تنازع الشعر الشعبي مدرستين،المدرسة التقليدية،والمدرسة التجديدية،ولكل من هاتين المدرستين سماتها الخاصة ولغتها وأخيلتها ومعانيها،اعتمدت الأولى منهما على المعاني السهلة الواضحة التي لا تحتاج إلى أجهاد الذهن في البحث عن المعنى،والسردية البعيدة عن التركيز على الصورة الشعرية،والمدرسة الحديثة التي أرسى دعائمها الشاعر الكبير مظفر النواب أواخر خمسينيات القرن الماضي،عندما نشر قصيدته الرائعة (للريل وحمد) التي أخذت صداها في عالم الشعر لما حوت من صور رائعة ومعاني سامية وأخيلة جميلة،مما دفع الكثيرين من الشعراء لمجاراتها والنسج على منوالها والكتابة على غرارها،وكانت البداية للخروج عن أوزان الشعر التقليدية التي كانت سائدة آنذاك،وقد أبدع الكثير من الشعراء لتحررهم من النمطية والرتابة التي عليها القصيدة التقليدية،لإمكانية التعددية في التفعيلات والقوافي،مما جعلهم ينطلقون بأجواء واسعة بعيدة عن القيود التي كانت تكبل الشعراء،وكان العصر الذهبي للقصيدة الشعبية وبرز الكثير من الشعراء المجيدين،الذين اعتمدوا الجديد فيما يكتبون من قصائد،وشكلوا معالم واضحة في مسيرة الشعر الشعبي الحديث.

ومن الشعراء الذين تأثروا بهذه المدرسة الشاعر محمد الصكر،الذي كان له حضوره المتميز منذ أواخر الستينيات حتى أواخر السبعينيات ،حيث أخذ يكتب لنفسه وأبتعد عن الأضواء وبعيد سقوط الصنم شارك الشاعر في مهرجان "يوم الشهيد " بقصيدة نالت الاستحسان ولكن ظروفه الصحية منعته من مواكبة مسيرة الشعر رغم أنه لا يزال يتميز بالقدرة على العطاء.

كتب الشعر في سن مبكرة،وتأثر بالشاعر شاكر السماوي الذي كان يرتبط به بعلاقة حميمة ،يوم كان الشعر ثورة وقضية،لذلك نلاحظ في قصائده التأثير الواضح للسماوي سواء في اختيار المفردة أو الصورة أو النفس الطويل في كتابة القصيدة،وقد شارك في جميع المهرجانات الشعرية حتى نهاية السبعينيات حيث أضطر للانقطاع بعد الهجمة الشرسة للبعث الفاشي أواخر السبعينيات عندما أصبح الشعر رقص على أشلاء الضحايا وحداء للقتلة والسفاكين،رغم محاولات السلطة آنذاك إقحامه في مناسباتها ليكون طبالا في جوقة الطبالين والراقصين،إلا أن تحججه بالمرض الذي أبتلى به جعله يحافظ على نقائه المبدئي وصفائه الشعري،فكان بعيدا عن الأضواء وجمعية الشعراء الشعبيين رغم أنه من روادها الأوائل والمشاركين في فعالياتها قبل النكسة المميتة التي أحاقت بالشعر والشعراء.

تميزت قصائده بالرمزية والصورة المتميزة بخلفيتها التي لا تتضح إلا بمعرفة خلفية الشاعر،ومعرفة الحدث الكامن ورائها،وعندما قام النظام بإعدام كوكبة من المناضلين بعد أن حفر لهم حفرة ودفن أجسادهم حتى منتصفها،ونفذ فيهم حكم الإعدام رميا بالرصاص،دون أن يحرك ذلك الآخرين للاعتراض على إعدامهم بسبب التحالف الجبهوي، رسم ذلك بصورة لا يمكن إدراكها إلا لمن يعرف القصد وحقيقة ما حدث،فكانت قصيدته الرائعة "صدك الجذب" التي قرأت في مهرجان للشعر الشعبي حضره الكثيرين من المسئولين آنذاك،لكنهم لم يدركوا المعنى الخفي للقصيدة،رغم أن الكثيرين ممن عاشوا الأحداث قد تلمسوا قصد الشاعر ومراميه،وهي نشيج صامت،وعتاب لآخرين:

على ياهي أفك كلبي..وأنه ألما علمت كلبي

يحن لو كصت وأدمنه

 

وعلى ياهي توجي أجدامي أبابك

 

وأنه الما بيني وبينك نزيزة ولا برد دمنه

والهب ريح(1) لو شم ريحة البارود يتعنه

ويرده هوه الشرجي يدور البيرغه حنه

وك شجاهه أتغيرت نياتها الوادم..

دفن للركبه والحالوب ما يفعل يكت مايه

ونواعي الليل كلها وشوغة الخنجر..

صهيل أباب الولايه

والملاكه كباحه وعين جسره ومامش أحجايه

وها بالك تورج الكاع وتحط للجرح كافور

وها بالك تسولف عالبنوا آشور

غمت رادوها..يل شوفك...

عثر بخيالك وشفت الفجر هندس

وكل منجل وأله حوبه...وكل حديثه(2) تشور

وخيعونك يمن شورت بالصبخة

أشجم كيظ وأحنه بلا شمس

أشجم يمته وباجر وأمس

وحتى الكصايب شيبن والجوري مات بهرشه

وتدري شبعد..بيه شبعد

بس ريحة الحنظل ونار الغرشه

يهنا يغياب السلف طير اليهاجر هم يرد العشه

واليكطع أجفوفه الوكت يبقه يتحرش حرشه

وغده بها العجيد بكاسر الديوان

وجماله يريدوني أرد لسوالف النسسيان

أسوي حروز للنسوان

ولك لو نشفن أشفافي..ونشف ريجي..

ولو كطعوا أجفوفي بخنجر مزنجر

وحك ألله أبد ما تشره أعيوني عله بيبانك..

ولو ظلت فرد بابك فلا دكها

وشكلهم لو دروا بيه

وأنه الماعلمت روحي تبيع وتشتري بالدم

يبو كلب الرعيع الخاف من الدم

وحك ميثم...وحك ميثم

تصل لمفارك الشيبات وتبسم

عليها وتضحك بوجهي

أشحلاتك يا عطش كلبي

على بيبانك يموت المستحه وتخضر الجلمه

على بيبانك يجي المطلوب شايل بالجفن دمه

وأنه أتنومس وأزامط بيك

وأكطع ليل المعسره بلا ذمه

يروحي تنومسي بيه

العمر لوما كضه شارات ما ريده ولا ريدن طواريه

ولك يا شوك الحديثات رد بيه

أريد أغفه على شيلتها وأريد أبجيلها أشويه

ولو ما علمتني أمي البواجي على العدل ذله

وحك ذلة كصايبها..لخلي الماي حد وحد

وصيرن ماي أغرجنك وأصل حدي

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com