المواكبة...!

 

د-مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

 تواكبي يا أمةً بعصرنا               وتفاعلي بعطائه المتجدد

لا تقعسي وتناهضي نحو العلى     وفاخري بشبابها المتوقدِ

في اللغة، واكبتهم مواكبة : سايرتهم . وناقة مواكبة : لا تستأخر عن الركاب. والمواكبة أن تكون في زمانك لا تستأخر عنه، وأن تعيش مظاهر عطاءاته وتبدلات علومه ومعارفه وجميع ثوراته التقنية والمعلوماتية.

وفي مفهوم الحياة التي نعاصرها، تكون المواكبة من أهم أركان التقدم وأكبر ميادينه التي تتنافس فيها الأمم والشعوب ومراكز البحوث والعقول التي صنعت التغيرات الكبرى فوق الأرض. فترى عجلة العطاءات الجديدة في دوران متسارع لا يعرف الإبطاء أو التوقف لبرهة قصيرة من الزمن. والعقول في نشاطها الدائب ليل نهار من أجل أن لا تخسر وقتا دون إضافة وسبق معرفي وإبداعي، يؤهلها لكي تتمكن من ناصية القيادة الأرضية والتحكم بدفة مسيرة الحياة عليها. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجد في بلدٍ متقدم، سلوكا يفضي إلى عدم المواكبة مع معطيات الإبداع المتنوعة, ولهذا يكون ما هو موجود من حولك قد انتقل إلى حالة الماضي لولادة ما يتفوق عليه بقدراته وتقنياته ومهاراته الإنجازية، التي توفر لك الوقت والإخراج ووفرة العطاء ونوعيته. وفي العالم المتقدم، هناك سعي فائق للتنقيب عن الأفكار من أجل تحويلها إلى حالات فاعلة ومؤثرة في سلوك البشر, فأصبحت الأفكار من أغلى ما يمكن الحصول عليه, لأنها هي التي تبني الحياة وتضفي عليها قدرة التفاعل المستقبلي المتميز الذي يحقق السبق الحضاري.

وعندما نعود إلى عالمنا المتأخر، نرى كيف لا نعرف كلمة المواكبة، لأننا ما أصبحنا جزء من الحياة، ولأن الحاضر مفقود في وعينا وسلوكنا والمستقبل أبعد من الخيال, وما نحن فيه عبارة عن نفق مظلم وطويل، بل ويزداد طولا كل يوم . فقد استلطفنا أن نكون في حالة الظلام ولا نريد أن نبصر في الضوء، لأننا نخشى مواجهة أنفسنا، فهي أمام متطلبات كثيرة تستوجب الجد والاجتهاد والسعي الخلاق لكي تحافظ على قدرات البقاء والنماء.

ومن هنا فأن الكثير من المصطلحات المتقدمة قد اختفت من قاموس وعينا وتفكيرنا وما بقيت عندنا إلا مفردات القنوط وعدم الاكتراث بالحياة وتحبيب الموت إلى النفس والسلوك الذي يعبر عن ذلك كل يوم. ويبدو أن للمفردات السلبية دور كبير وفعال في بناء السلوك السلبي في مجتمعاتنا. فلو فتشنا عن كلمة مواكبة في كتاباتنا على مدى العقود فأننا لن نجدها إلا فيما ندر, بينما مفردات العجز واليأس تسود وتغمر الصفحات أينما وجدت.

وعليه فلكي نتقدم ونتحقق, لا بد من التأكيد على المواكبة والتفاعل مع عصرنا بكل طاقاتنا من أجل أن نعرف ما يدور فيه ويتجدد في مياهه, ولكي نخرج من مياهنا الراكدة ونندفع بثقة ومهارة في تيار الحياة. فعندما نواكب، تكون مدارسنا قد تواصلت مع أحدث أساليب التعليم والتربية ومناهجها التي تطبق في العالم المتقدم. ومستشفياتنا ترتقي إلى مستوى الخدمات العلاجية والوقائية كما في أي بلد متقدم. وبمعنى آخر, فأننا عندما نواكب نحقق التقدم, وبدون مفهوم المواكبة ومنطق التفاعل المعاصر يكون من الصعب علينا أن نحافظ على وجودنا ونمضي في طريق البقاء والتواصل الحضاري.

فالمدرس المواكب، هو الذي يكون مطلعا ومتدربا على كل جديد في حقل اختصاصه وكذلك الطبيب والأستاذ في الجامعة، والإداري والعسكري وكل فرد من أفراد المجتمع يكون على اتصال دائب بما يستجد في ميدان اهتمامه وعمله. فما عادت الحياة سلوك جامد ودوران في حلقات مفرغة، فعندما يواكب كل منا، يمكننا أن نبني المجتمع الفاعل المتقدم الذي يمتلك مقومات المعاصرة والقوة العلمية والثقافية والاجتماعية.

وفي الختام، لتتساءل كل وزارة ومؤسسة ودائرة في مجتمعنا، هل أنها متواكبة مع عصرها أم أنها في حالة أخرى, وعندها فقط نتعلم معاني التقدم والارتقاء والمعاصرة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com