الحرية في منظور الإمام علي عليه السلام
احمد الساعدي
ahmadiraqi@hotmail.com
تعد قضية حرية الفكر والتعددية، من القضايا المهمة في كل العصور، ولدى كل الشعوب، والأمة التي ترعى الفكر تسود وتزدهر وترقى في جميع جوانب الحياة, والذين يحاربون الفكر والتعبير ويطاردونه يذلون ويخسرون. و للأسف الشديد يغيب في عالمنا الإسلامي والعربي قبول فكرة تعدد الأفكار والآراء وتعددها، وكذلك يعاني العالم اليوم ي البلاد العربية والإسلامية من مشكلة العنف ومصادرة الحرية والفكر في الكثير من جوانب الحياة، لأن تحدد الأفكار والآراء يشكل خطراً عليهم في وجهته نظرهم ؟
ان مبدأ التعددية والفكر أصل موجود على مر العصور والأزمان. وهو عنصر أساسي من عناصر حيوية الأمم والشعوب وتقدمها وازدهارها وهو محور حقيقي وعامل فاعل في مسيرة التكامل البشري في مختلف جوانب الحياة.
فالإنسان وفق الرؤية القرآنية ومنطق العقل الإسلامي، يجب أن يكون مختاراً وحراً، ليكون مسؤولاً، وليسير عالم الإنسان وفق عدل الله تعالى.
اما لو رجعنا إلى سيرة الإمام علي عليه السلام ووقفنا وقفة متأمل ومتفكر في أقواله وسيرته وتعامله عليه السلام يتضح لنا شدة مبغوضية العنف ومصادرة أفكار الناس في الإسلام وخصوصاً في سيرة هذا الرجل العظيم، ومدى حرص الإسلام على السلم والحرية ونبذ العنف بجميع أقسامه لنجد ان هذا المفهوم وهذا المنطق موجود في سلوك الإمام علي عليه السلام وفي جميع تصرفاته عليه السلام بل يمكن ان نقول هو المدافع عن هذا الأصل والمبدأ.
فقد ورد في كتاب غرر الحكم ودرر الكلم عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
((من رفق بمصاحبه وافقه،ومن أعنف به أخرجه وفارقه)).
وقال أيضا عليه السلام: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يجتمع العنف والرفق)). وقال أيضاً قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((من ركب العنف ندم)).
نجد الإيمان بهذا الأصل العميق وهو أصل الحرية، من الأسس التي قام عليها منهج خليفة المسلمين الشرعي بعد رسول الله (صلى الله وعليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الحكومة والسياسية وادارة البلاد في ذلك الوقت الذي مر فيه الإسلام والمسلمين بأخطار كبيرة. حيث يقول علي عليه السلام كما جاء في نهج البلاغة: ((لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)).
فعلي عليه السلام الذي كان يمثل القائد والخليفة الشرعي بعد رسول الله (صلى الله وعليه وآله) محترف بأصل الحرية حتى في أخطر المواقف والأحداث التي مر بها في جهاده ضد الناكثين، والقاسطين، والمارقين، وقد جيشوا جيوشهم وملاؤوا الأرض بهم وواجهوا الإمام علي عليه السلام وطلبوا دم علي (عليه السلام) في جملة ما يطلبون، فلما كان جهاد هؤلاء ـ الناكثين والقاسطين والمارقين ـ أمراً تقتضيه كل المعايير والموازين والمقاييس، ويقضي به الوجدان، كان لابد لعلي بن أبي طالب عليه السلام من أنصار وأعوان في هذه الحرب لكي يستطيع مواجهتهم وردعهم وتحذير الناس منهم ومن فتنتهم، ولكنه لم يكن يستكره أحداً من هؤلاء الأنصار على جهاد وقتال، ولم يكن يجبر أي أحداً لا من قريب ولا من بعيد لكي يلتحق به للجهاد، بما لديه من حق الولاية وبما لديه من قوة السلطان على ان يثبتوا إلى جانبه في محاربة الناكثين والقاسطين والمارقين.
ولم يلجأ إلى أساليب القهر بمختلف ألوانه، لأن هذا الأسلوب منافي لنظرة الإمام علي عليه السلام إلى الحرية وشروطها، انما كان (عليه السلام) يتوجه إلى عقول الناس بمنطق العقل والبرهان والحجة.
فكانت سيرة الأمير علي عليه السلام نبرأساً للأجيال وأملاً للمظلومين والمستضعفين وكبحاً لجماح المستكبرين والطغاة والمجرمين فكان لا يفضل غنياً على فقير ولا أبيض على أسود ولا عربياً على غيره.
إذن ان مفهوم الحرية الذي يستبطن الإستقلالية في كل شيء يقابله مفهوم العبودية والرضوخ لكل أمر لا يملك الإنسان فيه حرية الاختيار فالإنسان الحر هو الذي يملك أمره في أحقية اختيار الفكر أو الخط السياسي وما إليه مما يرتبط بشؤونه الحياتية وهذه الحرية نابعة من خلال رفضه للإستعباد والاكراه وما شاكلهما مما ينطلق به الظلمة الأقوياء ليفرضوا على الضعفاء والبسطاء ما يريدون من خلال ممارسة الضغوط والقسوة والظلم.
إذا أردنا أن نغيّر ملامح العراق المأساوية والحقبة الزمنية التي مر بها في فترة الحكم الاستبدادي ونوجد واقعا جديدا مفعما بالأمل والسعادة والاستقرار فلابد أن نغير الخطوط والمناهج والقواعد التي رسمها الاستبداد والحزب الواحد الذي حكم العراق لعدة سنين، فلابد ان نرسم خطوطا وقواعد وضوابط واقعية تعتمد على مبدأ الحرية والتعددية والمساواة وحكم الأكثرية والحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم وحمايتهم من كل الأخطار، فإن للتغيير مقومات ينبغي مراعاتها.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب