الأمة.. في مفهومها الجديد

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، بدأت تتوضح ملامح الأمة الأمريكية التي أسست دولتها على أهم مبدأ ساد في عصر النهضة وإلى الآن ألا وهو"الحرية الفردية والحرية الدينية والفكرية"، ولكن الولايات المتحدة التي نراها حاليا في حريتها وقوتها لم تصل إلى هذا المستوى الراقي من الحضارة إلا بعد مشقات ومشاكل ضخمة واجهت الشعب والحكومة الأمريكية، وبينما كان قلة يكافحون في سبيل تقسيم الأمة الأمريكية فإن آخرين قاموا بتوحيد هذه الأمة لتكون قدوة للعالم.

إن الدستور الأمريكي وعبر مروره بعملية التطوير التي انتهت بالولايات المتحدة من مركز ضعيف وولايات قوية ـ حكومة محلية ذات نفوذ قوي ـ إلى توازن بين مركز قوي يكاد يحتكر كل القرارات السيادية، ورغم كل النزاع القانوني والجدل السياسي وحتى الحرب الداخلية التي نشبت بين الشمال والجنوب، إلا أن الملاحظ هوأن فكرة أساسية تقوت لتقرر مصير هذه الأمة وهوكونها "أمريكية"، وإذا كانت أمة حديثة الجذور جدا استطاعت شيئا يميز الأمريكي عن البريطاني والفرنسي والعراقي، فإن الأولى بالعراقيين الذين يملكون جذورا تمتد لآلاف السنين أن يجدوا الصفات التي تميزهم.

في العهد البعثي المقبور كان مفهوم "الأمة" يُجسد في العرق القومي وتارة أخرى بالموروث الديني الذي يتقوّم ـ يصبح مثل القومية ـ سببا في فصل العراقي عن أخيه العراقي، وما دام تعريف العراقي طرأ عليه طارئ قومي عنصري ديني فإنه يخرج عن كونه هوية وطنية، إنه أشبه بتعريف الشيوعيين للديمقراطية حينما وصفوها بأنها "ديمقراطية الطبقة الفقيرة" وبهذا العنوان الجميل وضعوا السلطة في يدي طبقة تحتكر السلطة باسم الشعب وباسم الطبقة المسحوقة.

إن عراقية العراقي تمتد إلى آلاف السنين وانتماءه هذا يسبق ظهور الفوارق العرقية القومية ويسبق الإسلام والمسيحية وحتى اليهودية، ومن هنا كان من واجب المثقفين والسياسيين وحتى رجال الدين العراقيين هوالعمل على إلغاء هذه الفوارق، وكمثال قريب في المنطقة فإن المواطن والمواطنة التركية حرة في الارتباط بأي تركي وتركية بغضّ النظر عن انتماءه الديني والعرقي، بينما هذا لا يتوفر في العراق حيث تمنع العراقية بالزواج من عراقي آخر بسبب الفارق الديني، بينما يسمح لها قانونا بالزواج من عراقي آخر يوافقها في الدين ـ وهذا ما هومدون في الوثائق الرسمية بينما في الواقع قد يكون ملحدا ولا يؤمن بأي دين ـ وكما نرى تحول الدين مرة أخرى إلى مستنسخ عن العنصرية.
لقد انتبه الرئيس التركي المؤسس للجمهورية ـ مصطفى كمال باشا ـ إلى هذه النقطة التي تمثل آلاف الفوارق والحواجز التي تفصل بين المواطنين فجعل الأتراك ـ بعنوان الوطن ـ أسوياء ولا فوارق بينهم، وأن القناعة الدينية "الإيمان" هوشأن شخصي لا دخل للدولة فيه ولا يحق لأي مواطن وجهة أن تتدخل في قناعة أي فرد من الأفراد.

إن العراقية والأمريكية والفرنسية والإيطالية هي هويات تحمل مشتركا واحدا هو"الإنســانية" التي هي غاية التطور البشري المستمر، والإنسان هوواحد في أمريكا والعراق واليابان، والفارق لا يتعلق ـ عدى المظهر الشكلي ـ إلا بأنماط التفكير، فبلد يشهد إصلاحا دينيا حقيقيا يختلف كليا عن بلد آخر يسوده الجهل والخرافة، فبلدان الإصلاح الديني ينتعش فيها الدين الحقيقي ـ الخيري ـ الساعي إلى تضميد جراحات الإنسان وإسعاده، على عكس الدول المتخلفة التي يسود فيها الدين ـ الطقسي الشعائري ـ حيث يكون المظهر الديني والتقوي أهم من الإنسان ومصلحته وحريته، وأي دين لا يتقبل الحرية الإنسانية والخيار الفردي هودين كاذب يريد إبقاء كل المشاكل الجنسية والإخلاقية تحت غطاء سميك من الرياء.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com