ســـــــــلفي في عباءة فيلسوف!!

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

كل إنسان هومتحيز، والإنسان لكونه جسما يشغل حيّزا من مكان ـ مجتمع ـ بيئة ـ محيط، فإنه شاء أم أبى سيتحز "مع مراعاة أن الناس يتفاوتون في هذا التحيز" إما إلى نفسه وشخصه وعائلته وقوميته وموروثه الديني التقليدي لأن الإنسان خلق محبا لذاته وسعيه إلى الترقية بهذه الذات ماديا ومعنويا هوالذي يتحكم في حركة التاريخ، وهدف الأديان كلها والسماوية منها تحديدا تهدف إلى انتزاع الإنسان من هذا التحيز "التعصب" والذي يزداد ويستشري كلما زادت عوامل الجهل والعزلة في بيئة الإنسان.

الإنسان الذي يستطيع تخفيف حس وشهوة "التحيز" وحب الذات في نفسه يمكنه أن يخطوبالمجتمع نحوالتطور والنظام الإنساني العادل، والقرآن والحديث المأثور يعج بذم المتعصبين والمقلدين وعبدة الأسلاف، وبقدر ما يدعو"السلفيون"!! إلى نبذ عبادة القبور والصروح الدينية فإنهم يتشبثون بنوع آخر من القبور الفكرية والطقوسية، إلى حد أنهم الآن يشنون الحرب العالمية على كل الحضارات الإنسانية ـ بما في ذلك التراث الإسلامي الذي خرج من العقيدة الإسلامية وارتد عنها حسب ابن تيمية وسيد قطب ـ وأن المعنى الكلي والشامل للدين إنما يرتبط بقبورهم الفكرية.

فالإسمية الواقعية (كما يطلق عليها المفكر التونسي أبويعرب المرزوقي هذه التسمية) هي سلبية بكل معنى الكلمة، فصحيح أن ابن تيمية نسف استخدام المنطق لدعم العقيدة الدينية والإيمان وأن ابن تيمية أكد على التعامل التجريبي المباشر نحوالعالم الحسي للخلوص إلى الفكرة اليقينية بشأن العالم المادي، إلا أن المنطق حين فكاكه عن الدين وسواء تم فك الارتباط بين الإيمان عبر المنطق الأفلاطوني والأرسطوطاليسي، فإن الدين بكل نصوصه المقدسة القرآن والتراث الروائي ـ الحديث وأفعال الصحابة ـ أبحت لقمة سائغة بأيدي المنهج السلفي الذي نقض المنطق كأداة للوصول إلى الحقيقة ثم قام باحتكار النص لنفسه.

إن الدين حين ارتباطه بالفلسفة هوكالجسم الذي يحتاج الغذاء والهواء لمواصلة نفسه ككائن حي، لكن حينما تم فكاك الدين من  المنطق والفلسفة المشائية والإشراقية الصوفية فإن هذا النص أصبح كتلة مادية مطاطة قابلة للتشكل وبأي صيغة رغب فيها الفقيه السلفي ومن يتبع نهجه، وهذه المطاطية سلبية لأنها مطاطية لا عقلانية بل هي عدوللعقل، وحينما تم التعامل مع التراث الديني ككتلة واحدة وأضيفت قدسية النص القرآني ـ كحروف وترتيب ـ إلى التفسير وتفاسير التفاسير والفتاوى الدمشقية والمصرية والمكية والرياضية، حدث توسع هائل في فكر اللا عقل واتهام كل محاولة عقلية لإصلاح الفكر الديني بأنها زندقة وكفر يجب مواجهتما بحد السيف، بل بكل أنواع الأسلحة.

فالفصل الذي حصل بين المنطق كأداة للتعامل مع الدين ـ على سلبيات المنطق التقليدي وسفسطاته ـ وجعله منهجا تجريبيا لا علاقة له بالحقيقة الدينية ليس بالأمر الإيجابي كما يعتقد المفكر التونسي أبويعرب المرزوقي في بحثه "إصلاح العقل في الفلسفة العربية من واقعية أرسطووأفلاطون إلى إسمية ابن تيمية وابن خلدون" ـ صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ـ لأن هذا كان أشبه بتسليم خروف سمين إلى ذئب، فلوكان الدين مجرد تجربة روحية ـ كما هوالحال مع المتصوفين والروحانيين السنة والشيعة ـ لكان من الهين والسهل الفصل بين استعمال المنطق وكل أدواته الاستدلالية وبين التجربة الروحية الدينية، وهذا الفصل كان بالفعل موجودا بين التجربة الذوقية الصوفية كشأن شخصي بحت والاستدلال المنطقي، لكن المنهج السلفي ـ الوهابية كما يسميهم خصومهم وأنا أصر على كلمة سلفي لأنهم بقدر ما يرونها "مدحا" بقدر ما أراها ذما لعبادتهم الأسلاف ـ هذا المنهج يحمل معه كما ضخما من النص التراثي الذي يُنتظر وضعه تحت المنطق ـ الحسي التجريبي أيضا ـ فالمختبر الممتاز لتجربة النصوص هووضعها في خضم التعامل اليومي الاجتماعي ودى السعادة والشقاء الذي يجلبهما للبشرية.

والدين الإسلامي ـ السني السلفي تحديدا دون السني الصوفي والمعتزلي ـ يختلف كليا عن التجارب اليهودية والمسيحية كون السلفية لا تعول على أي جانب روحي عدى كونه كمّا هائلا من المواعظ وعذابات القبور والطقوس، من هنا أيضا فقد خلص ابن تيمية أنصاره من كل نقد لاحتماءه بقدسية النص ولأن النص نفسه أصبح خارج التجارب والمنطق، مع أن الدين نفسه لا وجود له خارج الإنسان، فبدون الإنسان لا وجود للدين.

يتملص ابن تيمية من الحقيقة حين ينفي أن هناك تعارضا بين صريح المعقول وصريح المنقول، فما يعتبره المسلم من مذهب ومنهج معين "تطابقا" بين مقاصد الشريعة والمصلحة العقلية قد يراه مسلمون آخرون ـ بغضّ النظر عن الأديان الأخرى ـ لا عقلانيا ومتناقضا، ولا أدل على ذلك من تلك النصوص المقدسة لدى السلفيين الذين يأمرون بطاعة أولى الأمور والصلاة معهم وإن كانوا أفسق خلق الله، لولم يقم ابن تيمية باختطاف التراث والنص الديني لربما كان حال المسلمين غير هذه الحال، ولكن بدءا من الغزالي ومرورا بابن تيمية وانتهاءا بكل التجارب السلفية التي جلبت الأذى والشر والتخلف والتكفير على المنطقة، ننتهي بالقول أن السلفية تجلب معها الدمار حيث ما كانت وذهبت، والسيد أبويعرب المرزوقي مهما تفلسف وتمنطق فهو"سلفي في عباءة فيلسوف"!!.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com