هل الخطأ الامريكي مع القوة يهزم الحق مع الضعف


د فيصل الفهد

fas_f2004@yahoo.com

أصبح ثقافة الغش والكذب سمات أساسيه في منهج الاداره الامريكيه وكل ذلك من اجل تسويق الحرب الكارثية على العراق وان الجزء الأكبر والاهم يذهب لخدمة شركات إنتاج السلاح والنفط حيث ثبت ان هاتين الجهتين اكبر وأكثر المستفيدين ماديا من احتلال العراق .

وتشير التقارير التي تناقشها لجان متخصصة في الكونكرس الأمريكي الى فداحة المشاكل والفساد الذي يعتري مؤسسات الاداره لاسيما تلك التي ترتبط مباشرة بالجهد العسكري في العراق وعلى سبيل المثال لا الحصر انفق البنتاغون 316 بليون دولار العام الماضي على شراء أسلحة متطورة لأن الكثير من الشركات تنتفع بصورة كبيرة من العقود التي تبرم للإبقاء على العمليات العسكرية في العراق دائرة وهو شيء في صالح الشركات الخاصة لاسيما وان الأموال التي تصرف على حرب العراق فلكية وخرافية

ان لقاء الإرادات ينتفع البعض منه من حرب أمريكا في العراق حيث تعشش هناك عمليات الغش والخداع والنصب ، وهناك تبذير لأموال دافعي الضرائب الأميركيين علما أن الصورة الكاملة لعمليات التبذير والغش يكتنفها الغموض رغم كثرة المقترحات التي أطلقتها جهات عديدة لمعالجة هذه الصورة القاتمة، إلا أن الكونغرس لم يقر هذه المقترحات لوقف عمليات النهب التي تتم، كما لاتتوافر حماية مناسبة لمن يتقدم للكشف عن عمليات السرقة او النصب الكثيرة حيث عادة ما يترك هؤلاء ليقفوا وحدهم في مواجهة الشركات العملاقة التي تمتلك القوه ألماليه والنفوذ.

ففي جلسة ترأسها السناتور بايرون دورغان، رئيس اللجنة السياسية للحزب الديمقراطي الأمريكي قبل فتره استمع الحاضرون، لشهادة اثنين من موظفي شركة (كي بي آر)، وهي جناح من شركة هالبرتون الأمريكية العملاقة، عن الفساد الذي ميز عمل الشركة في العراق.هذه هي الشركة المستحوذة علي اكبر العقود البالغ قيمتها 27 مليار دولار كمزود وحيد للخدمات للجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان، والتي حصلت في بداية شهر نيسان علي عقد إضافي قيمته 150 مليون دولار للعشر سنوات المقبلة هذه إذن صورة الخراب الحقيقي في أمريكا اليوم…

وأمام هذا الوضع الكارثي الذي تسببت به سياسة المحافظين الجدد في أمريكا تستمر فيه منافسات الحملات ألانتخابيه بين اوباما مرشح الحزب الديمقراطي وماكين مرشح الجمهوريين ونعيد هنا الى الذاكره تعليق جيمس كارفيل عندما فاز بيل كلينتون على جورج اتش دبليو بوش في انتخابات 1992عندما قال ( إنه الاقتصاد ) وكان بوش الاب قد بدأ في توليه منصبه بداية جديدة مثيرة للإعجاب بيد أنه لم ينجح قط في إدراك حقيقة الركود الاقتصادي وفي النهاية خسر أمام مرشح لم يكن معروف من قبل وبعد ستة عشر عاما وجدت زوجة كلينتون نفسها في نفس موقف بوش الأب.....هيلاري التي يدين آلاف من الديمقراطيين بحياتهم الوظيفية لزوجها ما جعلها تضمن في جيبها أصوات عشرات المندوبين البارزين حتى قبل أن يبدأ السباق الا أنها وعلى الرغم من ذلك فقد خسرت أمام منافس لم يكن أحد قد سمع باسمه قبل أربع سنوات صاحب بشرة سوداء ويحمل اسما لا يخدم موقفه : باراك حسين أوباما كما انه ليس عنده مال أو مندوبين مميزين او آلة سياسية! ومع ذلك فقد فاز أوباما.. ...فكيف انتقلت كلينتون من فوز شبه مؤكد الى الخسارة خلال ستة أشهر؟ لو ان كارفيل أدلى بتعليقه لكلينتون لقال : إنه العراق أيتها الغبية.

نعم العراق هو بيت الداء لأمريكا من جهات عدة ربما يكون أكثرها وضوحا ان موقف الناخبين الديمقراطيين من بدايته مناهض للحرب إلا ان هيلاري كانت قد صوتت عام 2002 مع استخدام القوة في العراق. وكان جون إدواردز قد فعل الشئ نفسه إلا أنه عاد في وقت لاحق وقدم الاعتذارات عن تصويته لصالح قرار الحرب. اما كلينتون فلم تزد عن جملة لا تمثل اعتذارا وصفت بها تصويتها أنه كان مجرد خطأ ارتكبته، ولم يكن أوباما في مجلس الشيوخ في عام 2002 إلا أنه نجح أن يكًون موقفا صحيحا حول العراق.

ومع مرور الوقت تبنت كلينتون موقفا معارضا بقوة للحرب ، إلا انها في نهاية 2007 راحت تذكر الجميع بانفعال أمام الجمهور في عدة مدن امريكيه : إذا كان الشيء الأهم لأي منكم هو ان يختار مرشحا لم يعط صوته لقرار 2002 الخاص بالعراق او شخص قال أن تصويته كان خطأ حينئذ سيكون هناك آخرون يمكن الاختيار من بينهم. وأدرك الناخبون في أنحاء البلاد التلميح الذي ترمي اليه. وخلال المؤتمر الحزبي الذي عقد في أيوا في يناير حصلت كلينتون على ثلث أصوات المندوبين فيما حصل أوباما الذي ينظر أليه على أنه صاحب موقف أكثر قوة في مناهضة الحرب على الثلثين الباقيين. واستمر الأمر على هذا المنوال. بل وحتى في كثير من الولايات التي فازت فيها كلينتون كان هناك عدد كبير نسبيا من الأصوات المعارضة لها.

أن مشكلة موقف كلينتون بخصوص العراق يعود الى أبعد من 2002 وإخفاقها في أن تتبرأ من صوتها المؤيد للحرب، فقد عمدت الى زيادة حدة انتقادها لسياسات بوش في العراق بشكل متدرج إلا أن المفارقة انه ومع مرور الوقت بات التشابه بين أسلوب حملتها الانتخابية وإستراتيجية بوش في العراق مثيرا للاستغراب والدهشة، فمثل بوش وحملته في العراق لم يكن لدى كلينتون خطة واضحة للمعركة الانتخابية أبعد من الأسابيع الأولى. ومثل بوش أيضا فقد اعتقدت أن فوزها أمر حتمي وأنها ستصعق منافسيها بالصدمة والترويع وسوف يستقبلها الناخبون الديمقراطيون كمحررة.

وكما حدث في العراق فقد فشلت الصدمة والترويع وفاز أوباما وكما انتشرت أعمال التمرد في العراق كالنار في الهشيم كان أوباما يركب موجة ساحقة من الدعم الشعبي لم تكن كلينتون قد أخذت استعدادها لذلك على الإطلاق.. وبحلول شهر حزيران كان أوباما قد كسب ميزة تعهد مندوبين لا تستطيع كلينتون ان تقضي عليها... الا ان رد فعل حملة هيلاري للأخبار السيئة للسباق جاءت متشابه لموقف إدارة بوش من الأخبار السيئة القادمة من العراق.

فقد جاء إخلاص الفريق العامل على حساب الإطلاع على حقيقة مجريات الأمور ومن ثم فقد بقي القائد بعيدا عن الحقائق الموجعة، وكان الرد على اقتراح تغيير الإستراتيجية بالرفض البات والاتهام بأن ذلك ضرب من السخف وليس ثمة داعي له فالفوز يتحقق، كما كان الرد على من قال أن الحقائق على أرض الواقع غير ملائمة بأن ذلك لا يمثل مشكلة ومن الممكن تجاهل ذلك او ربما تكون هناك فرصة بمحاولة اللجوء الى الزيادة الكبيرة بيد أنها جاءت قليلة للغاية وبعد فوات الأوان.

وعلى ذلك فقد أصر القائمون على حملة كلينتون ان المؤتمرات الحزبية يجب ألا توضع في الحسبان وأن كلينتون في الواقع هي الأكثر شعبية ولربما كان ذلك حقيقيا ولكن في أحلام كلينتون فقط. ناهيك عن ان حملة هيلاري كانت تفتقد التفكير القائم على الواقع ومن الامثله على ذلك وبينما كان أوباما يقترب كثيرا من الترشح كان تيري ماكوليف المتحدث باسم كلينتون يقدمها على أنها : الرئيس القادم للولايات المتحدة.

ربما كان ذلك بتأثير زوجها!! حيث اشتهر عن بيل كلينتون قوله أنه في أوقات التشكك وعدم التيقن فإن ( الخطأ مع القوة يهزم الحق مع الضعف ). غير أن هيلاري كلينتون ربما كانت تعرف أفضل. والديمقراطيون في وضع يمكنهم من الفوز مجددا بمقعد البيت الأبيض لأن عددا كبيرا من الأميركيين قد سئموا جورج دبليو بوش وتوجهه " الخطأ مع القوة ".

، فالخطأ مع القوة ترك امريكا في نهاية المطاف أكثر ضعفا لان الخطأ ما يزال خطأ ، وآلاف القتلى في العراق ما يزالون في عداد الموتى كما أن هيلاري كلينتون ليست مرشح الحزب الديمقراطي.

المواطن قد صدم, بلا شك, من الخلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يبدو وكأنهم يعيشون على كواكب منفصلة.

قدم المرشح الديمقراطي الوعود بالخروج من العراق, وطرح سياسات ضريبية تقدمية, ومشاريع للرعاية الصحية والعناية بالبيئة. وكانت هذه المواقف مفهومة فالجمهور يكره الحرب, والرأي العام يميل الى الاتجاه التقدمي.

لا ان ما يجري على الجانب الآخر كان يصعب فهمه, وهو المدى الذي ذهب اليه المرشح الجمهوري في الارتباط بالسياسات التي تفتقر الى الشعبية وبالرئيس الذي يفتقر هو الآخر الى الشعبية, ولم يقتصر الامر على ما اظهره ماكين من حماس متواصل لمتابعة الحرب في العراق انما تعداه الى دعم السياسيات الاقتصادية التي جاء بها الرئيس الحالي جورج بوش. هناك سياسيون يدعمون السياسة البوشية في شقها الاقتصادي؟ فالجمهور غير مرتاح لحالة الاقتصاد المتردي.... فما يدعى بازدهار بوش الاقتصادي لم يلامس اغلب الأمريكيين حيث اصاب الركود دخل العائلة المتوسط الذي صمم لمواجهة التضخم كما شهدت سنوات ولاية بوش ركود الدخل الحقيقي للعامل التقليدي. وفي هذه الاثناء, تفشى الشعور بانعدام الأمن الاجتماعي وتناقضت نسبة الأمريكيين الذين يتمتعون بالتأمين الصحي الذي تقدمه المؤسسات التي يعملون فيها.

ويبدو ان الامور تزداد سوءا مع اقتراب موعد الانتخابات, فعلى مدى سنوات كان الاقتصاد يوفر, على الاقل, فرص عمل بنسب معقولة, ولكن مع تفاقم ازمة المساكن والرهن العقاري فإن الخبراء باتوا يتوقعون ارتفاع نسبة البطالة.

ان المناخ السياسي والاقتصادي يحتم على المرشح الجمهوري ان يبحث عن طرق للنأي بنفسه عن السياسات الاقتصادية للادارة الحالية وعن سجلها غير المرضي وذلك عن طريق التعبير عن بعض القلق بشأن اتساع الهوة بين الدخل وضعف شبكة الامن الاجتماعي ومع ذلك يخرج ماكين عن طوره عندما يصر على سلوك ذات الطريق التي رسمها بوش وفي هذا ضربة قاصمه له ولحزبه الذي يعاني اساسا من النتائج الكارثيه التي تسبب بها بوش طيلة سبع سنوات من حكمه البغيض.

ان السبب الاساس وراء سيادة هذا النمط الفاشل في الحزب الجمهوري كون ان الذين يقودونه هم اتباع حركة محافظة لا تتسامح مع الذين يحيدون عن التعصب لخفض الضريبة ولجشع الاقتصاد الحر.وبغرض الالمام بالدرجة التي يخضع بها الجمهوريون لنفوذ الحركة المحافظة يمكن النظر الى اسلوب جون ماكين في تعامله مع القضايا التي تهم الراي العام الامريكي فماكين الذي عرف عنه شهرته كمتحدث صريح , معارضته لخفض الضريبة التي فرضها بوش عامي 2001 و ,2003 والتي قال عنها ماكين في حينها انها ضخمة جدا ومصممة لخدمة الاغنياء.

وتزداد مصداقية هذه الاعتراضات في الوقت الراهن اذ تواجه امريكا نفقات باهظة التكاليف "لا يتوانى ماكين عن دعمها" واذ يصل انعدام المساواة في الدخل الى ذروت،.لكن ماكين يقول الآن انه ينبغي ان يصبح خفض بوش للضريبة حالة دائمة, ولا يكتفي بذلك انما بات يدعو بحماس لاقتصاد الطرف المزود مدعيا بأن تخفيض الضرائب يزيد العوائد. وهو اعتقاد يقر الجميع بمن فيهم ساسة الادارة الحاليه بأنه غير صحيح وعندما يسأل ماكين عن سبب معارضته السابقة للخفض الضريبي الذي بات يؤيده فانه يقول ان عارض خفض بوش الضريبي لعدم وجود ما يوازنها من خفض في الإنفاق ولنتابع التغير الذي طرأ على موقف ماكين الذي يبدو انه يريد اعادة كتابة تاريخه الشخصي. فما حصل في واقع الامر هو انه هاجم تخفيض الضرائب الذي جاء به بوش من موقع اليسار لا اليمين. لكن رغبته الحالية في الفوز بتأييد اليمين المحافظ جعلته يقرر ان تزوير سجله الشخصي افضل من الاعتراف بأنه لم يكن دائما ذلك المحافظ العتيد الذي يشترطه الجمهوريون.

ان موقف ماكين هذا يكشف ان التعصب الحزبي المرير والاستقطاب السياسي الحاد لا نهاية قريبه لهما وان هنالك وهم ما زال واسع الانتشار بين جمهور الناخبين وهو ان البسطاء من النساء والرجال من كلا الحزبين يمكن ان يجتمعوا لوضع حلول ناجعة للمشاكل التي تعاني منها البلاد. الا ان ذلك غير ممكن على صعيد الواقع, في ظل الطبيعة الطاغية في الحزب الجمهوري التي حولت رجالا مثل ماكين الى ايديولوجي متشدد عدا ان الحزبين يبتعدان كثيرا في توجهاتهما لاسيما في القضايا الاقتصاديه., وفي الكثير من المجالات الاخرى, حيث لا توجد ارضية مشتركة بينهما.! فهل سيسهل هذا كله الطريق لاوباما ؟ 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com