الموت يغيب بطل البطالة الطويلة قصيري
محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl
سنة 1913م ولد الشاعر الناثر "ألبير قصيري"(فولتير) في "حي الفجالة" بالقاهرة(حيث أصدر باكورة شعره) لأسرة شامية نازحة الى مصر تجنست وتمصرت عاش على ثروتها فجعل البطالة فلسفته، إستهل تعليمه المصري الإبتدائي في مدرسة رهبنة خاصة أهلته لمرحلة(الليسيه) الفرنسي الكائن في(باب اللوق) بالقاهرة في عقد ثلاثينات القرن الماضي، لينضم الى جماعة السوريالي"جورج حنين"(الفن والحرية)، ليواصل الرحيل مع موجة أدباء المهجر آنذاك متأبطا المكان/ "القاهرة" سنة 1940م الى العالم الجديد، ليتعرف على الكاتب الأميركي"هنري ميلر" الذي أعجب بباكورة رواياته(مجموعة قصص)«بشر منسيون»، فآزره في نشرها بالإنكليزية، بعد نشرها مسلسلة في صحيفة فرنكوفونية مصرية، ثم صدرت في باريس، ليقيم حرا ساخرا مترفعا على التجنيس سنة 1945م، إثر نهاية الحرب الكونية الثانية وزواجه القصير/ مؤقت، من ممثلة مسرحية فرنسية، يقيم في غرفة ضيقة تسع مصر(أم الدنيا) في نزل(لا لويزيان) الصغير في قلب حي(سان جرمان) الباريسي الذي كان لا يغادره بقامته الفارعة الفارهة الإناقة، يتوكأ على عصا صدفية المقبض لمظلة، عالم غرفته المصرية تلك، على مدى 6 عقود ونحو نصف العقد من الزمن، مرددا«أعيش في غرفتي كما لو أنني في مصر»!، لا يغادر إلا لمقهيي«دو فلور» و«ليه دو ماغو». فكان(مسيو قصيري/ هكذا يحيونه ويحيا!) معلما عاليا بعمره المديد في آخر تحف متحف عمالقة على مستوى عالم القرن الماضي:"جان بول سارتر" وصديقته"سيمون دو بوفوار" و"ألبير كامو" و"جان جينيه" و"ألبيرتو جياكوميتي"، عايشهم بهذا الحي(الميت بموت قصيري) الراحل الى مثواه الأخير أمس الأول عن قرن من الزمن سوى بضع سنين ونيف(أعلنت وفاة قصيري ناشرة كتبه«جويل لوسفيلد»). كان قصيري مستلهما رواد الإشتراكية الأوربيين وملهما للمسرحي والسيناريورست والمغني، حرية فكره في الأحياء الشعبية لمدن مصر الكبرى، تحمي الأزقة الضيقة جموعها لاختيار منهج حيواتهم وسلوكهم، عوام بملامح وجودية عدمية!، تؤمن بالفقر وتكفر باحتقار بالملكية، تاركا قصيري إرثه وهو بطل البطالة الوجودية الطويلة الكسول والمقل على أقل من المهل، ثماني كتب باريسية ترجمت الى لغات عدة، منها؛«طموح في صحراء»، «مكيدة المهرجين»، «ألوان العار»، "كسالى في الوادي الخصيب"(كتابته، ببطالة وبطء وكسل يشبهان سلوك أبطال رواياته بأسماء تركية وشامية ومغربية. علّق على صلته بأبطال رواياته:"ما يجمع بينهم هو الفرح وانعدام الطموح!. يسمونهم في فرنسا(هامشيين) بيد أنهم بنظري الأرستقراطيون الأصيلون، فليس عالمنا سوى حقيقة مزيفة أسسها الأثرياء مذ قرون. حياتي بسيطة لا أملك شيئاً، أتأمل.. وأدرك مدى الكذب الذي نحياه. أدرك أمرا أساسا هو أن الحياة جميلة». ومن رواياته؛"شحاذون ومعتزون"(رائعته الروائية التي ترجمت الى العربية لتخرجها"أسماء البكري" فيلما مصريا)، و"منزل الموت الأكيد"، حصدت جوائز عدة منها؛«جائزة المتوسط»(2000م) وجائزة أوديبرتي(1995م) وسام الشرف الفرنسي وجائزتي: أهل الأدب، والفرانكفونية الكبرى(1990م). ناهيك عن أفلام توثيقية/ مرايا كنوايا وكحكاوي قصيري.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب