تأملات في الحياة السويدية، مايا نيبلوم تعمل وترقص وهي في الرابعة والتسعين

 

مثنى حميد مجيد

alsadizxc@hotmail.com

رائع وجميل هو فندق بالاس هوتيل في مدينة هولتسفريد من مقاطعة سمولاند وأروع ما فيه هو مديرته مايا نيبلوم التي تناهز الرابعة والتسعين من العمر والتي ظهرت في فيلم وثائقي عنها عرضته مؤخرآ القناة السويدية الثانية.

تقوم مايا بأداء كل الخدمات والأمور الهامة في الفندق فهي التي تحجز الغرف للزبائن من ضيوف الفندق مستخدمة جهاز التلفون الذي يرجع بموديله إلى ما قبل خمسينات القرن الماضي.وهي التي تعد الفطور وترتب أفرشة الأسرة وتنظف وتصبغ وتمسح زجاج النوافذ. يصورها الفلم وهي ترتقي بنشاط درجآ إلى نافذة مرتفعة في الطابق الثالث لتقف عند حافتها وتلتف بجسدها وبرشاقة إلى خارج النافذة لتنظف وتمسح زجاجها في حركة قد لا يجيدها حتى من هم في عمر الشباب.وترفض مايا أي مساعدة تقدم لها في عملها إذ تعتبر ذلك إطالة ومضيعة للوقت.ولمايا ضيف عزيز ومفضل تؤثره على كل زبائن الفندق يخفق قلبها له عند حضوره إلى الفندق بين فترة وأخرى هو ستيوارت الحبيب وغرفته المفضلة التي تشاركه المنام فيها هي رقم 14 وهي أفضل غرف الفندق.الفلم هو توثيق للحياة والموت والعشق والتوق والأمل أن لا شيء يعيقه الزمن أو يستدعي اليأس من التقدم في العمر وأن الحياة هي في العمل والإمتلاء بها وبمفرداتها اليومية.أجمل الأشياء عند مايا هي معانقة الاخرين وضمهم إلى صدرها وتقبيلهم .تقول ذلك بصراحة وبروح مفعمة بالدعابة والنكتة أمام أصدقائها من ضيوف الفندق المستغرقين في الضحك ـ لا بد من الحصول على أكبر عدد ممكن من القبل! وبقامتها القصيرة تطوق بذراعيها شابآ وسيمآ داكن الشعر قائلة له متغزلة معجبة ـ أنت طويل وشعرك مثلك طويل!

الفلم وهو من إعداد وإخراج أولريك بيلمان عبارة عن سيمفونية مفعمة بالفرح والتأمل والعمق الإنساني والإمتلاء بمعنى الوجود ولا يظهر طيف الموت إلا في نهاية الفلم كمعادل طبيعي وتكافؤي لطيف الحياة حين تروي مايا حضور ملاكين لها في حلم لم تألف مثله سابقآ ليحيطا بها من كتفيها.تقول متسائلة ـ ربما هما ملاكا الحياة والموت.

في 18 ـ مايو ـ2007 تحضر مايا حفلآ بهيجآ وتظهر متألقة ببدلتها الحمراء تراقص رجلآ في سنها وهي اللقطة الأخيرة من الفلم الوثائقي حيث يختتم الفلم بهذه العبارة ـ في اليوم التالي ، أي في 19 ـ مايو ـ 2007 توفيت مايا نيبلوم قبل أن تحتفل بعيد ميلادها الخامس والتسعين.
...

حالة مايا نيبلوم هل هي حالة إستثنائية في السويد ؟

أبدآ ، بل هي حالة شائعة إذ إن متوسط عمر النساء في السويد يبلغ 82 سنة في حين يبلغ متوسط عمر الرجال 78 سنة حسب إحصائية تعود إلى ما ينيف عن عشرة سنوات.ومن المألوف أن تشاهد في السويد نساء ورجال فوق السبعين يسوقون الدراجة الهوائية أو يسيرون بخفة تعجز عنها أنت المهاجر القادم من مناطق الحروب والأزمات والدكتاتوريات أو يرقصون وهم في الثمانين برشاقة وجمال وفن ولفترة طويلة دون أن يأخذهم التعب.

 لقد إستطاع النظام البرجوازي السويدي تطوير وتحسين نفسه كثيرآ بسبب نضال الطبقة العاملة السويدية أولآ وحيادية السويد وعدم مشاركتها في الحربين العالميتين .وقد إشتق نظام الحكم الديمقراطي الليبرالي السويدي ودمج في هيكليته أفضل ما في النظام الإشتراكي من أساليب وميزات مفيدة منها أسلوب الإدارة الديمقراطي حيث تطبق الدولة نظام الكومونات ذات الصلاحيات المؤثرة والإستقلالية النسبية والشبيه إلى حد ما بنظام السوفيتات والذي يتيح مراقبة شعبية مباشرة لأجهزة الدولة ومشاركة فيها الأمر الذي دفع إلى مساهمة أكثر ديمقراطية وشعبية في صياغة القوانين التي تنظم العمل وتفرض الضرائب وتنظم المؤسسات وبالتالي تحقيق مكاسب وإنجازات كبيرة للشعب السويدي وخاصة في مجالات العمل والأجور والخدمات العامة والرعاية الإجتماعية والضمان الإجتماعي والصحة والسكن والبيئة والثقافة والتعليم وحقوق المرأة والطفل.

مع ذلك ، وخاصة بعد إنتهاء الحرب الباردة وحل الإتحاد السوفيتي بدأت السويد تواجه صعوبات ومشاكل إقتصادية وإجتماعية تتمثل في إرتفاع نسب البطالة والإدمان والجرائم والعنصرية وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج والإرتفاع التدريجي في الأسعار وإلغاء أو حجب اعانات ودعم الدولة للعديد من الأنشطة الثقافية والإجتماعية وهي ميزة أخرى إشتقها النظام السويدي من النظام الإشتراكي.وسنة بعد أخرى وبسبب الإصطفاف الضمني للحزب الإشتراكي الديمقراطي مع أحزاب اليمين وتبنيه أسلوب تبادل الأدوار في السلطة مع الحزب الليبرالي الحاكم حاليآ مع كتلة اليمين وإبتعاده عن التحالف مع حزب اليسار تتعرض منجزات الطبقة العاملة والشعب السويدي عامة إلى إختبارات حقيقية من الإلتفاف عليها وتفريغها من المحتوى قد تؤدي إلى عودة قوى اليسار إلى الواجهة مرة ثانية في الإنتخابات القادمة بعد سنتين أو حتى إلى تبني اسلوب الإضراب عن العمل والتظاهر على المدى القريب.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com