|
نزار حيدر على الرغم من أن الحكومة العراقية، أثبتت، خلال الأشهر الست الأخيرة، وبامتياز، على أنها؛ أولا؛ حكومة وطنية تتعامل مع كل العراقيين بالتساوي ومن دون تمييز، سواء على صعيد خطط فرض القانون أو على صعيد قوانين العفو العام في إطار مشروع المصالحة الوطنية، أو على صعيد مشاريع التنمية، سواء تلك المتعلقة بإعادة البناء والاعمار أو بما يتعلق بتعويض ضحايا النظام والإرهاب، فهي حكومة وطنية وغير طائفية أو دينية أو حتى عنصرية، كل المواطنين بنظرها سواسية أمام القانون، لا يميزهم عرق أو جنس أو دين أو مذهب. ثانيا؛ إنها حكومة قادرة على إعادة الهيبة إلى الدولة من خلال نجاحها الملفت للنظر في خطط فرض القانون في جل مناطق العراق خاصة تلك التي كانت تسمى إلى الأمس القريب بالساخنة والملتهبة أو حتى بالمتمردة، إذ نجحت الحكومة في خطط أمنية تصورها البعض بادئ الأمر بأنها نوع من التهور الذي يورطها بما لا يحمد عقباه، لدرجة أن الكثيرين وقتها وقفوا متفرجين على ما تصنعه الحكومة، إن لم يكونوا من ضمن المحتجين أو المهاجمين الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بذريعة أو بأخرى، إلا أن نجاح الحكومة في خطط أمنية إستراتيجية خاصة في البصرة والموصل، اضطر أمثال هؤلاء إلى أن يعيدوا النظر في تقديراتهم، بل في نظرتهم للحكومة. ثالثا؛ إنها حكومة تحدي قادرة على مواجهة الإرهاب والخارجين على القانون، بخطط أمنية ناجحة، على أن تتبعها خطط تنموية ناجحة هي الأخرى، ليتم القضاء على أسباب الإرهاب من جذورها، كالبطالة والتسيب المدرسي وتدني المستوى المعيشي لشرائح كبيرة من المجتمع العراقي، إلى جانب تدني الخدمات الأساسية التي بات المواطن يعاني منها ذرعا لدرجة كبيرة، تسعى مجموعات العنف والإرهاب، ومجموعات الجريمة المنظمة، إلى توظيفها لتعبئة المغرر بهم، في صفوفها، لضرب العراق وشعبه الصابر الأبي. رابعا؛ إنها حكومة تسعى بكل إمكانياتها إلى نزع السيادة والقرار من بين اسطر القرارات الدولية التي صدرت خلال الأعوام الخمسة الماضية التي أعقبت سقوط الصنم في بغداد، من جانب، كما تسعى إلى الاعتماد على نفسها قدر الإمكان لإنجاح خطط فرض القانون هنا وهناك من مناطق العراق الساخنة، من جانب آخر. لقد نجحت الحكومة بشخص رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في تحقيق فضاءات أمنية عالية جدا يتحدث بها اليوم جل العراقيين وكل المنصفين من غيرهم، ليس بالقوات الأجنبية، كما كان يحصل في كل مرة، وإنما بقوات عراقية وطنية شجاعة، ربما احتاجت إسنادا معينا من القوات الأجنبية المتواجدة في العراق، إلا أن عماد الخطط الأمنية وقراراتها وأدواتها ووسائلها، كانت هذه المرة عراقية، ولذلك سعت قيادة القوات متعددة الجنسيات إلى ثني الحكومة عن تنفيذ أو الاستمرار في تنفيذ خططها الأمنية في أكثر من منطقة، إلا أنها باءت بالفشل بسبب عزيمة الحكومة وقواتها الوطنية، ما اكسب العراقيين ثقة بالنفس وبالحكومة وفي قدرتها على تحقيق النجاحات الأمنية الذاتية أو شبه الذاتية، ما يؤهلها لتسلم ملفات أمنية مهمة في أكثر من منطقة من مناطق العراق. خامسا؛ كما أثبتت الحكومة أنها بالفعل حكومة وحدة وطنية، ليس بمعنى التمثيل والمحاصصة، وإنما بمعناها الحقيقي، من خلال الوقوف بمسافة واحدة من كل شرائح المجتمع العراقي، بالرغم من كل المعرقلات والمعوقات التي تختلقها بعض الأطراف السياسية، والعصي التي تضعها في عجلة الحكومة، وبالرغم من الفساد المالي والإداري المستشري في مفاصل الدولة لتوريط الحكومة بإخفاقات تظهرها بمظهر الفشل أو العجز، إلا أن نجاحات الخطط أثبتت على أن الحكومة مصممة على النجاح وقادرة على أن تكون بالفعل حكومة وحدة وطنية على الأرض وليس في غرف وأروقة المحاصصات والبيع والشراء السياسي. إن الوحدة الوطنية، بمفهومها الحقيقي والواقعي، لا تتحقق بالمحاصصات الحزبية والطائفية والاثنية، أبدا، وإنما تتحقق من خلال الاصطفاف الوطني خلف انجازات الحكومة، أي كان لونها السياسي أو المذهبي أو الحزبي، وهذا ما يحصل اليوم، فلأول مرة نلمس كل هذا الاصطفاف الوطني، في الموصل مثلا، خلف الحكومة، ليس لان هذا الحزب أو تلك الكتلة عادت إليها، أبدا، وإنما بسبب نجاح الحكومة في انجازاتها التي خدمت فيها المواطن بشكل بات يشعر به الجميع. لقد أثبتت الحكومة كل ذلك، وأكثر، ليس لإثبات حسن نواياها للآخرين أو من اجل كسب ود وعطف أو تعاطف من هم خارج الحدود، أبدا، إنما أثبتت ذلك انطلاقا من المهام والمسؤوليات التي تتحملها إزاء الشعب العراقي الذي منحها الثقة عبر صندوق الاقتراع، وبذلك تكون الحكومة العراقية قد أسقطت كل الذرائع التي يتحجج بها العرب للاستمرار في التعامل بجفاء مع العراق. بالرغم من كل ذلك، إلا أن العرب لا زالوا يتعاملون بريبة مع العراق، تارة باسم تنصله عن الهوية العربية وأخرى باسم تلكؤه في مشروع المصالحة الوطنية وثالثة بذريعة التدخل غير العربي أو الولاءات غير العربية، وتارة أخرى بذريعة الطائفية وأخواتها، وأخرى بذريعة الوضع الأمني، وهكذا. العراقيون يتمنون لو تحدث العرب بصدق عن سر هذا الجفاء، فيعبروا عما يختلج في نفوسهم من مخاوف حقيقية من العراق الجديد، هي في حقيقة الأمر خارجة عن إرادة العراقيين، كما أنها خارجة عن إرادتهم أنفسهم. إنهم يخافون من النموذج العراقي الجديد، الذي يعتمد نظامه السياسي مبدأ التداول السلمي للسلطة بعيدا عن لعبة الانقلابات العسكرية التي اعتاد عليها العرب والعراق على وجه الخصوص أو ما اسميه شخصيا بالسرقات المسلحة، إنهم يخشون هذا النموذج الذي يعتمد صندوق الاقتراع ميزانا عند تنافس الفرقاء السياسيين، فلا تتسلط أسرة حاكمة تنهب الأموال من دون رادع أو تتحكم بمصير الشعب كالعبيد والإماء من دون وازع، نموذج يعتمد التعددية والتسامح والاعتراف بالآخر والمواطنة بدرجة واحدة ومن دون تمييز كمعايير للعلاقة بين العراقيين أنفسهم وبينهم وبين السلطة. لقد اعتاد العرب على نموذج الأنظمة الشمولية الاستبدادية التي تصل إلى السلطة إما بالسرقات المسلحة أو بالوراثة، أما رأي الناس وتخويل الأمة وإرادة الشعب ففي خبر كان، ولذلك كان العرب منسجمون بشكل أو بآخر مع النظام الديكتاتوري الشمولي البائد، تجمعهم السنخية الواحدة، وهم اليوم غير قادرين على الانسجام مع العراق الجديد الذي شهد خلال خمس سنوات فقط ثلاث انتخابات عامة وتبدل أربع حكومات وطنية، بالرغم من كل ما يقال بشأنها، إلا أن العبرة في نجاح العراقيين في تحقيق كل هذه النجاحات السياسية التي لم يشهد مثلها العرب منذ التأسيس على يد المحتلين بدايات القرن الماضي وأواسطه ولحد الآن. نتمنى أن يقول العرب الحقيقة ويصارحوا شعوبهم، فلا يظلوا يتمترسون بشعارات واهية لا تحكي الحقيقة أو تعبر عنها أبدا. ليقولوا بأنهم يخافون النموذج العراقي الجديد ولذلك يخشون الاقتراب منه، خشية أن تقلعهم رياح التغيير إذا ما اقتربت الشعوب منه. لقد بذل العراقيون كل ما بوسعهم لتطمين العرب، كما أنهم بذلوا قصارى جهودهم لكسب ود العرب من جديد بعد أن تجاوزوا جراحات الماضي التي تركتها في نفوسهم سياساتهم المتعاونة والمؤيدة للنظام البائد، وهم اليوم يحاولون فتح صدورهم وأسواقهم ومشاريعهم أمام العرب لتأكيد نواياهم الحسنة ليس بالكلام فقط وإنما بالفعل وعلى الأرض، كان آخرها مؤتمر البناء والاعمار الذي نظمه العراق بالتعاون مع مصر، والذي دعاهم العراق من خلاله إلى الاستثمار مع الأولوية، إلا أن استمرار جفاء العرب للعراق مع كل هذا التطور الذي يشهده العراق إن على صعيد الملف الأمني أو على صعيد العملية السياسية لدليل على أن علة الأمر ليس ما يتحدث عنه العرب وإنما العلة فيما ذهبنا إليه قبل قليل، وتلك هي الحقيقة المرة التي لا يريد العرب الاعتراف بها والتعامل على أساسها، لتذليلها وتجاوزها، وهي علة خارجة عن أرادة العراقيين، إذ ليس من العقل أن يتنازل العراقيون عن حقهم في التجربة السياسية الجديدة لسواد عيون الآخرين، وإذا كان العرب يخافون الديمقراطية، فتلك مشكلتهم وليس مشكلة العراقيين، ولكل الحرية في طريقة عيشه وفي ممارسة وتكريس تجربته. وبصراحة أقول؛ إن أي تلكؤ من قبل العرب في التعامل بايجابية مع العراق، لا يخسر منه إلا العرب أنفسهم أما العراق فسوف لن يخسر شيئا، لأنه قوي بذاته وليس بالآخرين، وانه يعرب ولا يستعجم (على حد قول الدكتور عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية) وان العراق قادر وبكل سهولة على إيجاد بدائل عن كل من يفكر بمقاطعته، كما أن بإمكانه أن يجد أصدقاءه في هذا العالم الذي أصبح اليوم قرية صغيرة بكل بساطة. إن العرب يخطئون إذا ظنوا بان العراق بحاجة إليهم، وانه سيفشل في العودة إلى المجتمع الدولي من دونهم، وانه سوف لا ينهض إذا ما قاطعوه، وانه سيظل يعاني من الإرهاب إذ واصل العرب دعم مجموعات العنف والإرهاب بالفتاوى التكفيرية والمال الحرام والدعم اللوجستي، وغير ذلك، أبدا، فالعراق سينهض بالعرب وبغيرهم، وبدعمهم وبمقاطعتهم، فالعرب اليوم بوضع لا يحسدون عليه، وعلى مختلف الأصعدة، فلماذا كل هذا الجفاء يا عرب؟.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |