احمد الحسني البغدادي

alsaed_albaghdadi@yahoo.com

توطئة

 ايماني بـ((التقية)) كعقيدة ما في ذلك ريب بيني، وبين تفكيري.. ولا موجب ان يكون موضع خلاف بيني، وبين قرآئي.

سيرى قارئي الكريم في هذه الاطروحة الجديدة امثال: خوف.‏. مؤامرة.. خيانة.. انهزام.. استسلام.. انتحار.. وقد يشعر انها كلمات لاتحمل التقييم الموضوعي، بل فيها التوهين بـ((التقية الشرعية)).

أقول صراحة لا يمكن بحال ان اعني: ((التقية)) التي شرعت من قبل مدرسة آل الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) التي هي:((ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له)) وانما اعني بذلك:((التقية المعاصرة)) التي استغلت من قبل بعض العلماء والوعاظ الذين هم اشد الناس عذابا وضياعا بوصفهم تحولوا إلى جبناء بلا كرامة، وبلا شرف!!.. والى حرس خاص للجبت والطاغوت، ولبلاهات المجتمع وتناقضاته الصارخة.

ان ايماني بعقيدة التقية لا وصف له، ولشدة اطمئناني إلى ايماني لم اخف من صياغة تعبيراتي التي قد تجيء مريرة وثائرة.

هذا.. تصحيح بسيط اسجله على نفسي كأحتياط.‏. ولا يخفى على قارئي اللبيب.

ولما وصل الامر إلى هذا الحد.. فمن الجدير ان اقول: لم يكن قصدي طرح هذه المسألة الفقهية بكل جوانبها المتشعبة، وانما اتعرض لها من جانب واحد، ومن خلال الاجابة عن هذا السؤال الرسالي الهادف.

لماذا.. والف لماذا.. الأخذ بـ((التقية))، ولصالح من في هذا العصر(1) وهي التي لا اثر لها في الساحة الشيعية الإسلامية.. وهي التي لا وجود لها بسبب الحرية المذهبية الاممية في الارض كل الارض؟!..

التشيع الأحمر

 قد نفكر عن اعتذار للشيعة الإمامية.

قد نقول بكل صراحة متناهية: ان طاغوتية الخلفاء أمويين كانوا، أم عباسيين.‏. كانا يوجبان عليهم الأخذ بالتقية.

قد نقول: ان الجهاد بمنطلقاته المختلفة يخنقه الخوف، والظروف اللاذاتية، واللاموضوعية.

قد نقول: ان جهاد الشيعة وكفاحهم الفكري والدامي قد قهرهما الخوف بأسم التقية.

بيد أن هذا الاعتذار بـ((الأمس)) مقبول من وجهة المدرسة المعصومية الإسلامية.

واليوم.‏.‏لا مكان له على صخرة الواقع بوصفه أصبح في خبر كان، وصار الشيعة جميعهم أحرارا.

ان رسالة الإنسان الشيعي المعاصر‏.‏.‏هي: أن يُعَلمَ الحرية.. أن يجسدها.. أن يساندها على خصومها الاشداء.

ان الحرية هي: مخاض الإنسان الشيعي.. هي: وجوده.. هي: عطاؤه الدؤوب.. هي: احدى عطاياه التأريخية الخالدة.

ان القول بان الشيعة كانوا بـ((الأمس)) يعيشون تحت مظلة الارهاب الفكري.. يعني القول بأنهم انهزاميون، ومسؤولون أمام التأريخ‏.‏.‏وانهم لم يتصدوا، ولم يصمدوا، ولم يمارسوا شيئا.

ان الواجب على الإنسان الشيعي أولا أن يعطي نفسه الحرية.. ثم يعطيها للاخرين، ان عجزه عن أن يكون حرا، هومعنى المصيبة الفادحة، وهومعنى الريبة المحرمة.

بأنه ارتكب اثما إذا لم يكن حرا.. وأنه ارتكب اثما عظيما إذا لم يستطع ان يكون حرا.

أنت ارتكبت اثما إذا قادك الطاغية، إذا لم تتصد لردعه، إذا سلمت له خوفا من ردعه.

ليس المطلوب من الإنسان الشيعي ان يجد الحرية فيرحب بها.. ان يجد الابواب مفتوحة أمامه على مصراعيها، فيسير متراخياً يتلوالاناشيد المريحة السعيدة في تمجيد الحرية وما فيها من قيم ودلالات عظيمة.

ان المطلوب منه دائما..  أن يصمد، أن يتصدى، أن يخاطر، ان يجاهد في سبيل ايجاد الحرية، أن يقود المعركة التأريخية الفاصلة ضد الطاغوت، وضد دعاة التقية الانهزامية، أن لا يبتكر المبررات الاخلاقية والعقيدية والتأريخية، لتجويز طغيان الطغاة، والخوف من الحرية الملتزمة.

ان الوعاظ والدعاة الذين يعلموننا التعبد بـ((التقية المعاصرة)) يسلبون منا الرؤية الجهادية، لأن الرؤية الجهادية ليست وجلا.‏. ان التقية لا تصنع فضيلة، وانما تصنع انهزاما واستسلاما، ولأن الأخذ بـ((التقية)) يسلبنا الفضيلة الفكرية والقيادية، يفرض علينا أن نطيع كل الاوامر، ان نطيع القوة، ان نطيع التقاليد والعادات والارباب والايديولوجيات المعروضة في الساحة الإسلامية والعالمية‏.‏.‏ يفرض علينا كذلك حالة من الارهاب والارهاق والبشاعة لا مثيل لها في كل ما وجد في الدنيا من خوف وعذاب واحزان.

ان التأديب بـ((التقية المعاصرة)) يصنع طواغيت سياسيين غاشمين قتلة إذا تمكنوا وارتفع السوط والعذاب والألم عن ظهورهم.‏.‏وعبيدا منافقين اقزاما إذا رأوا السوط مرفوعا.

ان هؤلاء الذين آمنوا بـ((التقية العاصرة)) التي أكل الدهر عليها وشرب.. انهم لم يقاوموا ظلما فاحشا، أوينصروا مثلا عظيما محفوفا بالمخاطر والآلآم.

ان دعاة((التقية المعاصرة)) ليسوا قوى مجاهدة، بل قوى مستغلة تبحث عن الربح والتوافق ما هوموجود، مهما كان هذا الشيء الموجود، وهذا السلوك، سلوك دعاة((التقية المعاصرة)) يرضي الطغاة ويتوافق مع خططهم الشريرة.

ان مساندة((التقية المعاصرة)) مؤامرة استكبارية.‏.‏انها خيانة.. انها ضد الصحوة الإسلامية..‏انها تتغذى بكل الجيف التي تقدم اليها .‏.‏انها لا تدرك فساد ما تسمع، أوتقرأ، كما لا تدرك تناقضه وزيفه.‏.‏انها لا تحاول ان تدرك، بل لا تريد ان تدرك، وتفر ممن يحاولون ان يجعلوها تدرك، بل تلقي نفسها تحت اقدام، الطاغوت والاوهام الديماغوجية المتعصبة بلا ذكاء، ولا كرامة.

ان خوف الطاغوت، وحب الحياة الفانية، ليرخص كل هوان وشقاء يقع في هذه الدنيا، أنه بقدر ما نخاف من الطاغوت نتراخى في مقاومة الاستكبار والكفر العالمي، كل شيء لا يعني شيئا، ان كل شيء لا يوجد في حساب من يضع في حسابه اساليب دفع الأذى عن نفسه، وفي حساب من يضع في حسابه الحياة المستقرة، ان كل شيء لا يوجد في حساب من ينادون بتطبيق ((التقية المعاصرة)).

 هل التقية مشروعة  ؟

قد تسأل:

هل التقية جائزة في التشريع الإسلامي..‏وهل هي: قاعدة إسلامية عامة تؤمن بها المدارس الإسلامية السائدة، واذا لم يوجد خلاف فيها..‏فلماذا -اذن - باتت من مختصات الإمامية حتى أن كثيراً من اقطاب أهل السنة والجماعة شنعوا على الإمامية، ونسبوهم إلى البدع والضلالة، ونعتوهم بالرياء والنفاق في سبيلها؟!..

ونجيب على ذلك:

مافي ذلك ريب لقد ورد تشريعها في القرآن، والسنة الصحيحة، واجماع الامة من مختلف الطوائف الإسلامية.

ففي القرآن:

{ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}(2)

{ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}(3)

{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}(4)

{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }(5)

وفي الحديث:

قال البخاري في صحيحه عن عائشة

((ان رجلا استأذن على رسول الله.

 فقال النبي: بئس ابن العشيرة، ثم أذن له، ولما دخل فألآن له القول، وبعد أن خرج، قالت عائشة للنبي:

 قلت في هذا الرجل ما قلت، ثم ألنت له القول؟!..

 فقال: ان شر الناس من يتركه الناس اتقاء فحشه))(6)

 وجاء في صحيح البخاري(7) في حديث ابي الدرداء:

 ((انا لنكشر-اي نبتسم - في وجوه قوم، وان قلوبنا تلعنهم))

 وهنالك حديثان متواتران من لدن المدرسة الإمامية والسنية يدلان بمقتضى الاطلاقات والعمومات على جواز الاخذ بـ((التقية)) مثل حديثي(8):

((رفع عن أمتي ما اضطروا اليه)).‏.((ولا ضرر ولا ضرار)).

 وقال الرازي والمراغي في تفسيرهما(9) وكثير غيرهم:

((ان مسيلمة الكذّاب أخذ رجلين من اصحاب رسول الله.

 فقال لأحدهما أتشهد اني رسول الله؟!.‏.

 قال: نعم.. فاطلقه.

 وقال للثاني: أتشهد اني رسول الله، فلم يشهد، فقتله.

 ولما بلغ رسول الله ذلك.‏. قال:

 أما المقتول فمضى على يقينه وصدقه فهنياً له.

 وأما الآخر، فقبل الرخصة، فلا تبعة عليه))

 وما ورد عن اهل بيت الرسول محمد(ص) في هذا الشأن الشيء الكثير‏.‏.‏منها:

((ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا من سفلة الرعية))(10)

((تسعة اعشار الدين في التقية، لا دين لمن لا تقية له))(11)

((التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله له))(12)

((عليكم بالتقية فانه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه لتكون سجيّة مع من يحذره))(13)

((من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله))(14)

((لا دين لمن لا ورع له، ولا ايمان لمن لا تقية له، ان اكرمكم عند الله اعملكم بالتقية.

 قيل ياابن رسول الله إلى متى؟.‏.‏

 قال(ص): قيام القائم، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا))(15)

((قلت لأبي جعفر: رجلان من اهل الكوفة أُخِذا، فقيل لهما: أبريا عن أمير المؤمنين(ع)، فبريء واحد منهما وأبى الاخر، فخلى سبيل الذي بريء، وقتل الاخر.

 فقال(ع): اما الذي بريء فرجل فقيه في دينه.. وأما الذي لم يبرء، فرجل تعجل إلى الجنة))(16)

 واستنادا إلى القرآن والسنة الصحيحة، نهض الاجماع بين السنة والشيعة على جواز التقية.

 قال الرازي:

((روى عوف عن الحسن أنه قال: التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة، وهذا القول أولى، لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان))(17)

 وقال الجصاص(ت 370 هـ):

((الا أن تتقوا منهم تقاة.‏.‏يعني ان تخافوا تلف النفس، أوبعض الاعضاء، فتتقوهم  باظهار المولاة من غير اعتقاد لها، وعليه الجمهور من اهل العلم، وقد حدثنا عبدالله بن محمد بن اسحاق المرزي عن الحسن بن أبي الربيع الجرجاني عن عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين} قال((لا يحل ان يتخذ كافرا وليا في دينه)) وقوله تعالى {الا أن تتقوا منهم تقاة} يقتضي جواز اظهار الكفر عند التقية، وهونظير قوله تعالى {من كفر بالله من بعد ايمانه الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان(18)

 وفي السيرة الحلبية جاء فيه:

((لما فتح رسول الله خيبر.‏. قال له الحجاج بن علاط: يا رسول الله أن لي بمكة مالا، وان لي بها أهلا، وانا أريد أن   اتيهم، فانا في حل ان انا نلت منك، وقلت شيئا،

 فأذن له رسول الله ان يقول ما يشاء))(19)

 وقال أبوحامد الغزالي(ت 505هـ):

((ان عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب))(20)

 وقال صاحب المنار عند تفسير قوله تعالى: الا أن تتقوا منهم تقاة:

((من نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك لا شارحا للكفر صدرا، ولا مستحبا للدنيا على الاخرة، ولا يكون كافرا بل يعذر، كما عذر عمار بن ياسر))(21)

 وقال الشيخ مصطفى الزرقا:

((التهديد بالقتل للاكراه على الكفر يبيح للشخص التظاهر به مع اطمئنان قلبه بالايمان))(22)

 وشجب الشاطبي الخوارج، اذ ذهب قائلا:

((انكارهم سورة يوسف من القرآن، وقولهم بان التقية لا تجوز في قول أوفعل على الاطلاق والعموم))(23)

وقال جلال الدين السيوطي:

((يجوز أكل الميتة في المخمصة، واساغة اللقمة في الخمر، والتلفظ بكلمة الكفر، ولوعم الحرام قطرا بحيث لا يوجد حلال الا نادرا فانه يجوز استعمال ما يحتاج اليه))(24)

هذي هي التقية في حقيقتها عند الشيعة والسنة وما هي بالشيء الجديد، ولا من البدع يأباها الشرع والعقل.. فقد تكلم عنها الفلاسفة، وعلماء الاخلاق قبل الإسلام وبعده، تكلموا عنها واطالوا، ولكن لا بعنوان التقية، بل بعنوان: الغاية تبرر الواسطة.‏. وتكلم عنها الفقهاء، وأهل التشريع في الشرق والغرب، بعنوان: هل يجوز التوصل إلى غاية مشروعة عن طريق غير مشروع، وبعنوان: المقاصد والوسائل.. وتكلم عنها علماء الاصول من السنة والشيعة بعنوان: تزاحم المهم والاهم، واتفقوا بكلمة واحدة على ان الاهم مقدم على المهم، ارتكابا لأقل الضررين، ودفعا لأشد المحذورين، وتقديما للراجح على المرجوح(25)

قبل ان ننتهي من هذا الفصل يحسن ان نختم ما طرحه جدي الإمام المجاهد السيد البغدادي(ت 1392 هـ) في خلاصة مسألة التقية من جميع الجهات، اذ كتب يقول:

((الكلام على التقية من جهات:

الأولى: في معناها وهوالتخفي بالامر سواء كان بكتمانه، ام باظهار خلافه.

الثانية: في أدلتها كتاباً، وسنة، واجماعاً منا معاشر الإمامية، بل ضرورة مذهبنا عليها وتفصيل ذلك يؤخذ من الكتب المبسوطة.

الثالثة: هي مشروعة مع الكفار، والمسلمين، والمؤمنين.

الرابعة: للتقية مع المخالفين أحكام خاصة من سقوط الفرض، وتوسعة الامتنان، ونحوهما.. مما بسط في الكتب الفقهية.

أما مع غيرهم، فليس لها شيء من ذلك، وغاية ما يثبت بها سقوط العقاب لقصور أدلة الضرر والحرج عما زاد عليه.

الخامسة: من طريقة العقلاء في كتمان أسرارها، والمجاملة، والمداراة.. وهكذا وجدها أمرا عقلائيا لا ينفك عنها أحد أصلا.

السادسة: اظهار خلاف الامر الديني، انما يجوز في موارد مخصوصة لا يجوز التجاوز عنها إلى غيرها..‏وللكلام عليها مقام آخر.

السابعة: التقية كسائر الموضوعات الخارجية، فالمكلف هوالذي يشخص موضوعها وموردها، فليس لأحد مضايقته بوجه أصلا، فقد يرى نفسه مبتلى بها، وقد يرى نفسه معافا عنها. نعم يعذر في خطأه في تطبيقه كسائر موارد خطأه مما رفع بحديث الرفع.

الثامنة: يختلف حكمها من حيث الاحكام الخمسة.. ولكل مقام غير مقام الآخر.

التاسعة: للمعصوم ومن يلحق به مخالفة التقية مع تشخيص موضوعها لما أشرنا اليه في كتابنا من اختصاصه بذلك أن له العمل بها، وفي كل ذلك أخذ بوظيفته، فانه يرى المصلحة المشروعة في حقه خرقا لها، أوعملا بها، فلا وجه لمضايقته بوجه أصلا، بعد ما كان معصوما.. فمن العجيب الاعتراض عليه بذلك، كل ذلك على خلاف طريقة الإمامية.

العاشرة: التقية مرة تكون عن اكراه، وأخرى تكون عن اضطرار، وثالثة تكون لتوسعة امتنانه.

الحادي عشر: تجوز التقية فيما يتعلق بنفسك وغيرك، بل في كل شيء، الا إذا كان العمل موجبا لإراقة الدماء، فانها شرعت لحفظها.

الثانية عشر: التقية مرة تكون من جهة المسؤول، واخرى من جهة السائل، وثالثة من جهة الحاضر، ورابعة من جهة النوع، وخامسة من جهة ما يعلمه الإمام اذ أن كثيرا ما يوقع الخلاف بين شيعته، لئلا يعرف الشيعي فيؤخذ.

الثالثة عشر: لا يجب الفرار عن مواردها أخذا بعموم أدلتها، بل لا ريب في ابتناء طريقنا عليها إلى زمن ظهورها.

الرابعة عشر: ربما يكون الحكم ظاهرا بديهيا لا تجري فيه التقية، كما في المتعة، والمسح على الخف، هذا وقد ذكرنا نبذاً متعلقة بها، فلا وجه لأعادتها))(26)

 نماذج من احكام التقية

واخيراً.. يأخذك العجب كل العجب حين تقع على كثير من آراء أهل السنة والجماعة القدامى منهم والجدد.. ينعتون التقية بالنفاق والرياء في حين يستكشف من النصوص القرآنية والحديثية انها قاعدة شرعية في استنباط الاحكام تستند عليها جميع المدارس الإسلامية: الزيدية والإمامية والسنية((من حنفية ومالكية وشافعية وحنبلية وأوزاعية وظاهرية)) ومن قبلها مدارس الصحابة فالتابعين فتابعي التابعين، بأستثناء بعض الخوارج.(27)

نقف.‏. هنا ونؤكد من وجهة إمامية:

ليس معنى التقية جمعية سرية غايتها تمزيق شمل الامة الإسلامية..

ليس معنى التقية أن تجعل احكام الشريعة العملية سراً من اسرار الباطنية..‏

ليس معنى التقية الركون للظلم وتبرير الاوضاع الطاغية الطاغوتية.‏.

ليس معنى التقية محاولة من محاولات التكيف بالظروف الانتهازية والازدواجية..

ليس معنى التقية أن يركن فقيه للجبت والطاغوت، ويحاول تقويته بالمخالفات الشرعية، فيحلل حراماً ويحرم حلالاً.‏. بحجة أن الضرورات تبيح المحضورات على اطلاقها، أوأن التقية ديني ودين آبائي.

قال استاذنا السيد الإمام القائد:

((اللهم الااذا لمسنا في دخوله مصلحة للاسلام، ولعامة المسلمين، كما عهدناه من المحقق، وعلي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي الذين عرفنا خطتهم عندما تعاونوا مع الطاغوت، ليحققوا المصلحة الكبرى للامة المسلمة)).

إذَنْ.. التقية محرمة فيما إذا علم بأن العمل بها‏يستهدف ازالة معالم أصول الدين، وظهور الباطل، وتأييد الطاغوت، إذا لم يعمل بها ترتب عليه الموت الاحمر، فالواجب هنا ترك العمل بها، وتقديم الشهادة في سبيل الله تعالى.

إذَنْ.‏. التقية يجب مخالفتها إذا كانت في حرب الجاسوسية، والاستكبار والكفر العالمي، والتسلل الاجنبي الغادر الشامل.

إذَنْ.‏. التقية تتصف بـ((الحرمة الذاتية)) فيما إذا أصدر الطاغوت أمراً بقتل نفس محترمة، فانه لا يسوغ تنفيذ أمره لما دلَّ(28) على أن التقية انما شرعت لحقن الدماء، فاذا بلغت التقية الدم، فلا تقية!!.‏.

إذَنْ.‏. التقية تسقط لوعلم بـ((الوسائل التجريبية، والمعايشة الميدانية)) بانه لا يتحقق سبيل الانبعاث الوحدوي والائتلاف الجبهوي وأمن من الضرر والأذى فلا موضوع حينئذ للأخذ بها اطلاقا.

إذَنْ.‏.‏التقية ليست وسيلة غادرة لكشف القواعد الايمانية العريضة إلى القيادات الجاهلية الطاغية لما دلَّ(29) على أن من استفتح نهاره بأذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد، وضيق المجالس.

إذَنْ.‏.‏التقية الجائزة منها، أوالواجبة لم تكن مخصوصة بأهل السنة والجماعة وحسب، بل تشمل الطواغيت كل الطواغيت في العالم، لما دلَّ(30) ان موردها العمومات، وحديثي رفع الاضطرار، ولا ضرر ولا ضرار.‏.‏ويشهد بذلك أبي بصير قال أبوعبدالله(ع):

((التقية من دين الله؟!.‏. قلت: من دين الله؟!.‏. قال(ع): أي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: {ايتها العير انكم لسارقون} والله ما كانوا سرقوا شيئا.‏.‏ولقد قال ابراهيم {اني سقيم} والله ماكان سقيماً))(31)

اذن.‏.‏التقية استراتيجية عمل جهادي في أيام الارهاب الفكري، والتصفية الجسدية، والحماقات الطاغوتية.

اذن.‏.‏التقية على صعيد الرخصة وليست على صعيد العزيمة.‏.‏ومعنى الرخصة أن يترك الخيار للانسان المسلم ان شاء عمل بالتقية، وان شاء لم يعمل بها.

وعليه.‏. فهي سلاح ذوحدين. احدهما سلبي والآخر ايجابي.‏.‏السلبي منهما هوالاساءة العظمى والكارثة الكبرى للإسلام بأسم الإسلام.‏.‏حينما تنطوي على المهادنة والإستسلام والجبن والانهزامية، وهي ما افترضنا على تسميته بـ(( التقية المعاصرة))

اما الايجابي منهما فهوحد السلاح الحاسم والفصل القاطع الذي يستعمله المجاهدون في مسيرتهم لأستئصال شأفة الكفر والضلال والانحراف والخيانة.‏.‏حيث لا يمر هذا الطريق الا من خلال حصاد الرؤوس العفنة، وهدم قلاع التآمر والجريمة والاستبداد والاستهتار.‏. ويكون هذا عن طريق رسم الاستراتيجية الحذرة الكتومة للعمل الجهادي السري، حذرا وتقية واستعدادا لمجابهة كل الاحتمالات، وربما الانتكاسات التي ترافق سير العمل الجهادي، على كل الصعد، ومجابهة طواغيت العصر، الذين تعجبهم اشد العجب عملية الجبن والتخاذل بأسم التقية.‏. بقدر ما يسوؤهم العمل بها كأستراتيجية للعمل السري تحت وطأة الظروف القاهرة لتزلزل الارض تحت اقدام المفسدين وترسل حمم براكينها المزنجرة على رؤوسهم العفنة، ومغرقة بطوفانها قطعان الفساد والرذيلة وتبرير الفساد والسكوت على الفساد بأسم التقية الشرعية؟!.‏.‏

 

 التقية المعاصرة

عزاء  وبكاء واستسلام

ان التقية كانت عند الشيعة الإمامية ما في ذلك ريب.‏. ‏واضطروا للأخذ بها اكثر من جميع المذاهب الإسلامية.‏.‏حيث كانت العصور الطاغية الطاغوتية البائدة تعمل لإبادتهم حينذاك(32) بشكل لا تتصورها مباديء حقوق الإنسان.

ومهما يكن.‏.‏لعن الله من أحوج الشيعة الإمامية اليها.‏. واليوم لا وجود لها، ولا موجب للأخذ بها فتوى وعملا من غير فرق بين أهل السنة والجماعة، والشيعة الإمامية.‏.‏وبعد أن ولى خطر المخاوف الطائفية الإرهابية بسبب الحرية المذهبية الاممية في الارض كل الارض.

ومهما يكن كذلك.‏. انكاري للأخذ بـ((التقية المعاصرة)) أصلاً، فلم انفرد به، بل قال به المحقق صاحب المصباح(ت 1322 هـ)، كما سبق وأشرت في هوامش المقدمة.

والذي يهمني من وراء هذا كله، هواننا ما زلنا نجد بقايا ضئيلة في بعض الأطراف المحسوبة على الشيعة الإمامية في رقعة الوطن الإسلامي الكبير تدعوا للأخذ بـ((التقية المعاصرة)) بلا مبرر شرعي وعقلائي.. وان هذه البقايا لم تكن متجهة كأتجاه السلف الصالح، وانما هي عناصر مشبوهة وفي أعماق المزايدات السوقية، والمساجلات الكلامية غايتها الغرور والآحادية وتبرير الممارسات الطاغية الطاغوتية اللامحدودة في الفكر والعمل.

سبحان الله!!.‏.

لقد ظلَّ((هؤلاء)) اقوى خصم للانعتاق، واغتصاب الحياة، والسعادة من الجماهير، وللقضاء على منقذها العظيم.

لقد ظلَّ((هؤلاء)) أقوى خصم لتهديد الانتصار، والنبوغ، والعبقرية.

أنه لا يوجد مثل:((هؤلاء)) كجهاز لنشر الهزيمة، والاستسلام، وعدم الثقة المتبادلة بين الامة.

أنه لا يوجد مثل((هؤلاء)) كمصداق قول الله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب اليم}(33)

بيد أن((هؤلاء)) ويا للأسف الاسيف نسوا، أوتناسوا: لقد بدأ العد التنازلي لأنتهاء((التقية المعاصرة)) بسبب الصحوة الإسلامية الاخيرة لتموت منتحرة بلا كرامة!.‏.‏فلا تجد لها عيناً، ولا أثراً، بل ولا تجد لها صورة مستترة من صور المتاجرة والمساومة.

لقد اقترب أجل((التقية المعاصرة))، لتنطفيء نيران جحيم الإنهزامية، ومخاوف البشر التأريخية.

عجباً.‏. هكذا ستنتهي وتُقْبر((التقية)) في هذا العصر!.‏.‏

لأنها إسكات للاحتجاج، والغضب، والثورة.

لأنها اسلوب فضيع من اساليب الهموم، والآلآم، والكبت، والحرمان.

لأنها انتحار للكرامة والكبرياء.

لأنها انتحار لحركة الإنسان المسلم، ولكل طموحاته الحضارية العظيمة.

لأنها تجريد للكائن من بندقيته المقاتلة أمام ظروفه اللاموضوعية.

لأنها لا تكون.‏.‏ الا تشاؤما من الحياة، وردة عنها، وطلاقا بائنا للمستقبل المنشود، وحينئذ يتيه الإنسان المستضعف في الطريق الكئيب المسدود بالمخاوف والاحزان، ويحترق كما يحترق النجم إذا ضلَّ طريقه.

وبعد هذا كله.‏.‏أذكر على سبيل المثال لا رغبة في التخصيص:

لقد كان السلف الصالح يأخذون بـ((التقية الشرعية)) لا للإستسلام، ولا للخنوع، بل كدرع حصين يحتمون به ليكسبوا الوقت المناسب، وينتظروا انكشاف الغمة عن هذه الامة.‏.‏وقد رأيناهم ينهضون ويقاتلون ويستشهدون في سبيل التوحيد والرسالة امثال: حجر بن عدي، وعمروبن الحمق، وميثم التمار الذين أبوا الأخذ بالتقية، وتجاهروا بالمعارضة الإسلامية، وسبّوا معاوية مقابلة لسب أمير المؤمنين علي(ع)، فكان ان قتلوا بل دفن أحدهم(وهوعبدالرحمن بن حسان) حياً.

وكذا بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي(ع) نهض التوابون حين استيقضت ضمائرهم وخرجوا لقتال بني أمية لا شيء الا للتكفير عن تقاعسهم عن نصرة نهضة الحسين(ع)، وكانوا يرددون الآية الكريمة، بمنطق الفكر الثوري:

{ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ}34)

بيد ان الجماهير، كل الجماهير تبحث وتتطلع بفارغ الصبر إلى من بيده المسمار الاخير ليقودها إلى دقه في نعش الشر المستطير والانحراف المرير الذي سببته لنا((التقية المعاصرة)).

نصوص حركية تشريعية

نواصل الدراسة بأستعراض عدة نصوص قرآنية وحديثية التي تتعلق بهؤلاء وهؤلاء الذين هم اشد الناس عذابا بوصفهم تحولوا إلى حرس خاص للطاغوت.‏. لكي تنكشف للقاريء الكريم الاهمية التربوية الثورية الهادفة.

القرآن الكريم:

1 - { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}(35)

2 - { فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}(36)

3 - { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}(37)

4 - { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى}(38)

5 - { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ }(39)

* ولزيادة الايضاح اقول: من الخطأ ان نفهم((الطاغوت)) أنه مفهوم سياسي فقط.‏. فان كلمة:((الطاغوت)) مبالغة من الطغيان، وهوالذي يطغى في البلاد، ويكثر فيها الفساد، هذا هوالطاغوت، وكل باطل، وكل معتد على حقوق الإنسان فهوطاغوت.‏. والمقصود منه هو: المعبود من دون الله تعالى.

6 - { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}(40)

7 - { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}(41)

8 - {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ}(42)

9 -{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}(43)

10 - { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(44)

السنة المعصومية:

النبي محمد (ص):

1- إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم، والقول فيهم، والوقيعة، وباهتوهم كيلا  يطمعوا في الفساد في الإسلام، ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدرجات في الاخرة(45)

2- لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض، ولا في السماء(46)

3- إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله(47)

4- ان الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا48)

5- وقال لأبي ذر(رض): يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون ما ادخلكم النار، وانما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم وتأديبكم؟! فيقولون انا كنا نأمركم بالخير، ولا نفعله(49)

6- ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر‏(50)

الإمام علي(ع):

7- ما أخذ الله على العلماء ان لا يُقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم(51)

8- من ترك انكار المنكر بقلبه ولسانه فهوميت بين الاحياء(52)

الإمام الحسين(ع):

9- واني لم أخرج أشرا، ولا بطرا، ولا مفسدا، ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي اريد ان امر بالمعروف، وانهي عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهوخير الحاكمين53)

الإمام السجاد(ع):

10- أيها المؤمنون مصيبتكم الطواغيت من أهل الدنيا، المائلون اليها، المفتونون بها، المقبلون عليها وعلى حطامها وهشيمها البائد غدا‏(54)

11- فقدموا أمر الله وطاعته، وطاعة من أوجب الله طاعته بين يدي الامور كلها، ولا تقدموا الامور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت، وفتنة زهرة الدنيا بين يدي امر الله وطاعته وطاعة اولي الامر منكم(55)

الإمام الباقر(ع):

12- ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر.‏.‏من قال: لا اله الا الله، فلن يلج ملكوت السماء حتى يتم قوله لعمل صالح، ولا دين لمن دان الله بطاعة الظالم..‏ثم قال: كل قوم الهاهم التكاثر حتى زاروا المقابر(56)

* هذا الحديث الباقري الثوري الهادف يستهدف الطاغوت السياسي والاقتصادي سواء بسواء.

13- يكون في آخر الزمان قوم ينبع فيهم قوم مراؤن، فينفرون وينسكون حدثاء سفهاء ولا يوجبون أمرا بالمعروف، ولا نهيا عن المنكر، الا إذا أمنوا الضرر يطلبون لانفسم الرخص والمعاذير - إلى ان قال: هنالك يتم غضب الله عليهم، فيعمهم بعقابه(57)

تنبيه هام :

هذا النص المعصومي محمول على فئة من الامة يدعون انهم من أهل الفقاهة الإسلامية، وليسوا بفقهاء بل متفقهين ولا معتقدين بفقيه رسالي ثوري في كل توجهاتهم وممارساتهم المختلفة. ويتزايد بي الالم المرير حين لمست بوضوح انهم يجعلون انفسهم من حواشي العلماء المتصدين، ومن ثم يوجهون العلماء المراجع كيف يشاؤون، ويتصرفون في قيادة المرجعية بما يريدون، ويطردون الاتقياء متى يرغبون، ويقربون قوى الثورة المضادة في كل وقت يحاولون، ويتظاهرون أزاء الامة انهم المصلحون المتدينون!!.‏.

ان هؤلاء وهؤلاء ينسبون إلى الدين ظلما، ويدرسون الدين دراسة وقلوبهم عنه بعيدة، ولا يأخذونه عقيدة رسالية، ولا يتقون الله، ولا يرهبونه، وانما يدرسونه ليتأولوا ويحتالوا.‏. ويوجهونه كيف يشاؤون في تلبية الرغبات والاطماع حيثما انكشف لهم ان هناك مصلحة ذاتية تنجز، وان هناك شيئا من اشياء هذه الدنيا يكسب.

ان المرجعية الإسلامية ستبقى تعاني المتاعب والويلات والانكسارات من هؤلاء الذين اتخذتهم قوى الثورة الرجعية المضادة مطية، وسبيلا للاستغلال، ووسيلة للهدم والتخريب بدلا من البناء والمسؤولية الرسالية التأريخية الهادفة.

ولقد عرفهم دعاة الإسلام - ولله الحمد - انهم لا يراعون شعور الغير في المبدأ والفكر والايمان‏.‏. وانهم لا يعرفون ان للحق فلسفة وتفكيرا وثورة.‏.‏وانهم يظلمون الشخصية الإسلامية، والحياة الفكرية، والقيادة الإسلامية.. ظلما فاحشا.‏.‏وانهم مزيفون لا متدينون.‏. وانهم مسوقون لاشباع بطونهم وكفى.‏.‏وانهم على عتبة الانهيار - وهذه هي الحقيقة - فكانوا مصداق قوله تعالى {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهوالد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}(58)

فمتى تعالج قيادة المرجعية الدينية مشكلة هؤلاء؟.‏. علاجا تشترك فيه الطلائع الإسلامية المؤمنة الواعية بـ((الواقع السيء)) باستئصال جذورهم، لأن بقاءهم مهلك لجسم الشخصية الإسلامية ومثلها العليا.

ان الحياة في طبيعتها ثورة.‏. ثورة على الظلم والظالمين.‏. ثورة على الخيانة والخائنين، ثورة على العبث والعابثين، ثورة على الاستغلال والمستغلين، ثورة على التدليس والمتدلسين، ثورة على التعصب والمتعصبين، ثورة عارمة على كل شيء.

من اجل هذه البرامج الرسالية كلها.‏.‏يبدأ الإمام موسى الكاظم(ع).. فيضع هذه القاعدة الثورية الحاسمة:

((قل الحق وان كان فيه هلاكك، فان فيه نجاتك‏.‏. ودع الباطل وان كان فيه نجاتك، فان فيه هلاكك))(59)

فاذن.‏. لا بد ان نثور.‏. بثورة رسالية قائدة على الصعيد التقدمي الإسلامي بمعناه الواسع والشامل.‏.‏فهذا هوالطريق الثوري الذي يصل بنا إلى الغاية التي نبتغيها قبل فوات الأوان.‏. وهذا هوالحل الوحيد الفريد حتى نثبت دعائم شخصية الحوزات العلمية الإسلامية في كل مكان، وجودها الاصيل، واهدافها الحقيقية.‏. وحتى نصنع لنا تأريخا رساليا حضاريا جديدا في العصر الحديث، والا فلا مستقبل لنا.

والحق يقال.‏.‏ستنفجر الثورة في هذا الزمان حقا.‏.‏ثورة تطوير الحوزات العلمية في النجف وغيرها عن قريب بسرعة الضوء لصياغة المعجزات التي ستسمح لطلاب المدارس العلمية مع تلاحم الامة الواعية بممارسة العمل الرسالي الثوري الحاسم لتنبه الشعب الإسلامي بان هؤلاء الحواشي إذا أنعزلوا عن توجيه قيادة المرجعية الإسلامية، والحياة الفكرية تتحقق امنيتها الكبرى لتغيير مسيرة الحياة الحوزوية تغييرا شاملا متكاملا جذريا في الصميم. في الوقت الذي نحن نعلم كل العلم ان هؤلاء مع الاسف المرير هم العقبة الكبرى في مسيرتنا الثورية الإسلامية.

فطالما يعتقد هؤلاء ان كل عمل، وان كل حركة تقدمية رسالية لا تلائم اتجاهاتهم اللاإسلامية انما هي من ضرب الخيال والابتعاد عن الحياة الفكرية والدفع والانطلاق وعن تقاليد الحوزات العلمية الرسالية، فكل محاولة ثورية نحاولها.‏. وكل تجربة جديدة نجربها، انما هي في احلامهم الخائبة مكتوب عليها الفشل المحتوم.

والشيء بالشيء يذكر نرى اليوم بأم أعيننا مرجعا دينيا اقليميا ظهر على الساحة النجفية يحاول بكل ثقله الاستراتيجي ترشيح أحد حواشيه لمنصب المرجعية الإمامية، بل فتح له رصيدا من الدولار الاصفر بلا حدود من ارزاق الكادحين والمحرومين!.‏. وهوبـ((الاجماع الحوزوي)) لم يكن مجتهدا مطلقا، بل ديكورا، بل كان يظن أنه تحكم في كل شيء، وأصبح قادرا على كل شيء.‏. لذا نراه ينفق في تبذير ويتلذذ في تبذير، وهولا يتقي غضب الله، ولا سخط المستضعفين، ويحسب أن أجله ممدود، وأن ليس وراءه حسيب، ولا رقيب.‏. وحتى نسى أن هنالك واجبا، وأن هنالك حراما، وأن هنالك موتا، وأن هنالك نشورا، وكانت نهاية طموح مخططه التضليلي، اذ أمات الله خليفته المرتقب فجاءة، وبلا علة، وفق مفهوم المداولة القرآني: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(60)

الإمام الصادق(ع):

14- من أحب بقاء الظالمين، فقد أحب ان يعصى الله(61)

15- في قول الله عز وجل:((وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ))

قال: هوالرجل يأتي السلطان، فيحب بقاءه إلى ان يدخل يده إلى كيسه فيعطيه(62)

16- وسئل _ عن الحديث الذي جاء عن النبي(ص): ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند امام جائر ما معناه؟!.‏.‏

قال(ع): هذا على ان يأمره بعد معرفته، وهومع ذلك يقبل منه، والا فلا(63)

17- لا تصحبوا أهل البدع، ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحد منهم

قال رسول الله ^: المرء على دين خليله وقرينه(64)

*((لوأن لي عدد هذه الشويهات(وكانت اربعين) لخرجت)) انظر: جواهر الكلام 21/ 397 ط: النجف

18- إذا كان يوم القيامة نادى مناد من المؤذون لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال هؤلاء الذين آذوا المؤمنين، ونصبوا لهم، وعادوهم، وعنفوهم في دينهم، ثم يأمر بهم إلى جهنم65)

19- لولا بني أمية وجدوا من يكتب لهم، ويجبى لهم الفيء، ويقاتل عنهم، ويشهد، جماعتهم لما سلبوا حقنا، ولوتركهم الناس، وما في ايدهم ما وجدوا شيئا الا ما وقع في أيدهم.

فقال الفتى: جعلت فداك: فهل لي مخرج منه.

قال: ان قلت تفعل.

قال: نعم

قال له: فاخرج جميع ما اكتسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت به، وانا أضمن لك على الله عز وجل الجنة.

قال: فاطرق الفتى رأسه طويلا.‏.‏ثم قال: قد فعلت جعلت فداك(66)

20- ايها الناس امروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا، ولم يباعدا رزقا(67)

21- ويل لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف، والنهي عن المنكر(68)

* ويبدومن هذا النص المعصومي ان ترك هذه الفريضة الواجبة من المخالفات الشرعية الكبيرة، لانه مما أوعد الله سبحانه وتعالى عليه النار، وكل ما كان بهذا الشكل فهو من الكبائر.

22- لقد استوحش المنصور من عدم زيارة الإمام الصادق(ع) له، فكتب اليه يقول:

لم لا تخشانا، كما يخشانا الناس.

فأجابه(ع):

ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندنا من أمر الاخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك، فما نصنع عندك.

فكتب اليه:

تصحبنا لتنصحنا

فأجابه(ع):

من اراد الدنيا لا ينصحك، ومن اراد الآخرة لا يصحبك69)

23- وقع الذباب على المنصور، فذبه عنه، فعاد فذبه عنه حتى أضجره، فدخل جعفر بن محمد _ على المنصور فقال له ياأبا عبدالله لِمَ خلق الله تعالى الذباب؟!‏.‏.‏

قال _: ليذل به الجبابرة(70)

الإمام الكاظم(ع):

24- حديث صفوان بن مهران الجمال معه(ع) دخلت عليه، فقال لي يا صفوان كل شيء منك حسن جميل خلا شيئاً واحداً.

قلت: جعلت فداك أي شيء؟!‏.‏.‏

قال: اكراؤك جمالك من هذا الرجل(يعني هارون).

قال: والله ما اكريته أشراً، ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولا اتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.

فقال لي: يا صفوان ايقع كراؤك عليهم؟.

قلت: نعم جُعِلتُ فداك

قال: فقال لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟

قلت: نعم.

قال: من أحب بقاءهم فهومنهم، ومن كان منهم، كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك هارون، فدعاني، فقال لي: يا صفوان بلغني انك بعت جمالك.

فقال: نعم

قال: ولم؟!‏.‏.

قلت: انا شيخ كبير، وان الغلمان لا يفون بالاعمال.

فقال: هيهات هيهات.‏.‏اني لأعلم من أشار عليك بهذا.‏. ‏اشار عليك بهذا موسى بن جعفر.

قلت مالي ولموسى بن جعفر.

فقال: دع هذا عنك، فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك(71)

* نستدل من خلال هذا النص الرسالي الثوري على مدى خوف الطاغية من موسى بن جعفر _ في تقويض نظامه اللااسلامي.‏.‏وفي سبيل ذلك نذكر عن الشيخ الصدوق( ت 381 هـ) عدة روايات(72) تدل على ذلك:

منها: عن يحيى بن خالد.‏.‏أنه قال: سمعت الرشيد يقول عند قبر رسول الله(ص) كالمخاطب له:

((بأبي أنت وأمي يارسول الله، اني اعتذر اليك من أمر عزمت عليه، واني اريد ان آخذ موسى بن جعفر فأحبسه، لأني خشيت ان يلقى بين امتك حربا تسفك فيها دمائهم))

قال يحيى بن خالد: وانا احسب انه سيأخذه غدا، فلما كان من الغد أرسل اليه الفضل بن الربيع، وهوقائم يصلي في مقام رسول الله(ص)، فامر بالقبض عليه وحبسه.

ومنها: عن الفضل انه قال: كنت احتجب للرشيد، فأقبل علي يوما غاضبا، وبيده سيف يقلبه فقال لي: يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتيني بابن عمي لآخذن الذي فيه عيناك.

فقلت: بمن اجيئك؟.‏.‏

فقال: بهذا الحجازي.

قلت: وأي الحجازي؟‏.‏.

قال: موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

قال: الفضل فخفت من الله عز وجل ان جئت به، ثم فكرت في النقمة، فقلت له: أفعل

فقال(يعني هارون): ائتني بسواطين وهبنازين وجلادين.

قال: فأتيته بذلك، ومضيت إلى منزل أبي ابراهيم موسى بن جعفر_.

ومنها: بسنده إلى الثوباني قال(في حديث ساقه): نظر هارون إلى الإمام(ع) وهوساجد، فسأل الربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه؟‏.‏.‏

قال: ما ذاك بثوب، وانما هوموسى بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال.

فقال هارون: أما أن هذا من رهبان بني هاشم.

قال الربيع: فمالك، فقد ضيقت عليه في الحبس.

فقال هارون: هيهات!‏.‏.‏لابد من ذلك.

ومنها: عن عمر بن وافد قال: ان هارون الرشيد لما ضاق صدره مما كان يظهر له من فضل موسى بن جعفر(ع)، وما كان يبلغه عنه من قول الشيعة بامامته واختلافهم في السر أليه بالليل والنهار خشية على نفسه وملكه، ففكر في قتله بالسم.‏.‏.

25- أنه قال(ع): لأبن عمه الحسين قتيل معركة فخ عندما ودعه: يا أبن عم انك مقتول، فأجد الضراب فان القوم فساق يظهرون ايمانا، ويضمرون نفاقا وشركا، وانا لله وانا اليه راجعون،وعند الله عزوجل احتسبكم من عصبة(73)

* يبدومن هذا الحديث الكاظمي.‏.‏انه أبدى تأييده للثورة بشكل غير صريح بوصفها وسيلة من وسائل الاعلام الرسالي الثوري في حرب الطاغوت، وتقويض نظامه السياسي الغاشم الغادر.

ولم يكن هذا الموقف الحذر منه، وقبله الائمة الاطهار’ تهرباً من المشاركة الفعلية التي خاضها الثوار الإسلاميون الاحرار على امتداد تأريخ الدولة الأموية والعباسية سواء بسواء، بل هي نتيجة فقدان القاعدة الايمانية العريضة، فلا يمكن بحال ان تغدوقاعدة انطلاق للتغيير والثورة، بل هي محكومة في نهاية المطاف بالهزيمة الساحقة والمخاوف الارهابية.

الإمام الرضا‏(ع):

26- رواه الحسن بن الحسين الانباري عنه(ع):

قال: كتبت اليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته اليه أذكر أني اخاف على خيط عنقي، وان السلطان يقول: انك رافضي ولسنا نشك في انك تركت العمل للسلطان للرفض.

فكتب الي أبوالحسن: فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك، فان كنت تعلم انك وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله(ص) ثم تصير اعوانك وكتابك أهل ملتك، فاذا صار اليك شيء وآسيت به فقراء المؤمنين حتى تكون واحداً منهم، كان ذا بذا.‏. والا فلا74)

* يستفاد من هذا النص المعصومي ان الأئمة الامناء(ع) لا يجيزون لأحد من انصارهم توظيف نفسه في خدمة المؤسسات الحكومية بوصفها تستهدف تأييدالطاغوت، ودعم سلطانه، والالتصاق بواقعه المنحرف، وجره إلى مهاوي التغطرس والاستكبار والظلم واغتصاب الاموال واستغلال الكادحين.. الااذا كان الهدف من المشاركة الدفاع عن الجماهير المستضعفة والمضطهدة المحرومة، ولأسترداد حقوقهم، ورفع مستواهم على ضوء تجسيد العدل، واحقاق الحق، وتركيز أسس قواعد القسط القرآني في المجتمع الإسلامي.‏. وعندئذ تكون المشاركة الفعلية ضرورة رسالية تأريخية ملحة.‏.‏كما لمسنا ذلك من علي بن يقطين.‏. في الوقت الذي حاول تقديم اقالته من منصبه اكثر من مرة لدى طاغية عصره هارون الرشيد، بيد ان الإمام الكاظم(ع) كان يحثه على البقاء والدوام في مسلكه الوظيفي لما يترتب على ذلك ما يمكن دفعه من المظالم، واصلاح ما يمكن اصلاحه من المفاسد التي يرتكبها المنحرفون عن الخط الإسلامي الصحيح.

وفي الحديث:((ان الله في ابواب الظلمة من نور الله به البرهان، ومكن له البلاء فيدفع بهم عن أوليائه، ويصلح بهم من أمور المسلمين، أولئك هم المؤمنون حقاً، أولئك منار الله في أرضه، أولئك نور الله في رعيته))(75)

27- من والى أعداء الله، فقد عادى اولياء الله، ومن عادى اولياء الله، فقد عادى الله، وحق على الله أن يدخله نار جهنم(76)

28- من أحب عاصيا فهوعاص، ومن أحب مطيعا فهومطيع، ومن أعان ظالما فهوظالم، ومن خذل ظالما فهوعادل، انه ليس بين الله وبين أحد قرابة، ولا تنال ولاية الله، الا بالطاعة77)

29- قال(ع) للمأمون وهويحدثه عن زيد بن علي الشهيد:((انه كان من علماء آل محمد(ع) غضب لله فجاهد اعدائه حتى قتل في سبيله.‏.‏ولقد حدثني ابي موسى بن جعفر انه سمع اباه جعفر بن محمد(ع) يقول: رحم الله عمي زيدا انه دعا إلى الرضا من آل محمد ولوظفر لوفى بما دعا اليه لقد استشارني في خروجه فقلت ان رضيت ان تكون المقتول المصلوب بالكناسة فشأنك: إلى ان قال: فقال الرضا(ع): ان زيد بن علي لم يدع ما ليس له بحق وانه كان اتقى الله من ذلك انه قال: ادعوكم إلى الرضا من آل محمد(ص))) انظر: الوسائل باب: 13 من ابواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 11

واخيراً.‏.‏نختم هذه الدراسة الفقهية النقدية بهذا الدعاء الرسالي الهادف:

.‏. اللهم صل على محمد وآل محمد، وعجل فرجهم والعن اعداء الحق والعدل والحرية والكلمة الملتزمة.

.‏. اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأقربائنا وأصدقائنا وجيراننا، ولمن له الحق علينا، ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان الذين أنالوا في الأدوار الخطيرة للأمة العزة والمنعة والامان.

.‏. اللهم ارفع درجات علمائنا القرآنيين، وفقهائنا المجاهدين، واساتذتنا الرساليين ووعاظنا العاملين.

.‏.‏ اللهم زد في درجات شهدائنا الذين رفعوا بدمائهم المتوهجة اعلاء كلمة التوحيد والرسالة في((بدر)) وفي((عاشوراء)) ونتمنى ان نكون على سيرتهم الاستشهادية عن قريب ان شاء الله تعالى، لأنا مؤمنون، ولأنا موقنون برحمتك يا أرحم الراحمين، فانك افضل من دعي، وأحسن من أجاب.

..‏اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة آمين يارب العالمين.

   أحمد الحسني البغدادي/النجف الاشرف 15شعبان 1414 هـ

ـــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) لم نجد بين الفقهاء الأعاظم تعرض لهذه المسألة إلا المحقق الهمداني(ت1322هـ) واختار شرعية العمل بالتقية في عصر دولتهم، وأيام قوتهم ونفوذهم السياسي والآن أصبحت في خبر كان ولله الحمد على ذلك. وحكي عن صاحب كتاب الحد الفاصل بين الدين والسياسة في صفحة 124 أن أستاذنا السيد الإمام(ت1409 هـ) صرَّح في هذا الشأن: قائلاً:((التقية كفر في الوضع الراهن))

 

(2) المصدر نفسه / سورة آل عمران / 28

(3) المصدر نفسه / سورة المؤمن /28

(4) المصدر نفسه / سورة النحل / 106

(5) المصدر نفسه / سورة فصلت / 34

(6) صحيح البخاري 38:8 كتاب الإكراه، باب المدارات مع الناس، سنن أبي داود 351:4 /4791 و4793 ورواه محدثو الشيعة  الإمامية كذلك باختلاف يسير كما في أصول الكافي 345:2/1 كتاب الإيمان والكفر باب: من يتقي شره.

(7) المصدر نفسه

(8) انظر: السنن الكبرى للبيهقي 69:6 و70 و457 و10:13 ومسند أحمد 313:1 وسنن ابن ماجة 784:2 في الأحاديث: 2340 و2341 و2342 والمعجم الكبير للطبراني 2: 81 و11: 302 وسنن الدار القطني 3: 77 ومستدرك للحاكم 48:2 وصحيح الزوائد للهيثمي 110:4 وكنز العمال 59:4 /9498 وحلية الأولياء 76:9 وتهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر 325:6 ونصب الراية للديلمي 384:4 و386 وإرواء العليل للألباني 411:3 ورواه الشيعة الإمامية في وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمد بن الحسن الحر العاملي باب: 25 من أبواب الأمر والنهي /وباب: 56 من أبواب جهاد  النفس / وباب: 5 من أبواب الشفعة / وباب: 7 و12 من أبواب أحياء الموات، ومن لايحضره الفقيه 4: 243 حديث 777.

9) أنظر: مفاتيح الغيب المعروف بـ(التفسير الكبير) محمد بن ضياء الدين بن عمر الرازي/ ج:2 / ص:450 /ط: الأولى 1308 / تفسير المراغي، أحمد مصطفى المراغي ج: 1 /ص133 / ط: الأولى: 1946م.

(10) الوسائل/ باب:24 من أبواب الأمر والنهي / حديث: 27.

(11) المصدر نفسه / باب: 24 من أبواب الأمر والنهي / حديث:2.

(12) المصدر نفسه / باب: 25 من أبواب الأمر والنهي / حديث:2.

(13) المصدر نفسه / باب:24 من أبواب الأمر والنهي/ حديث:28.

(14) المصدر نفسه  /باب:5 من أبواب صلاة الجماعة/ حديث:1

(15) المصدر نفسه  / باب: 24 من أبواب الأمر والنهي / حديث:25.

(16) المصدر نفسه  / باب:29 / حديث 4.

(17) التفسير الكبير / ج:2 ص:451.

(18) أحكام القرآن/ لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص الحنفي / ج:2 / ص:10 / ط:1347 هـ المصرية.

(19) السيرة الحلبية / ص:61 / ط: مصطفى محمد.

(20) احياء العلوم / لأبي حامد الغزالي / ج: /ص: /ط:

(21) تفسير المنار / رشيد رضا ج:1 /ص:  /ط:

(22) الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد /مادة:600 /ط:الأولى.

(23) الموافقات/ ج:4 /ص:180 /ط:الأولى.

(24) الأشباه والنظائر /ص:86.

(25) انظر: مجلة رسالة الإسلام القاهرية /المجموعة الثانية /العددان:53و54 /ص: 39 /ط:1963.

(26) التحصيل، الورقة: 688.

(27) وقد إضطرت الخوارج إلى الأخذ بالتقية بسبب تصميم الولاة على إبادتهم على بكرة أبيهم، وقد صرح الشهرستاني(ت548هـ) عن هذه الفكرة في أنقسام الخوارج، وذلك أن نافع بن الأزرق(ت65هـ) قد كان يكفر القاعدين عن الحرب وكان يقول:((التقية لاتحل، والقعود عن القتال كفر)). انظر الملل والنحل 1/192، فانصرف زعماء الخوارج واتباعهم إلى نجدة الحر، وكان نجدة يرى أن التقية جائزة، واحتج بقوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} فبين لنا التزاوج الواضح بين الظروف والتقية، وإسناد الإسلام لها... والشهرستاني إلى ذلك يعدد بدع الأزارقة أصحاب نافع المذكور، ويرى أن((التقية غير جائزة في قول ولاعمل)) المصدر نفسه 1/186 وغاصت التقية في أعماق الخوارج، حتى دار النقاش حولها(بعد نافع) بوصفها: هل تطبق في القول، أم في العمل، أوكليهما؟!..

قرآنا الضحاك وهو: رئيس فرقة من الخوارج وقتل سنة 128 هـ يرى: أنها تجوز في القول دون العمل  أنظر: المصدر نفسه 1/216 وكان أسلافهم النجدات يرونها:((جائزة في القول والعمل، وإن كان في قتل النفس)) المصدر نفسه 1/187.

(28) انظر: الوسائل/ باب:31 من أبواب الأمر والنهي /حديث:1و2.

(29) انظر: المصدر نفسه /باب: 24 من أبواب الأمر والنهي  حديث:1 ومابعده

(30) انظر المصدر نفسه /باب: 25 من أبواب الأمر والنهي. حديث: 4 /وباب:56 من أبواب جهاد النفس /وباب:5 من أبواب الشفعة /وباب:7و12 من أبواب أحياء الموات. وفي بعض النصوص(أهل الباطل) وهويعم لغير أهل السنة والجماعة انظر: الوسائل، باب:24 من أبواب الأمر والنهي /حديث:13.

(31) المصدر نفسه / باب:25 من أبواب الأمر والنهي /حديث:4.

(32) ولأجل أن تعرف الممارسات التعسفية الرهيبة تراجع بتوسع: كتاب: مقاتل الطالبيين، وبداية الجزء الثالث من شرح النهج، لابن أبي الحديد، ومنشأ أختلاف الأمة، لأحمد الحسني البغدادي.

(33) القرآن الكريم / سورة  البقرة /9و10.

(34) المصدر نفسه / سورة  البقرة /54.

(35) المصدر نفسه / سورة  البقرة /256.

(36) المصدر نفسه / سورة  النازعات /37-39.

(37) المصدر نفسه / سورة المؤمن /23-24.

(38) المصدر نفسه / سورة  العلق /6-7.

39) المصدر نفسه / سورة  النساء /76.

(40) المصدر نفسه / سورة  هود / 113.

(41) المصدر نفسه / سورة  المائدة 2.

(42) المصدر نفسه / سورة  آل عمران/ 196-198.

(43) المصدر نفسه / سورة  الأحزاب/ 58.

(44) المصدر نفسه / سورة  المائدة /44.

(45) الوسائل /باب: 39 من أبواب الأمر والنهي/ حديث: 1

(46) المصدر نفسه.

(47) المصدر نفسه /باب: 40 من أبواب الأمر والنهي / حديث:1

(48)

(49) الوسائل/ باب: 10 من أبواب الأمر والنهي /حديث: 12.

(50) المصدر نفسه /باب: 2/حديث:1

(51) المصدر نفسه /باب:  /حديث:

(52) المصدر نفسه /باب:3  / حديث:4

(53)

(54) آمالي المفيد /117.

(55)

(56) آمالي المفيد /109.

(57) الوسائل/ باب:2 من أبواب الأمر والنهي /حديث:6

58) القرآن الكريم/ سورة البقرة /204-205.

(59) الأختصاص/ لأبي عبدالله محمد بن محمد النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد(ت413 هـ) /ص:32 /ط: طهران 1379هـ.

(60) حق الإمام في فكر السيد البغدادي/ لأحمد الحسني البغدادي   66/ بيروت 1417 هـ.

(61) الوسائل / باب: 44 من أبواب مايكتسب /حديث: 5.

(62) المصدر نفسه /باب: 44/ حديث:1.

(63) المصدر نفسه /باب:2 من أبواب الأمر والنهي /حديث:1.

(64) المصدر نفسه /باب:38 /حديث:1.

(65) المصدر نفسه /باب:45 من أبواب العشرة / حديث:

(66) الكافي/ 104.

(67) الوسائل /باب: 1 من أبواب الأمر والنهي /حديث:24.

(68) المصدر نفسه /حديث:1

(69) بحار الأنوار/ محمد باقر المجلسي(ت1111هـ) 47/184 /ط: المطبعة الإسلامية 1385/ وانظر: الصادق / للمظفري 1/124 والإمام الصادق / لأحمد مغنية /ص157 /ط:بيروت 1956و/الإمام الصادق/ محمد ابوزهرة ص:139 /ط: دار الندوة الجديدة بيروت.

(70) علل الشرائع/ لأبي جعفر الصدوق(ت381هـ) 2/496/ ط: النجف 1385و/انظر: تذكرة الخواص/ لسبط بن الجوزي البغدادي / ص343 / ط النجف 1383 و/ الفصول المهمة/ لأبن الصباغ(ت855) ص:210 /ط النجف الثانية 1381 و/تذهيب الكمال/ لجمال الدين العزي(ت742) ص: 93/ ط بيروت 1405 و/ كشف الغمة /لأبي الحسن الأربيلي(ت693) 2/370/ط النجف الأشرف و/حلية الأحباب/ لأبي نعيم 3/198 ط:بلا تأريخ.

(71) الوسائل/ باب: 42من أبواب مايكتسب به /حديث:17/ وأنظر: رجال الكشي 267.

(72) عيون أخبار الرضا/ محمد بن علي بن الحسن بن بابويه/ ج:1 ص:73 ومابعدها /ط:الأولى.

(73) مقاتل الطالبيين /لأبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني(ت356هـ) /ص:298/ ط: بغداد 1979.

(74) الوسائل/ باب:48 من أبواب مايكتسب به /حديث:1

(75)

(76) الوسائل/ باب: 17 من أبواب الأمر والنهي/ حديث: 11.

(77) المصدر نفسه/ باب: 18 من أبواب الأمر والنهي: حديث 6.

(78) انظر: مذكرات مستر همفر الجاسوس البريطاني في البلاد الإسلامية، ترجمة: الدكتور ج.خ /ص:59 ومابعدها /ط 1973م. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com