نزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

تناثرت أوراق الثقافة العراقية على مدى أكثر من نصف قرن بين ثقافة الداخل وثقافة المهجر، وتأرجحت محاورها المختلفة بين ثراء وفقر، وبين علم واخر.

ومرت عقودها مغلفة بالدين وفلسفته تارة، وبالادب وتحزبه تارة اخرى، ولم تخل من بعض المتناثرات الاخرى المختلفة هنا وهناك.

(نــــزار حيدر) شهد المرحلتين من الثقافة وانتهى به المطاف الى ان يكون رئيساً لمركز الإعلام العراقي في واشنطن.

هذه الأيام حط رحاله في بغداد من جديد، ليكون رؤية عن الثقافة العراقية بكل جوانبها فما كان منا الا ان نضع اوراق الثقافة العراقية امامه ونحاول لملمتها وتوضيح     اتجاهاتها أمام المهتمين كي نتعرف عليها من خلال قلم بدا من الداخل ورحل الى المهجر.

س/ كيف تقرأ الواقع الثقافي الآن؟ لاسيما أنك تعود بعد هجرة دامت سنيناً طويلة؟

ج/ لاشك أن هناك حركة ثقافية جديدة في العراق (واقصد في داخل العراق وخارجه) ولعدة اسباب، اولها زوال سطوة السلطة التي كانت تعد انفاس الجميع حتى المثقفين وتتابعهم في داخل العراق وخارجه، وثانيها جو الحرية والتعددية التي يعيشها العراق الآن والذي يساعد على تنوع وتنمية الابداع العراقي، وأخيرا وسائل الثقافة وادواتها التي باتت مشاعة عند الجميع، وهذا شيء ايجابي، ولكن للأسف الشديد لازال هناك عدم اهتمام بالثقافة والمثقف.

وبرأيي، فان منظومة القيم والأفكار هي التي تحدد حياة الإنسان وبالتالي حياة المجتمع وثقافته، فالثقافة تمثل كل جوانب حياة المجتمع، ونحن نحتاج إلى ثقافة عملية أي ثقافة الحياة، من خلال الاجابة على السؤال؛ كيف نعيش؟.

س/ وما السبب في رأيكم؟

ج/ أيضا هناك عدة أسباب، منها أن كل شيء في العراق هو سياسي، والسياسة هنا طغت على فكر كل فرد والعملية السياسية اثرت على الجميع، فـ(جواد جميل) مثلا، والذي هو نفسه (حسن السنيد) عضو مجلس النواب و(جابر الجابري) الذي يشغل منصب وكيل وزارة الثقافة هما شاعران مبدعان قد انشغلا بالامور السياسية واصبحت الثقافة والادب شيئاً ثانوياً بالنسبة لهما، وهذه، برأيي، خسارة للحركة الثقافية العراقية، والشيء الآخر هو دخول وزارة الثقافة في المحاصصة وهي من المفترض ان تكون خارجها لانها راعية للثقافة ولا شان لها بالعملية السياسية  فمرة يتولاها شرطي واخرى إرهابي..الخ، لذلك فعلى الدولة العراقية ومجلس النواب اخراج وزارة الثقافة من المحاصصة السياسية.

س/ إذا، هل هناك مواصفات معينة لمن يتولى منصب وزير الثقافة ؟

ج/ نعم هناك شروط اساسية منها ان يكون مثقفا مبدعا يستطيع الاهتمام بالثقافة ويعرف قيمة المثقف.

س/ ولكنكم ضربتم مثالا قبل قليل بان السياسة طغت على ابداع المثقفين مثل جابر الجابري.

ج/ هنا يمكن تعويض ابداعه الشخصي بمساهمته في ابداعات المثقفين الاخرين وهذا اعم واشمل، فلا يمكن أن يتولى المنصب من لا يعرف الثقافة ولا يفهم ماهيتها وفلسفتها، ولا يعرف اهميتها في حياة الشعوب والامم، أو يكون متحيزا لثقافة فئة معينة فيتعصب لها متجاهلا الثقافات الاخرى.

س/ وماذا عن التخصص العلمي في الادارة والذي تعمل به الدول المتقدمة، كأن يكون مدير المؤسسة متخصصا بادارة مثيلاتها وليس شرطا ان يكون متخصصا بعلم عملها؟

ج/ لو كان الامر كذلك فانه يعوض بمستشارين مختصين ومهنيين يستطيعون موازنة الادارة تخصصا وعلما فالمثل يقول (قل لي من هم مستشاروك اقل لك من انت). والاداري الكفوء، من وزير او غيره، هو من لا يسمح للكتل السياسية بالتدخل في شؤون ادارته، طالما كان يخدم مجتمعا متعدد الثقافات والافكار والاتجاهات ومتفهما لهذا الواقع.

س/ لنخرج إلى خارج العراق قليلاً، هل يمكن ان نعرف ماهي ابرز سمات حركة الثقافة العراقية في المهجر؟وانا اقصد ماقبل 2003 وما بعدها؟.

ج/ استطيع القول بانه لا يوجد إبداع ثقافي حقيقي سوى ابداعاً ادبياً، لان الجميع عمل كمعارضة سياسية لاسقاط النظام السابق الذي كان يلاحق المثقفين اما بالتصفية او بشراء الذمم، ولهذا كان المثقف العراقي او المواطن العراقي بشكل عام، يضطر لنشر إبداعاته بأسماء مستعارة، مثل كنعان مكية الذي اضطر الى نشر كتابه باسم اخر.

والامر الاخر هو توقف الاشراقات الفكرية والثقافية منذ 1963 تقريباً.

س/ ولكن هناك حركة ادبية؟

ج/ نعم صحيح، ولكن حتى الابداع الادبي كان قليلاً نسبة الى الفترات السابقة.

س/ والمثقف في المهجر اين ابداعه؟.

ج/ إن تغير الظروف وعدم استقرار الوضع في العراق طيلة عقود اربعة او خمسة جعلت مثقفي الخارج خاصة والعراقيين هناك عامة ينشغلون بهموم اهليهم، اضافة الى المعاناة النفسية في الغربة، كما لابد أن نذكر بأن النظام قد شخصن الثقافة وعسكرها.

س/ إذا، كيف تقرأ ثقافة المهجر؟.

ج/ اتجاه الحركة الثقافية في المهجر هي نموذج مصغر للواقع العراقي في نفس الوضع، في العقول، وفي التوجهات والحوارات، ولكن هناك حركة وانطلاقة جديدة بدأت تظهر سواء في المقالات، الادب وحتى الفن المسرحي والتشكيلي وغيرها من الاتجاهات الفكرية، وان كان هناك من يحاول استغلال الانفتاح، ولكن بشكل عام توجد انطلاقة وان لم تتضح ملامحها كثيراً لحد الان، وان شاء الله ستشهد الحركة الثقافية في المهجر، خلال السنوات  الخمس القادمة، كحد أعلى، تطورا كبيرا وظهورا ملحوظا.

س/ ما الذي يجعلك تتوقع ذلك؟.

ج/ هناك حركة واضحة .. ندوات ثقافية وتراثية تعقد وتتحدث عن تاريخ العراق لان الأميركان، مثلا، لا يعرفون شيئا عن الحضارة العربية سوى الاهرامات والحضارة الفرعونية، واعتقد أنهم لو اطلعوا على الارث الحضاري العراقي فستتغير نظرتهم للعراق بكل تأكيد، علماً أن الاميركان، بشكل عام، لا يهتمون بالتاريخ لأنهم دولة حديثة.

ومن ناحية أخرى فان النظام السابق طوق العراق وحاول عزله عن العالم، فقبل 40 أو 50 سنة كانت هناك بحوث كثيرة عن العراق كتبت من خلال التواصل مع العراق، ولكن بعد القطيعة لا نجد ما يذكر من بحوث حول العراق وثقافته وحضارته.

س/ هذا يعني أن هناك جهودا تبذل في هذا المجال؟.

ج/ نعم فمثلا اقام الملحق الثقافي العراقي في اميركا د.(عبد الهادي الخليلي) أكثر من ندوة ثقافية في جامعة جورج تاون وغيرها عن العراق، وهناك اهتمام بدأ يعود بالحضارة والثقافة العراقية.

س/ الآن وبعد عودتك من المهجر كيف تقرأ الحركة الثقافية؟.

ج/ للأسف، مازالت الحكومة غير مهتمة بالثقافة، إذ لا زالت وزارة الثقافة مشلولة وغير فاعلة، باستثناء الجهود التي يبذلها السيد (جابر الجابري) وبحكم منصبه فهو يهتم بهذا الجانب وان كنت اظنها جهوداً شخصية، ولكن هناك امل، فقد وجدت إصرارا مميزاً من المثقفين من خلال تأسيس الدور والمؤسسات الثقافية وان كان تطورها بطيئاً، لكن المهم ان هناك تحرك واصرار.

س/ مركز الإعلام العراقي في اميركا..ما هو دوره في الحركة الثقافية العراقية؟.

ج/ المركز هو مؤسسة غير حكومية وغير نفعية ومستمر بجهود الاخوة المستقلين، وهو كان مشروع كبير هدفه يتلخص بفكرة مد جسر ذو اتجاهين (بغداد-واشنطن) من كافة النواحي، وهذا كان الطموح ولكن ما تحقق اقل من ذلك بكثير بسبب الامكانيات المتواضعة للمركز، ولكن من الناحية السياسية والاعلامية ومن بعدها الثقافية اتوقع اننا نجحنا إلى حد معين في نقل الواقع العراقي للاميركان، ومن ناحية اخرى فان العراقيين ايضا لايعرفون اميركا جيدا وهي، في حقيقة الأمر، تجربة إنسانية لا يمثلها بوش او الجندي الأميركي، بل هناك حركة علمية وفكرية وأكاديمية يساهم فيها عراقيون وبمختلف الاختصاصات.

س/ هل تعتقدون أن هناك سوء فهم بين الاميركيين والعراقيين لواقع احدهم للاخر؟.

ج/ المشكلة الحقيقية هي جهل الاميركان لواقعنا باعتبار الظرف العراقي الاستثنائي، فالاميركي يهتم بالمعرفة السياسية اكثر من اهتمامه بحضارة العراق.

تصوروا أن طبيبا أميركيا كان متعجبا جدا وهو يريني كيف انه اكتشف بأن أول من كتب الوصفة الطبية هم العراقيون القدماء.

س/ ولكن حتى الاهتمام بالاثار ليس بالمستوى المطلوب وخاصة بعد خروج بعض الاثار العراقية التي اعيد بناؤها في زمن النظام السابق والذي ادى الى خروجها من رعاية اليونسكو؟.

ج/ هذا سبب ضرراً كبيراً للحضارة العراقية، أضف إلى ذلك سرقة الاثار، فهذه اعمال تخفي بين طياتها وفي داخلها فترات معينة من الحضارة لان دلائلها مسروقة، وأتصور أن مهمة وزارة الآثار، وبالتنسيق مع المثقفين، هي أن تشن حملة للفت الانتباه لهذا الموضوع، وجعل الحكومة تسعى الى تشكيل لجان ميدانية متخصصة لتقدم تقارير وحلول لهذا الامر.

س/ شارع المتنبي..الخزين الكتبي للعراق..تم حرقه مما افقد الثقافة العراقية الكثير من المصادر..هل هناك توجهات من مثقفي المهجر لرفد المكتبة العراقية بما يمكن من المصادر؟.

ج/ نعم، هناك توجه لرفد العراق بالمصادر العلمية والأكاديمية، على وجه التحديد، وان كانت العملية بطيئة الى حد ما.

 ---------------------------------------------

* كاتبة واعلامية عراقية، تعمل في عدد من وسائل الاعلام العراقية والعربية

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com