|
احمد الحسني البغدادي قالوا : هل يمكن شد الحادث المسبوق بـ ((العدم المشمول بالزمان)) الذي له بداية، كما سيكون له نهاية، فهو لم يكن، ثم كان ثم لا يكون بـ ((المبدأ القديم)) الذي ينزه عن الحدوث لا بداية له، ولا نهاية .. أنه أبدي أزلي .. إذن .. فالعوالم مهما كانت، أو تكون .. مادية أم مجردة .. كلها ممكنة، أي : مستحدثة سبقها العدم الازلي، وأرتبطت في حلقاتها المتسلسلة بالمعلول الواحد القديم، وليس هذا الا من قبيل فصل المعلول عن العلة .. وقد تقرر أن المعلول لا ينفصل عن العلة ؛ بل عند وجودها، وبعدمها ينعدم مباشرة . إضافة إلى ذلك .. لا يمكن التصريح بصحة التسلسل، لأن التسلسل الامتناهي الذي يصل بالنهاية إلى شاطيء العلة الاولى شريطة أن يسبقه العدم، وإلا لزم إنفصال المعلول عن علته . وهنا .. ينكشف التباين والتضاد .. فيجب وضع حل فلسفي في جدلية [1][5] الحادث بالقديم ؟!.. ونقول : يمكن حل هذه المشكلة الفلسفية المتشابكة التي عجز عن حلها الفلاسفة عبر القرون المتطاولة من منظور الحركة الجوهرية : أجل .. ان الذات والحقيقة في الاشياء والظواهر الطبيعية قد لا توجد على سبيل النهج التكاملي التام في لحظة، بل توجد بصورة تدريجية، وتستنفذ طاقاتها رويداً رويداً .. ومن ثم يحصل التغيير، وحسب مراحل التكامل الذاتي .. وهي في كسب جديد مستمر هو معنى حركتها ونموها في نفسها، ولهذا ـ كذلك ـ تقفز قفزة من شيء إلى آخر، وتصل في حلقات تكاملها من القوة إلى الفعل، ومن الارض السفلى إلى العرش الاعلى، وتصعد إلى حضيرة البناء الفوقي إن كان لها النجاح، أو تنزل إلى منحدر البناء التحتي ان كان لها السقوط . وقد تقرر أن عملية الاستكمال الذاتي لا يمكن أن يدرك الاعلى ضوء هذا المبدأ . وكذلك تتابع ظواهر متعددة يوجد كل ظاهرة منها بعد الظاهرة قبلها، وتعطي المجال العريض بزوالها الظاهرة ليست بقديمة، فلم يكن هذا إزدهاراً وعقلانية، ومن ثم لم يكن حركة، وانما شكل من أشكال التطور والتجدد بصورة مطلقة . إذن .. فمعنى الحركة في المفهوم الفلسفي : ((خروج الشيء من القوة إلى الفعل تدريجياً أو يسيراً)) ويتقرر هذا المعنى أن الحركة لم تكن في الحقيقة عبارة عن زوال الشيء زوالاً على وجه التعميم .. ووجود شيء آخر جديد، وانما هي في واقع الحقيقة تغيير وتجدد الشيء في مراحل الوجود . وعلى هذا يحتم أن تستوعب كل حركة على وجود واحد دائم عند أول إنطلاقة إلى أن تركد .. وهذا الوجود هو الذي يتحرك بصورة داخلية ذاتية، أي : على نحو التدرج والارتقاء في زمان قليل أو كثير وبشكل دائم .. وكل مرحلة تعبر عن مرتبة من مراتب ذلك الوجود الواحد، وهذه المراتب انما تخلق بالحركة، فالموضوع المتحرك لا يملكها قبل الحركة، والا لما وجدت حركة من الاساس .. بل هو في أول التحرك يتمثل لنا في قوى وطاقات، وبالحركة تستنفذ تلك القوى والطاقات، ويستبدل في كل مرتبة من مراتب حركة الامكان ((الواقع والقوة بالفعلية)) كما هو الحال في المادة المتغيرة التي تتغير بصورة حركية تدريجية قد لا نحس بها في ظاهر الامر والعيان ؛ بيد أنها حقيقة واقعية مستمرة تحدث للاشياء، فان الإنسان كذلك يتدرج في هذا التغيير حتى يبلغ نهايته، ويتلبس بالصورة الإنسانية ـ لا يعني وصل إلى الكمال الطموح، بل يستطيع السير نحو أعتاب العالم الفوقي .. حتى يصل إلى الكمال المطلق، فيغدو مخلوقاً عقلانياً، وخليفة الله في الارض، وواسطة فيض إلهي ــ بدءاً من البويضة إلى النطفة، ومروراً بالجنين إلى الطفل، ووصولاً إلى المراهقة ثم إلى الرجل السوي . إن هذا الكائن المتغير الحي في مرحلة مؤطرة من حركته هو نطفة بـ ((الفعل)) بيد أنه في ذات اللحظة أمر آخر، بل للنطفة، واحسن منها من ناحية الارتقاء فهو جنين بـ ((القوة)) . والمقصود من هذا كله : أن عنصر الحركة في هذا الكائن قد إرتبطت جدلياً فيها ((الفعل والقوة سواء بسواء)) فيما لو لم يكن في الكائن الحي قوة مرحلة جديدة وطاقاتها لما وجدت في الحقيقة حركة، ولو لم يكن أمراً من الامور بـ ((الفعل)) لكان لا وجود له من الاساس، ولا توجد حركة كذلك . فالتجدد والتغيير يتكون بإستمرار من أمر بـ ((الفعل)) وأمر بـ ((القوة)) . وهكذا دواليك تبقى وتدوم الحركة مادام الامر يحتوي على ((الفعلية والقوة سواء بسواء)) وعلى ((الوجود والامكان سواء بسواء)) فإذا استنفذ الامكان، ولم تبق في الامر طاقة فاعلة في مرحلة جديدة ماتت عناصر الحركة .. وهذا هو معنى : ((ان كل حادث زماني مسبوق بعدم زماني يحتوي على قوة الشيء ويحمل قابليته)) . وهذا هو ـ كذلك ـ معنى : ((خروج الشيء من القوة إلى الفعل، أو اتحادهما في الحركة))[1][6] . وهذا هو واقع الحركة في المفهوم الميتافيزيقي[1][7] .. التي تتوهم فيها المادية الديالكتيكية[1][8] .. بالتناقض الموجود المستمر في المحتوى الداخلي للأشياء . ومن خلال شرحنا عن نظرية الحركة العامة للتغيير بمفهومها العميق الدقيق .. إكتشفنا واقعاً حقيقة معنى الحركة الجوهرية . إذن .. لابد من القول ـ كذلك ـ بان المدارس الفلسفية حاولت في وضع الحلول لهذه المشكلة من خلال هيمنة الدورة الفلكية في الاشياء والظواهر الطبيعية .. وهم يجعلون حركة الافلاك واسطة الصلة الجدلية بين الحادث والقديم على هذا النحو : لكل حركة على نحو الشمول عنصران : عنصر الثبات : ولم يكن فيه أي تجدد وتطور .. ويطلقون عليه بـ ((الحركة التوسيطية))، وانها تجدد الطبيعة الفلكية، وبما أنها الجسم بين المبدأ أو المنتهى .. وهذا شيء ثابت يرسم الحركة القطعية، وبهذا الشكل يمكن اعتبار الحركة حالة بسيطة ثابتة لا إنقسام فيها .. وعلى سبيل الفرض : أن جسماً متحركاً ومتجدداً كان موجوداً منذ القدم وحتى الابد .. فالحركة بهذا الشكل أي : من القدم إلى الابد حالة واحدة ثابتة .. هذا ويمكن أن يكون معلولاً لعلة قديمة، ولا يلزم منه الانفصال . وعنصر التغيير : ويطلقون عليه بـ ((الحركة القطعية)) وهي عبارة عن قطعة ممتدة منها التي ترسمها الحركة التوسيطية، وبهذا المعنى يغدو موضوعاً متغيراً في كل اللحظات .. فهي ذهنية لا وجود لها في عالم الوجود، لعدم جواز إجتماع الاجزاء، أي : ما لم ينمحي جزء منه لا يوجد جزء آخر، وإلا كان قراراً وسكوناً، لا متغيراً ومتطوراً . ويبنون على هذا .. أن نقطة الثبات للحركة الفلكية بما أنها قوة دائمة بلا إنقطاع ـ منسوبة إلى العلة الأولى صادرة منها، ومن نقطة تبديلها تغدو واسطة لوجود الحوادث (العولم) وصلتها بالعلة الاولى القديمة . بيد أن صدر الدين الشيرازي (ت 1050هـ) لم ير ذلك حلاً جذرياً للأطروحة، بل يرى المشكلة لا زالت قائمة في هذه الاطروحة كذلك، لأن حقيقة المشكلة هي نسبة المتغير إلى القادة، وإنطلاق عنصر الحركة من الاشياء والظواهر الطبيعية الفلكية، وبرؤية إنسجام وملائمة ناموس العلة للمعلول، والإيمان بقرار الاشياء الطبيعية واستقرارها محال إنطلاق الحركة من الجوهر الفلكي القادة المستقر . ومن ثم .. يتجه في وضع الحل الفلسفي الهادف لهذه الاطروحة .. وهي على نهج الفلاسفة في الحل، بيد أنه على ضوء نظرية الحركة الجوهرية العامة[1][9] في الافلاك ..وعلى هذا الاساس فالحركة الجوهرية في خطوطها العريضة لها طريقتان متباينتان : 1 ــ قارة .. 2 ــ ومتطورة .. الطريقة القارة : هي الطابع الفعلي للجوهر الفلكي، وهي مثل العناصر : ((الجوهرية، والعرضية، والسطحية)) موجودة في عالم العلم الالهي .. ومطبوع بـ ((ذات العقول الكلية)) . والطريقة المتطورة : هي التي تتغير ذاتها وطابعها الجوهري الفلكي في جميع اللحظات، ومن ثم .. فالحركة بأعتبارها قارها وإستقرارها منسوب إلى العلة القديمة الاولى .. بأعتبارها تطورها وتغيرها عامل صلة جدلية بين الحادث والقديم . ولا تفرق هذه الطريقة عما راح اليه هؤلاء الفلاسفة ؛ بيد أنهم يستدلون في ذلك على الحركة الوضعية للأفلاك .. والشيرازي يستدل على ضوء الحركة الجوهرية العامة لها ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |