|
علي والديمقراطية
سهيل أحمد بهجت لوكان الإمام علي أتيحت له الفرصة والمجال الكافي ولولم يكن تعرض لهجمة المنافقين والمتطرفين العروبيين الذين أزاحوه عن التصدي لقيادة الشعب، لكان وضع الإسلام والمسلمين مختلفا كليا عما نشهده الآن من تحول المنطقة الإسلامية إلى بؤرة لتجمع الأوبئة الفكرية والنفسية وساحة رحبة للمتطرفين الذين يُتقنون لغة الموت والقتل والإبادة واضطهاد المخالفين فكريا وعقائديا. قد لا يوافقني كثيرون الرأي لكنني مؤمن ومعتقد كليا بأن مبادئ الإسلام حسب المنهج الذي أقامه الإمام علي هو"إسلام ديمقراطي علماني" يتجاوز الدين والشريعة كأجسام جامدة لا روح فيها وينظر إلى الدين بمقدار دوره في إسعاد الإنسان وتحقيق مصلحته، من هنا كان علي بن أبي طالب يرفض سير الفتوحات والتفرقة بين رعاياه ـ المواطنون كما كان يتم تسميتهم آنذاك ـ فكان يعطي للمسلم والمسيحي والعربي وغير العربي المبلغ نفسه وحينما سألته امرأة عربية أن لا يساويها في العطاء مع امرأة من الموالي "أي غير العرب" مدّ عليٌّ يده ورفع حفنة من التراب وقال لها أنها إذا استطاعت أن تثبت أنها خلقت من تربة أخرى حينها فلتعد وتأخذ مبلغا أكبر، وطبعا خرجت العربية غاضبة. قال علي بن أبي طالب مخاطبا ربه: ما عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك ولكن لأنك أهل لذلك..". ليس من العجيب أن نجد هذا الرجل الكبير والعظيم في أفكاره وحياته البسيطة يؤسس لذات المبدأ الأخلاقي المتطور الذي رسخه فلاسفة الغرب العظماء من أمثال باروخ سبينوزا وعمانوئيل كانط وفولتير، ولا أريد هنا أن أكرر الفكرة الساذجة التي تؤرخ لكل شيء بمنظار الأسبقية والأولوية، فنكون نحن المسلمون السابقون إلى كذا وكذا، ببساطة كان علي رجلا ولد في غير زمانه وسبق عصره، فأن نحب الله لذاته ونعمل الخير لذات الخير كونه جميلا بذاته ونتجنب الشر لأنه قبيح قبحا عقليا ونفسيا، هذا المنهج لولم يُجابه بتلك العنجهية وذلك المسار الأموي الذي رأى في كل فكرة علوية عدوا لها، بالتأكيد كانت هذه الفكرة لتنبت ديمقراطية وتعددية ولهذا السبب نجد أن الشيعة والمعتزلة ـ وهم المعجبون بالمنهج العلوي ـ يقرون فلسفيا بأسبقية العقل على الشرع وأن الحسن والقبح ذاتيان في الأشياء. مرة أخرى نجد عليا يقول في كلمات سبق بها عصره: لا وطن مع فقر ولا غربة مع غنى.." هذا المبدأ العلوي الكبير الذي تجاوز نظرية المواطنة حتى في قمة مفهومها القومي الذي كان يعطي الأولوية للتراب والأرض وحتى للإنسان المتميز بصفات عنصرية معينة، تجاوزها إلى قمة عصر العولمة حينما بدأ الإنسان بذاته يتحول إلى قيمة مقدسة، من هنا كان وصفه الذي جعل الوطن يتلازم مع الغنى ـ والغنى هنا يتجاوز المال والثروة ليعمّ حتى الحياة الاجتماعية التي لا تحرمه أي من رغبات الإنسان المشروعة بدءا من الاستقرار الجنسي النفسي والسكن وما إلى ذلك ـ كما أن الوطن ينتفي وجوده بمجرد أن يتحول الإنسان إلى مخلوق عديم القيمة وتكون شعارات أخرى دينية وقومية وآيديولوجية هي مقياسا لكل شيء دون الإنسان. ومرة أخرى حينما يُعلمنا علي أن القرآن "حمّــال أوجه" وأن الإنسان يرتكب جريمة حينما يقوم بتفسير القرآن ليتطابق مع أنانيته ومصلحته لا مع حرية الإنسان وحقه في البحث والتفكير الحر، وإذا ما كان البعض فهم كلماته خطأ فنفى نسبتها إليه، فإنني أعتبر كلماته هذه اختصارا لكل الخلافات المذهبية الإسلامية والتي تشربت بالدم والحروب، فلونظرنا إلى القرآن على أنه كتاب يتعامل مع عقول وفهوم متعددة الأنواع والمستويات الثقافية والاستيعابية فمن الطبيعي إذا أن تتعدد معانيه. حقا أن المسلمين ـ سنة وشيعة ـ مقصرون تماما لأنهم لم يستطيعوا استخلاص فلسفة شاملة كاملة تقوم على مبدأ أن الإنسان هومحور الكون والقدسية وأن في هذا الفلك تدور كواكب الحرية والواقعية وقبول تعدد الرأي، وأعذرني أيها الرجل العظيم يا علي بن أبي طالب فلطالما تمنيت أن أخرج للناس كتابا يوصلهم إلى الحرية وكرامة الإنسان بفضل كلماتك الفلسفية التي تمثل الأساس الديمقراطي لدين شوهه الملتحون والمعممون.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |