علم الله تعالى بالأشياء
احمد الحسني البغدادي
alsaed_albaghdadi@yahoo.com
ان علم الله ـ جل جلاله ـ بـ ((الاشياء)) لا بد أن يكون بـ ((الاضافة الاشرافية)) .. أي أن كل الممكنات المستندة إليه حدوثاً وبقاءاً مفاضة من ذلك الفيض الألهي المقدس، وأمره الواحد التكويني .. بمعنى أنه ـ سبحانه ـ عالم بكل المخلوقات .. سواء أكانت على صعيد الذوات، او على صعيد المعاني، او على أي صعيد آخر ..
إذن .. فهو عالم بكل الموجودات، وبكل المستجدات بأسبابها ومسبباتها .. التي يعرفها العلماء المفكرون، فإن التصورات المطبوعة في ذهنية العلماء مخلوقة لواجب الوجود، فهو عالم بها بطريق أولى ..
لأن العلم له ممكن، وما أمكن في حقه واجب له .
ولأن الجهل نقص، والنقص عليه من رابع المستحيلات ..
ولأن هو حقيقة بسيطة مجردة محصنة، وكل مجرد عاقل لذاته وعلمه بذاته ..
ولأن هو معطي الكمال لا يكون فاقده .. أو أنه مجرد وكل مجرد عاقل بذاته، وذاته عين العلة لكل شيء من الاشياء .
ومن هنا .. قد ثبت أن العلم بالعلة ـ بكل فصائلها وروافدها وإعتباراتها وحيثياتها اللازمة لها ــ عين العلة بالمعلول، أي : أن علة الموضوع إذا غدت غير مستورة من لدن الذات .. شريطة أن تغدو غير مستورة ؛ لأن المعلول فصيل من فصائل العلة، وشكل من أشكاله، فالعلة بذاته ؛ إنما هو علمه بمخلوقاته ومعلوماته بلا إستثناء .
إن الموجودات القائمة على أساس التأطير التي هي الممكنات كلها منطوية تحت مظلة تلك الذات الواحدة المجردة، لأن بسيط الحقيقة كل الاشياء وليس بشيء منها .. وحيث أن ذاته غير مستورة من لدنه ..
إذن .. فكل الاشياء، والاحوال، والموازين، والتقادير .. بواقعيتها وذواتها وهوياتها .. غير خفية عنده تعالى، ومحيط بها .. إحاطة حقيقية جزئية وكلية، ومجردة ومادية، وبسيطة ومركبة .. ولم يكن علمه بالصورة حتى يفترق إلى مسارين : إجمالي وتفصيلي .. فإذا كانت الممكنات، بكل شرائحها، وبكل ذواتها منكشفة من لدن الله بوصفه المطلق على سبيل العلم الحضوري، وليس على سبيل العلم الحصولي ؛ لأن العلم الحضوري مقيد في إطار علم المجرد بذاته المقدسة، أو بمعلولاته .. وذلك لحضور حقيقة المجرد وذاته عند ذاته ؛ لأنه حقيقة نورية .. فلا تغيب ذاته عن ذاته المقدسة.
إذن .. فلا استحالة في أصل المسألة .. يغدو الكشف كشفاً تفصيلياً البته ؛ لأن معطي الشيء لا يمكن بحال أن يكون فاقد للشيء .. وهذا هو المقصود بأقواله سبحانه وتعالى وسنته الشريفة :
((يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور)) غافر /19 .
((ويعلم سرهم ونجواهم)) التوبة / 79 .
((ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها)) الانعام / 59 .
((الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الارحام وما تزداد)) الرعد / 8.
((والله يعلم ما تبدون وما تكتمون)) المائدة / 99 .
((والله يعلم ما في قلوبكم)) الاحزاب / 51 .
((والله بكل شيء عليم)) البقرة / 282 .
((وكان الله بكل شيء محيطا)) النساء / 125 .
((عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا أكبر الا في كتاب مبين)) السبأ / 4 .
((لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب اليه من حبل الوريد))
وقال سيد المتألهين الامام علي (ع) :
((لم يحلل في الاشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأعنها فيقال هو منها بائن، وتحجبه البطون عن الظهور، ولا يقطعه الظهور عن البطون، وانه بكل مكان، وفي كل حين وأوآن، ومع كل إنس وجان، ولم يقرب من الاشياء بالتصاق، ولم يبعد عنها باحتراق، ولا يخفى عليه من عباده شخوص لحظة، ولا كرور لفظة، ولا إزدلاف ربوة، ولا إنبساط خطوة في ليل داج، ولا غسق ساج يتفيأ عليه القمر المنير، ولا تعقبه الشمس ذات النور في الأفوال والكرور، وتقلب الازمنة والدهور، من إقبال ليل مقبل، وإدبار نهار مدبر، قبل كل غاية ومدة، وبعد كل حصاء وعدة)) .
وسئل الامام الصادق (ع) : أيعلم الله الشيء الذي لم يكن ان لو كان، كيف يكون، او لا يعلم الا ما يكون ؟..
قال (ع) :
((إن الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الاشياء .. قال عز وجل : (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعلمون) .. وقال لأهل النار (ولو ردوا لعادوا لما نوا عنه وانهم لكاذبون)، فقد علم الله عز وجل : أنه ردهم لما ردوا لما نهوا عنه .. وقال للملائكة لما قالوا : (اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟.. ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك .. قال : اني اعلم ما لا تعلمون) فلم يزل الله عز وجل علمه سابقاً للاشياء قديماً قبل أن يخلقها فتبارك ربنا وتعالى علواً كبيراً، خلق الاشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك لم يزل ربنا عليماً سميعاً بصيراً))[1][1][10] .
وسئل (ع) كذلك : عن الله تعالى .. اكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان، ام علمه عندما خلقه وبعدما خلقه ؟..
قال : ((تعالى الله، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه، كعلمه به بعدما كونه، وكذلك علمه بجميع الاشياء، كعلمه بالمكان))[1][1][11] .
وإذا حاولنا أن نفسر شمولية علم الباري تعالى بانه عالم منذ الازل بكل شيء من الاشياء والى أبد الابدين .. فهذا التفسير من أخطر الموضوعات الشائكة في المباحث الكلامية والاعتقادية ..
والحق يقال: ان إمضاء هذه المسألة على صعيد العقل في منتهى الاشكال .. وكيف كان ؟.. فنستدل بـ ((الحكم العقلي)) مضافاً على ما تقدم ؟..
1 ـ ان علم الله الازلي بكل الاشياء منذ القدم، وعلمه كذاته أزلي .. كما على ذلك كافة الموحدين من الفلاسفة والمتكلمين .. خلا هشام بن عمر القوطي (من المعتزلة)، والجهم بن صفوان (من المجبرة) .. فان هذا وذاك يزعمان من ناحية المبدأ أن العلم لا يتعلق بالمعدوم إطلاقاً، ولا يقع الا على موجود، وان واجب الوجود لو علم أزلاً وأبداً بكل الاشياء والاحوال والتقادير كلياتها وجزئياتها وقبل وقوعها وتكوينها لما حسن منه الجزاء، أو العقاب، او الثواب .
2 ـ ان عنصر العلم ذا مسارين لا ثالث لهما : أما في صميم إستكشاف الواقع .. أو ما يوجبه، شريطة له من رؤية بديهية .. فان صرحنا : ان الله عالم بكل شيء على صعيد أزلي شريطة أن نلتزم بوجود كل شيء في الموضوعات الخارجية، او الذهنية من وجهة أزلية .. مع أنه لا يلتزم بهذا الطرح أي باحث، وناقد، ومنظر .. فإن الممكنات أساساً غير موجودة من منطلق أزلي، والمبدأ الاول لا صفة ذهنية له حتى ترتسم فيه الصور، بل هو وجود مطلق .. هذا مع أن صورة الشيء لا تنبثق الا من إدراك الشيء، ولو بأي لون من الالوان، وهذا أول الكلام .. فاذن ليس من المعقول معنى أن الله عالم بكبل شيء على صعيد أزلي، فنكشف أن الاجتماع بين الامرين غير ممكن من منظور عقلي ..
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب