الابتكارية...!

 

د-مراد الصوادقي

alsawadiqi@maktoob.com

ابتكر الشيء أي استولى على باكورته: أوله. وكل مَن بادر إلى شيء فقد أبكر إليه وابتكره. والابتكارية من الابتكار : الاختراع. وأيضا , ابتكر الشيء : اخترعه وابتدعه. وهي على وزن الإبداعية.

والابتكارية  أن يتمكن الفرد من الإتيان بأفكار جديدة وتحويلها إلى موجودات مادية فاعلة في الحياة تسمى المخترعات أو المبتكرات , وهي تشمل جميع نواحي الحياة ومجالات التفاعل فيها. وقد تعتمد على مفردات موجودة وأفكار منتشرة لكن يتم ربطها وإعادة تصنيعها في العقول من أجل أن تأتي بما لم يسبق له بمثيل. والأفكار البشرية لا حد لها , والعقل طاقة لا تعرف الحدود , بل أن أفقها يتمدد مثل الكون الشامل الذي هو جزء صغير فيه و لكنه فعال وممثل له.

كما أن الابتكارية تعني توفر العقول المنفتحة على جميع أنواع الأفكار وتكون مؤهلة للنظر فيها وتمثلها من أجل الخروج بفكرة أخرى جديدة ذات قدرة على المواصلة الأفضل. وهي تحتاج إلى مواظبة وإصرار وعزيمة وثقة بالنفس وإيمان بالقدرة على صناعة ما هو جدير ببذل الجهد. ويمكن للمبتكر أن يعشق الفكرة ويتواصل معها , ويمضي في الإمعان اليومي بها حتى يستولدها ما يريد.

وقد أمضت البشرية في رحلة الابتكارات الفردية قرونا عديدة فأنجبت الكثير من المبتكرين الذين ساهموا في زيادة المعارف والمخترعات ونقلوا الحياة قدما إلى الأمام, حتى جاء القرن العشرون فأدركت البشرية في بداية عقوده , أن تفاعل العقول يمكنه أن يأتي بمخترعات أوفر وأعظم دقة وقدرة على الحياة الأحسن. ولهذا دخلنا في عصر الابتكار الجماعي , الذي تتفاعل فيه عقول كثيرة للإتيان بالجديد من المبتكرات, مما حقق ثورة ابتكاريه فائقة, جعلت الزمن يتسارع بمعدلات لم تعرفها البشرية من قبل. فقد تمت إنجازات كبيرة في وقت قصير لم تتمكن الأجيال السابقة من معرفته. وقد ساهمت العقول الفضولية أو المحبة للاستطلاع والتي ترى أبعد مما يرى المعدل العام من البشر , في تحقيق المنجزات الفريدة ذات التأثير المباشر في حياة سكان الأرض.

بينما العالم المتأخر يكاد لا يعرف الابتكارية ولا يهتم في استثمارها وتطويرها وتحقيق المشاريع المفيدة منها. ويبقى في سلوكه وتفكيره معتمدا على الآخر وهو الدولة وما بعدها , ولا يمكنه أن يتيقن بالاعتماد على ذاته وتحقيق طموحاته وغاياته بجهده وجده واجتهاده. ويبقى مبهورا بالشركات وبالمعامل وما تنتجه في الدول المتقدمة عليه وما خطر على باله كيف تم تحقيق ذلك,  وهل أن الدولة هي التي أنشأت المعامل والشركات أم الأفراد؟

وقد يستغرب القارئ  أولا يصدق إذا عرف بأن معظم الشركات , إن لم تكن جميعها , عبارة عن أفكار فردية تم رعايتها وتطويرها من قبل أصحابها الذين وظفوا طاقاتهم الإبداعية فأنشئوا المصنع أو الشركة. ومعظمها قد بدأت بفكرة يعمل عليها صاحبها في بيته  ويتواصل حتى يجد نفسه قد أسس معملا أو شركة ذات دور اقتصادي مفيد.

وفي مجتمعاتنا هناك الآلاف من أصحاب الأفكار والابتكار والقابليات العالية على التصنيع , لكنهم لا يوظفون طاقاتهم ولا يتواصلون مع أفكارهم ولا يؤمنون بقدرات تطويرها وتحويلها إلى شركة أو معمل, بل تبقى نشاطاتهم في حدود الحصول على لقمة العيش وحسب.

ولو أن كلا منا التزم فكرة ما وغاص في أعماقها لاستخرجها جواهر إبداعية ذات قيمة حضارية كبيرة. وبتفاعل أفكارنا جميعها نتمكن من صناعة المعاني التي تميز وجودنا وتمنح الفخر والقدرة والكبرياء لأجيالنا. فعلينا أن نتساءل ونبحث عن الاحتمالات وننظر إلى كل شيء من حولنا بزاوية أخرى لكي نحقق الابتكارية المعاصرة واللازمة للحياة السليمة. ويكون الخيال أعظم فائدة وقدرة من المعرفة في موضوع الابتكار والإبداع. فالابتكارية هي وسيلة العقل لحل المشكلة , ولفقدان هذه المهارة في سلوكنا , فأننا نراكم مشاكلنا ولا نجتهد في إيجاد الحلول والمخارج السليمة منها. والابتكار الجماعي ثورة حضارية مارستها الشعوب والأمم التي تسيدت على مخترعات الأرض وصناعاتها وأصبحت تملأ الأسواق بمبتكراتها ومصنوعاتها. وهي التي حولت الصين من بلد زراعي فقير إلى قوة صناعية واقتصادية مهيمنة بثورة العلم والثقافة والابتكار الجماعي.  

فابتكروا ما يرتقي بعصرنا          ويلتقي بفكرنا وروحنا

وصمموا أفكارنا معالما               باقية تزهو بها أجيالنا

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com