أطفال العراق ثروة بشرية مهدورة(دعوة للتذكير بالطفل العراقي)
سناء صالح /هولندا
sanaelgerawy@hotmail.com
تواجه البلدان المتقدمة، وبشكل عام البلدان الأوربية مشكلة كبيرة وهي تزايد نسبة كبار السن قياسا الى الأطفال والشباب، وتسعى هذه الحكومات جاهدة الى تشجيع الأنجاب والى وضع الخطط لآحتواء هذه المشكلة التي ستكون أزمة حادة في السنوات المقبلة، في الوقت الذي لم تلتفت البلدان الأخرى الى النعمة التي تمتلكها والتي تفوق نعمة إمتلاك البترول والماس والذهب هذه الثروات التي لابد أن يأتي يوم فتنضب.
والعراق هو أحد البلدان التي تمتلك هذه الثروة البشرية والتي تتميز بكثرة الإنجاب لامن باب التفكير بحاجة الوطن الى بناة يشيدونه ويصنعون حضارته ويطورونه ليلحق بمصاف الدول المتحضرة بل أن الغالبية العظمى التي تتفشى بينها الأمية تؤمن بأن مامن أحد يبيت جائعا وبأن المولود يجلب رزقه معه وماهي إلا كسرة خبز تقيم أوده وخرقة يستر بها عورته والعراق أرض واسعة يمكن أن يسرح الطفل ويمرح والشوارع كفيلة بأن تربيه، دون التفكير والتخطيط لمستقبل الأطفال وتوفير أدنى المستلزمات للعيش الكريم، وقد كان للدكتاتور وحملته إبان حروبه قد فرض على العوائل زيادة النسل كي توفر وقودا لمحارقه ومجازفاته إرضاء لجنونه وتعطشه للسلطة فكانت النتيجة أيتاما ومعوقين ومرضى ومشوهين .
لو نقلب صفحة الماضي الذي ولى بكل مافيه من مآس وكوابيس لنحاكم الحاضر الذي كان مطمحنا أن يعيد بناء ماانهدم ويصلح مافسد ويبدأ بما يجب أن يبتدئ به وهو الطفل باعتباره البذرة التي يغرسها في أرض صالحة صحية يوفر لها الشمس والماء لتنمو شجرة وارفة الظلال تزدهي بخضرتها وبؤكلها ثمارا ناضجة، تتباهى بها تنقلنا خطوات بعيدة الى مستقبل مشرق تعوضنا عن عطش السنين السالفة.
إن كان الجهل والعوز يعيث بالأسرة فيحجب عنها الرؤية فالدولة منوطة بأن تفكر في الطفل الذي ولد قضاء وقدرا ترعاه وتحميه وتعوضه وهو ليس منة ومنحة من أصحاب السيادة والفخامة بل هو واجب فرضته عليهم اللوائح الدولية والدساتير.
بعد خمس سنوات ما الذي تغير!! لندخل ميدان التربية والتعليم على سبيل المثال باعتباره أساسا هاما في عملية بناء الإنسان الذي يعتمد عليه وتكوينه الذهني وتطويره !! مازالت المدارس متربة والتلاميذ منحشرون في الصف الواحد، الطاولات بائسة و الجدران مشققة، ساحة المدرسة جرداء، والمعلم الذي مازال يعاني شظف العيش ، وافتقار المعاهد المختصة للوسائل التي يمكنها أن تعد المعلم بشكل جيد ليضطلع بدوره في تحبيب المدرسة والعلم للطفل، والأهم من ذلك كله فلسفة التربية التي تستند عليها المؤسسة التربوية في العراق التي مازالت تقوم على أسس متخلفة عن روح العصر والتكنولوجيا الحديثة كذلك مفردات المنهج الدراسي والطريقة التي تقدم بها المعلومة الى الطفل وربط النظرية بالتطبيق واستخدام وسائل الإيضاح التي تحبب المواد المدرسية للطالب وتسهل الفهم بحيث يقبل الطفل على التعليم، وأحب أن أسوق مثالا حيا كنت قد شاهدته على إحدى القنوات وهي تعرض فيديو عن مدرسة( نموذجية ) في بغداد كنت متشوقة للمتابعة باعتباري مدرسة كان الدرس في مادة الرسم لأطفال لايتعدون الصف الثاني أو الثالث الابتدائي موضوع الرسم كان عن فصل الربيع, الصف كان أجردا, فوق السبورة وضع غصن لبلاب ذابل أو لعله (غصن زيتون )تركه أحد أفراد جيش المهدي وهو يلوذ بالفرار فالتقطته المدرسة لتزين به الصف أمام عدسة الكاميرا التلفزيونية .
المهم بدأت المعلمة الحصة بصوت جهوري على نسق واحد خال من التعبير بدأت حصتها بالسؤال عن فصل الربيع وعن الزهور والأشجار وتكاثر الحيوانات كل ذلك تلقي الأسئلة تباعا وشفويا ودون أية وسيلة إيضاح ودون أن تكلف نفسها فتمسك طبشورا وترسم نموذجا لهم، سألتهم أن يرسموا شجرة وسط حقل تنيره الشمس وعلى حافته كوخ, منظر لم يألفه الطفل العراقي ، وجوه الأطفال حيرى ويبدو أن بعضهم قد تم تلقينه فكانوا كالببغاوات يرددون ما أملي عليهم .فمن هذه النماذج وغيرها تستنتج أنه ليس من المستغرب أن تتخرج أجيال يحملون شهادات عليا ورتبا علمية في اختصاصات قد لايفقهون شيئا منها لو وضعتهم على محك التطبيق العملي .
إن أولى واجبات الدولة الجديدة فيما إذا أرادت أن تعيد بناء الإنسان العراقي بدءا بالطفل وفق مقاييس الديمقراطية والدولة الحديثة أن تنظر الى التعليم نظرة جدية أن تعيد النظر فيه فما فعله النظام البائد ليس قليلا شمل التلميذ والمعلم والمدرسة والمنهج .أن تدخل التطبيق والوسائل الحديثة وتحترم عقلية الطفل ونحببه في العلم فتعده الأعداد الكفيل بأن يثبت جدارته ويبدع .كما إن احتياجات الطفل العراقي كثيرة أولها الإحساس بالأمان والاستقرار وإبعاد شبح الخوف عنه وتوفير لقمة العيش له وتأمين الرعاية الصحية وأعتقد أننا كبلد يمتلك ثروات هائلة قادر على أن يوفر لأطفالنا حياة كريمة ولكن المشكلة الكبرى تكمن في أولويات الحكومة والبرلمان التي تضع الطفل العراقي وهمومه في نهايات سلم الاهتمام.وإن استمر الوضع كما هو عليه فإن أجيالا من أطفال اليوم سيلتحقون غدا بركب الشباب الذين ولدوا وترعرع وافي ظروف القهر والإهمال ففاتت عليهم فرصة التعلم فبقوا مكتوفي الأيدي جهلة لم يجدوا لهم موطيء قدم في وطنهم ولا لمسة حنان فتلقفت الكثير منهم العصابات والمليشيات التي تعبث بأمن الوطن والمواطن لتجعلهم كماشة النار لتحقيق مآربهم .
.إن الأرقام المخيفة التي ترد في الإحصائيات من ارتفاع نسبة الأمية بين الصغار والتسرب من المدرسة وتشغيل الأطفال وتعرضهم للأذى والضرر النفسي والبدني وتفشي أنواع الإدمان بينهم أضف الى ذلك المعاناة من آثار الحروب والإرهاب، الأمراض المستعصية التي تنوء بها أجساد أبنائنا الذاوية هذه المفردات القليلة التي تحمل معان خطيرة من أن الحال لو بقي على ماهو عليه إنما هو إنذار بأن هذه الثروة الثمينة من الطاقات البشرية ستضيع، لذا فإن الصيحات التي تطلقها الحناجر والأقلام الشريفة والحملات التضامنية ينبغي أن تترجم الى فعل أن تتحرك الأمهات الخائفات على أطفالهن،أن تتحرك الأحزاب التي تضع برامجها الطموحة في عراق حر وحجر الزاوية في عملها هم أطفال اليوم بناة الغد، منظمات المجتمع المدني المهتمة بشؤون الإنسان العراقي كلها أعتقد لديها القدرة أن توقظ الحكومة العراقية والبرلمان الغارقين في مشاكلهم وصراعاتهم الداخلية يفكرون في كل شيء عدا مصلحة الناس وبشكل خاص الطفل العراقي الذي أصبحت المتاجرة بآلامه ووضعه القاسي وسيلة لبعض النفوس المريضة القادرة على اغتنام الفرص التي تذرف دموع التماسيح تأسيا طالبة النجدة له وفي الحقيقة أن العراقي بما يمتلكه بلده من ثروات ليس بحاجة الى دريهمات الصدقات والمحسنين ففي وطنه ثروة هائلة قادرة على حمايته من العوز وتربيته وتعليمه على خير وجه ولكن يعوزه حاكم نظيف اليد أمين على خزائن بلد الرافدين قلبه عامر بحب شعبه، وعسى أن يتحقق ذلك في انتخابات قادمة حيث يكون فيها الشخص المناسب في المنصب المناسب .!!
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب