في تفسيبر العلاقات الدولية.

 وهنا يمكن ان يطرح تساؤل عقلاني لتفسير اسباب نشوء فكرة التحرر في العصر الحديث، فقد يكون هذا النشوء نتاج لحدث خارجي أولجملة من الافكار الذاتية، وفي هذه الفكرة يقول (يونج): " إن مراجعة الفكر الغربي وتقييم علاقته بالغرب بدات في الفكر الغربي ذاته عن طريق منظمات اجتماعية غربية شكلت انتقادا للاتجاهات السياسية الغربية واستغلالها للشعوب المستضعفة " 3. ولكنه لاينكر اثر حركات التحرر الشرقية من الاستعمار الاوربي في إيجاد هذا النوع من التفكير لدى الغرب. لاشك ان التحرر قضية ذاتية وعقلانية وشرعية في آن تكتسب شرعيتها من الطبيعية التكوينية للفرد، فالحرية قضية وجودية وتكوينية خارج مفاهيم الاكتساب الزماني والمكاني، فالانسان حر بطبعه وببناءه التكويني، كما ان الشرائع السماوية أكدت قضية حرية الانسان في الاختيار فقال سبحانه: " لا إكراه في الدين " 3. وهو تعبير عن كمال حرية الانسان في الاختيار، ولذا يصبح الاستعمار نقيضا لهذه الفلسفة الالهية والعقلانية في نفس الوقت، فالعقل يحكم بضرورة حرية الانسان، فخضوعة لأي من الحوادث التي تمنع او تحدد حريته التي حققها وحددها الشرع الالهي سيعني نقض لابسط مناهج حقوق الانسان.

 نظرية البوابات الخلفية:

 منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي والولايات المتحدة تسعى لترسيخ مفاهيم جديدة لعلاقتها بالدول الخاضعة لسيطرتها أو تلك التي تسعى الادارة الامريكية لاخضاعها مستقبلا. وقد تجلت هذه النظرة بعد قيام الجمهورية الاسلامية في ايران. وتطورت على اثر انهيار الاتحاد السوفياتي. وما نظرية (الفوضى الخلاقة) التي نادى بها اتباع اليمين الجديد (المحافظين الجدد) في الادارة الامريكية إلا مرحلة أولى من المنهج الاستعماري الامريكي المعاصر تحقيقا لفكرة (الهيمنة الكلية) فالولايات المتحدة ترفض اي فكر تحرري في العالم وخاصة في الشرق وفي امريكا اللاتينية، ومن هنا فان الادارة الامريكية ووفق قاعدة (صناعة العدو) التي انتهجتها ايام الاتحاد السوفياتي السابق وفي عهد صين (ماو)، تجد من الضرورة ايجاد عدو يمكن ان تمارس عليه سياساتها العدوانية، وكان لابد من التركيز على إيران كدولة سعت الى استنهاض الوعي التحرري، حيث سعت الادارة الامريكية إلى تقويض الفكر الشيعي عامة وايران خاصة وقد استعملت القاعدة ذات الاتجاه السني لضرب حركات التحرر وعلى رأسها حزب الله. فمن الملاحظ ان القاعدة لم تشن أي عملية عسكرية ضد أسرائيل مثلا، بل انها لم تهاجم القوات الامريكية في العراق، في حين انها تبنت مهاجمة الشيعة فكرا واشخاصا ومراكز حضارية ودينية مستندة في ذلك الى العديد من الفتاوى الصادرة عن مشايخ الوهابية في (المملكة السعودية).

 كان لابد للولايات المتحدة ان تعيد قراءة مفاهيم وقواعد الاستعمار القديم الذي تبناه الفكر الانكلوسكسوني بعد فشل الكثير من الاحلاف القديمة مثل (حلف بغداد). وكان لابد ان يظهر الفكر الاستعماري بشكل المدافع عن حقوق الانسان والمستلهم لتاريخ الحضارات، وأن كان لابد أن ينادي بالخلاص كفكرة لاهوتية فانه سيفعل فقط من اجل تحقيق طموحه في الهيمنة. ومن هنا كان الخطاب الديني لبوش في عام 2007 الذي رافقه خطاب مماثل لتوني بلير في برطانيا قبل انهياره وخروجه من حزب العمال.

 لقد وجدت الولايات المتحدة إن التخلي عن المنهج القديم سيعني بالضرورة طرح رؤيا جديدة في التعامل مع المستعمرات المستقبلية، ففي الوقت الذي فشلت فيه فرنسا في لبنان على يد حزب الله، سعت الولايات المتحدة الى طرح فكرة تحقيق معادلة حديثة تتبنى تحديد فعاليات الدول الخاضعة للاستعمار الامريكي عبر ترسيم معاهدات تحقق المصالح الامريكية في المنطقة ولتكون بوابة للاستعمار الحديث وهو ما يمكن ان أسميه بـ (نظرية البوابات الخلفية). فهذه النظرية الاستعمارية تبدأ بالحصول على تشريع دولي من الامم المتحدة (مجلس الامن) لحكم الدول باعتبارها خاضعة لشروط (البند السابع) الذي يسمح للدول المستعمرة بممارسة نشاطها تحت غطاء دولي محتجة في ذلك بالتخبط السياسي للدول تحت الاستعمار ولكونها غير قادرة على تبني مواقف صلبة تحمي سيادتها واقتصادها كما حدث في العراق منذ بداية الاحتلال و بعد سقوط الصنم.

 بالنسبة لسياسة الادارة الامريكية فان خضوع الدول المستعمرة (بالفتح) لشروط البند السابع لاتشكل مشكلة اساسية في إخضاع هذه الدول من عدمها، حيث ان الولايات المتحدة ومنذ أنهيار الاتحاد السوفياتي وهي تتصرف وفق مفهوم القطب الواحد مع ان هذا المفهوم غير معترف به لدى الكثير من الدول القوية، وخاصة روسيا والصين وايران، وعدد من الدول النفطية كفنزويلا مثلا.

 تخلط الولايات المتحدة بين شعورها بالقوة وبين ضرورة تطبيق هذه القوة، ففي المنهج السياسي هنا فوارق كبيرة بين القوة والتطبيق والادارة الامريكية ارادت ان تقفز على الحواجز الضابطة ولهذا نجدها تلجأ الى التهديد بشكل مباشر وتجعل الخيارات العسكرية في اولويات التعامل الدولي، في حين ان العقل السياسي الرصين يضع الخيار العسكري كحل اخير في التعامل مع الاشكالات الدولية، ومن هنا لايمكن ان نعتبر الولايات المتحدة مخلصة ونزيهة في عملية إدارة الصراع الدولي، او في التحكيم، باعتبار انها جزء اساسي من المشكلة، ومن هنا لايمكن للحكم ان يكون حكما وخصما في نفس الوقت باعتبار ان هذه الفكرة تناقض العدالة المفترضة. في هذا المجال يقول زبجينيو بريجينسكي (مستشار الامن الامن القومي السابق): " ستكون للولايات المتحدة حظوظ اكبر إذا ما تخلى البيت الابيض عن تهديداته بشأن عمل عسكري ضد أيران ". فاتفاق الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية بشان سلاحها النووي، وتجاوز الادارة الامريكية عن كثير من الدول التي تملك سلاحا نوويا، يجعل العقل الايراني يثق بان سياسة البيت الابيض موجهة ضده بشكل مباشر.

 من هنا كان سعي الولايات المتحدة الى تبني مخطط استعماري يسمح لها بالسيطرة العسكرية والاستخباراتية، كما يسمح لها بالهيمنة الاقتصادية على البلدان المستعمرة لتغطية نفقات حركة الاستعمار عبر معاهدات ثنائية بعد فشل سياسية الاحلاف الجماعية التي كانت سائدة في العقود الخمس الاخيرة. فالعالم لايزال يتذكر دوي سقوط حلف وارشو على اثر انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، كما ان خريف الولايات المتحدة في نزاعها الاخير من اجل البقاء قد انذر هو الاخر بسقوط حلف (شمال الاطلسي) الذي يمكن اعتبار بداية سقوطة قد دقت نواقيسها منذ عمليات (كوسوفو). 

 والان يمكن ان يطرح تساؤل منطقي: " لماذا البوابات الخلفية " ؟ والجواب يأتي هو الاخر منطقيا باعتبار ان الفكر الاستعماري وجد ان المواجهة المباشرة مرة واستعمال سياسة (العصا والجزرة) مرة أخرى لم يعد مجديا في التعامل مع الدول المتطلعة للتحرر، فالولايات المتحدة لم تدخل صراعا مباشرا مع باكستان النووية بل حاولت احتوائها. بينما نجدها تهدد أيران نشكل مكشوف، وهنا يمكن ان نعود الى ملاحظة لبريجينسكي تقول: " للاسف قد تنفع سياسة العصا والجزرة مع الحمير (الدول الضعيفة) لكن ليس مع دولة جدية (في اشارة الى ايران) ". وبالتاكيد فان هذه الدولة الجدية سترفض اية اتفاقية مع البيت الابيض وهي تدرك دخول الولايات المتحدة في خريف عمرها الافتراضي. فالحادي عشر من سبتمبر لم يعد حجة قوية تستند اليها الادارة الامريكية في صراعها مع الفكر الاسلامي، إذ هناك الكثير من الشكوك تثار حول ضلوع أجهزة استخباراتية امريكية في تفجير برجي مركز التجارة العالمي وبقية حوادث ذلك اليوم، ومن هنا لايمكن ابعاد اليمين المتطرف عن الضلوع في احداث سبتمبر، كما ان التحقيقات لم تحسم حتى الان.

 ولايمكن إنكار ان الادارة الامريكية الحالية تعيش واحدة من أسوء ازماتها بعد فشل برامجها في أفغانستان والعراق و خاصة بعد انكشاف حالة الضعف والتردد وظهور افكار معاضة لطبيعة السياسة الامريكية وخضوعها المستمر لمراكز الضغط السياسي المتمثلة بمجموعات الضغط الاسرائيلية (إيباك) واليمين المتطرف (المحافظين الجدد) ومجموعات مسيحية يمينية (المسيحيين الانجيليين) وغيرهم مما يجعل القرار الامريكي يفتقر الى الكثير من الحنكة السياسية لتاثره المباشر بهؤلاء. وهاهي صحيفة كريستيان ساينس مونيتور The Christian Science) (Monitor تشير الى هذه الحالة وهي تستعرض بعض آراء استاذين من اساتذة جامعتي شيكاغو وهارفارد هما (جون ميرشايمر و وستيفن والت) التي جائت في كتابهما المثير للجدل " اللوبي الاسرائيلي والسياسة الامريكية الخارجية " حيث يطرحان فكرة الحاجة الى ايجاد لوبي ضغط غير ايباك حيث قالا: " إن التزام الولايات المتحدة بمواقف وطروحات ايباك يحرض على الارهاب المتطرف ويعيق جهود الولايات المتحدة في أن تلعب دور الوسيط العادل مما يعقد العلاقات الدولية ". وقد دعيا الى ايجاد لوبي ينافس ايباك. ويبدو انهما حققا هذه الفكرة عبر تاسيس لوبي ضغط باسم (J Street) يسعى الى تحقيق سياسة امريكية تكون اقل تشددا في قضايا الشرق الاوسط في سعيها لتحقيق تغيير دونان يتم تهديد اعضائها بمعادات السامية.

 مباني نظرية البوابات الخلفية:

 أولا: فشل المناهج الاستعمارية الكلاسيكية.

 ثانيا: سقوط الامبراطوريات الاستعمارية.

 ثالثا: فشل الاحلاف التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية.

 رابعا: وجود شعور دولي بقوة الاتجاه الاسلامي.

 خامسا: تنامي حركات التحرر ذات الاتجاه الاسلامي بعد ظهور الجمهورية الاسلامية كقوة سياسية وعقائدية منذ اواخر سبعينات القرن الماضي.

 سادسا: ظهور شعور عام بضرورة التغيير (وهو الشعار الذي نادى به المرشح الديمقراطي للرئاسة الامريكية) مع ملاحظة انه قد لايلتزم أي مرشح بالطروحات الانتخابية.

 وبذلك تصبح المعاهدات الثنائية بوابات خلفية للنظم الاستعمارية، بل انها البديل المعاصر للاستعمار القديم، فدولة كبيرة مثل الولايات المتحدة تبقى دولة قوية مرهوبة الجانب وإن كانت في خريفها السياسي، من جانب آخر فانها تسعى لتعويض فشل سياستها الدولية، فالولايات المتحدة ومنذ اواخر ستينات القرن الماضي (حرب فيتنام) وهي تشهد بداية الانهيار التي تكرست بعد سقوط مشاريعها الاستعمارية في الشرق، ولما كان خروجها من العراق قانونيا قد اصبح ممكنا لاتفصله عن ان يصبح واقعا إلا بضعة اشهر، فالولايات المتحدة التي خاضت حرب العراق من البترول والبترول فقط، لاترضى باقل من ان يكون لها وجود حقيقي ومؤثر، سياسيا واقتصاديا فالاتفاقية العراقية الامريكية لايمكن ان تخرج من وجهة النظر الامريكية عن كونها شكلا من اشكال الهيمنة الاستعمارية، ومهما كان التفسير العراقي لها فانها تبقى شكلا من اشكال الاستعمار، والاستعمالات اللغوية لا تغير من حقيقتها كونها كما ذكرنا.

....................

1- كونور، كلاوس، نظريات الاستعمار البريطاني.

2- العرق النوردي، هو الذي يمتاز بالبشرة البيضاء الوردية والشعر الاصفر والعيون الزرق حتى ان (نيتشه) كان يطلق عليه لقب (الوحش الاشقر). انظر ايضا البياتي سلسلة بحوث بعنوان (الاسلام نهاية التاريخ) نشرت في صحيفة الحياة اللندنية سنة (1998).

3- يونج، روبرت، مابعد الاستعمار مقدمة تاريخية (ترجمة نصوص للدكتور البياتي) 2002.

4- البقرة/256.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com