د. وليد سعيد البياتي

 wsialbayati50@hotmail.com

توطئة في المفاهيم:

 ياتي مفهوم الشخصية القيادية ليضع تصورا عقلانيا في تحديد ملامح القائد عبر التأسيس لمجموعة من المعايير الخاصة والعامة، ففي دراسة تحليلية لعلاقة الاثار الاجتماعية والنفسية والعقائدية لتحديد ملامح الشخصية القيادية وجدت ان هذه الملامح تتاثر بالناتج الاجتماعي  للتحولات التاريخية، فالطبيعة الاجتماعية لايمكن أن تؤسس لقيام قيادات محددة ألا وفق تحولات تاريخية مهمة، وظهور قيادات عشوائية في ظروف استثنائية لايمكن ان يكون معيارا واقعيا إلا إذا كانت المجتمعات نفسها تعيش حالة من الانحطاط النفسي1. ومن هنا قوله عزوجل في قضية بلقيس: " وصدها ما كانت تعبد من دون الله انها كانت من قوم كافرين " 2. قد تتعلق الفكرة بالاتجاه العقائدي لكنها في نفس الوقت تطرح ملامح الشخصية القيادية وتأثرها بالاتجاهات الاجتماعية والتاريخية في تطور نظوجها الفكري وترسم ملامح بعد او قصر النظر في رؤيتها للاحداث. لاشك ان المجتمعات التي تتبنى قيما أجتماعية وتاريخية منحطة تفرز شخصيات تحمل هذه الملامح على الاعم الغلب، غير ان هذه الفكرة لاتمنع من ظهور شخصيات عقلانية مثل هاشم وعبد المطلب وابو طالب، الذين ظهروا وحكموا في مجتمعات تبنت قيما سفلى ورؤى منحطة في ترتيب العلاقات الاجتماعية، وفي هذه الدراسة الموجزة سنضع مقارنة تاريخية واجتماعية لفهم بعض الشخصيات الحاكمة في المجتمعات الشرقية والغربية.

 شخصيات قيادية غربية:

 ففي مقارنة موضوعية بين شخصيتي الجنرال (شارل ديغول) 3 ، وشخصية ساركوزي الرئيس الحالي الذي تراس فرنسا في ( 16 /ايار/ 2007 ) نجد انه من الاجحاف التاريخي ان يوضع ساركوزي بشخصيته التافهة اللاعقلانية في مقارنة مع العملاق (شارل ديغول) فالاول جاء من خلف البناء السياسي و الاجتماعي المتداعي والمتهافت فتمكن من ان يصل للسلطة وهو الذي بالكاد يفهم معايير العلاقات الدولية، بينما الثاني (ديغول) صنع تاريخة الحافل علميا وعمليا وقاد بلاده في اشد الازمات ليستحق بعد ذلك ان يكون أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة. لقد كان ديغول قائدا بالفطرة مؤرخا وسياسياوقائدا عسكريا مبرزا بينما ساركوزي اقرب الى الممثل المبتديء. وهو قليل الخبرة لا يمتلك الحنكة السياسية ومن هنا فقد انساق بشكل اعمى وراء السياسة الامريكية، لاشك ان ارتباط ساركوزي بالاتجاه الامريكي قد اوقع فرنسا في مستنقع الاحرب الامريكية. من جانب آخر فان وضع مقارنة بين (توني بلير) إضافة الى (جوردن براون) مع شخصية مثل (تشرتشل) 4 ، ستكون مجحفة بحق (تشرتشل)، إذ يمكن اعتبار بلير وبراون مجرد هواة سياسة ولايمتلكان الحكمة أو المقدرة على تحريك الامة وحفظ كيانها كما فعل (تشرتشل) في عصرة، فالمملكة المتحدة حاليا تعيش في تخبط سياسي منذ ان ربط توني بلير سياسيتها الخارجية بالاتجاهات اليمينية المتطرفة التي قادتها الولايات المتحدة منذ بداية حكم رئيسها (بوش الابن). لقد ارتكب بلير كما هائلا من الاخطاء ووضع الامة في حرج شديد  حيث اصبحت المملكة المتحدة في قائمة الدول الساعية للحرب والمناهضة للامن والسلم الدوليين، من هنا يمكن اعتبار ان المملكة المتحدة قد خسرت الكثير من مكانتها السياسية في الاتجاهين الاوربي والعالمي على اثر مشاركتها في حروب امريكا الحالية. لقد فشل كل من بلير وبراون في ان يكونا رجلي دولة، وقد نشرت صحيفة (الجارديان) عن لسان كاتبها (جونثان ستيل) تحت عنوان ( اتضحت الامور بعد سنة) قائلة: " اخطانا بشان جوردن براون فهو ليس اهلا للمهمة ". أما في اوربا الشرقية لم تظهر قيادة قوية مثل (تيتو) 5. كما لم تتمكن الدول في اوربا الشرقية ان تحافظ على كياناتها واستقلاليتها بسب بسوء الادارات مما ادى الى تحولها للانفصال من جديد. فاوربا الشرقية قد اصيبت بنفس المرض الغربي عبر الانحطاط الفكري والاجتماعي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية وعلى الاخص من أواسط ستينات القرن العشرين وتبني الكثير من سياسييها السياسات الغربية وخاصة في العلاقات الدولية مما ابعدها عن تحقيق طموحات المجتمعات مع ملاحظة ان المجتمع نفسه يتحمل  جزء من المسؤولية في وصول قادة بائسين وشخصيات تافهة للسلطة.

 قد يبدو ان الظروف الموضوعية التي تفرزها حركة التاريخ تؤدي الى ظهور شخصيات قيادية ذات طابع خاص، وهذه الظروف قد تخضع لقيم اجتماعية خاصة هي الاخرى. ولاشك ان التحولات التاريخية التي سبقت وعاصرت الحرب العالمية الثانية قد افرزت هذه الثلة من القيادات، من جانب آخر فان النظرة الاجتماعية الى الشخصية القيادية كانت اكثر اتزانا وتفاعلا مع تداعيات الحدث التاريخي والاجتماعي. من هنا فان شخصيات مثل بلير وبراون وساركوزي وغيرهم في اوربا الحالية كانت ستفشل فشلا ذريعا لو ان الظرف التاريخي اتاح لها ان تتواجد في عصر الحرب الثانية اي قبل أكثر من ستين عاما. فالبناء الاجتماعي والتاريخي في تلك المرحلة من حركة التاريخ كان يحتاج الى شخصيات قوية ورزينة تمتاز بالكثير من الحصافة تمكنت ان تحقق لأممها وشعوبها ما يمكن ان يعتبر قيما متقدمة في ظروف تلك المرحلة.

قيادت عربية وكردية واخرى شرقية:

هل يمكن ان تنسى حركة التاريخ العراقي الحديث شخصية (جعفر ابو التمن) 6. ذلك السياسي والتاجر البارع الذي سعى الى توحيد الصف الاسلامي، فكان قائدا بكل قيم القيادة، ام هل يخفى ذكر العلامة الاجل والمجاهد الكبير السيد محمد سعيد الحبوبي 7 ؟ فبعيدا عن ظروف حركة التاريخ تبقى الشخصية القيادية بناء ذاتي خالص. وفي محاولة لمقارنة هؤلاء بكل القيادات التي ظهرت بعد ثورة تموز (1958) وحتى سقوط صدام (2003) نجد تفاهة الاخرين مقابل عبقرية وجهاد الاوائل. وكي يكون بحثنا موضوعيا لايمكن اغفال قيادات غير عربية شكلت تاريخها الخاص فلا شك ان البارزاني 8 ، قد تمكن ان يقود حركة تحرر الاكراد لما يزيد عن الاربعين عاما، وهو قد رسم ملامح مرحلة تاريخية محددة في التاريخ المعاصر. وايضا الامام الخميني9 ، الذي اعتبرته مجلة التايمز البريطانية رجل العام (عام 1979). في الجانب الاخر كان هناك غاندي 10 . ومحمد علي جناح 11 ، وغيرهما ممن صبغا التاريخ بطابع خاص.

 أن معظم القيادات الحالية التي تحكم العالم لاتتمتع بالكفاءة ولا بالثقافة وسعة الفكر، وربما ان الظروف غير المضوعية هي التي اوصلتهم لسدة الحكم، ففي الولايات المتحدة مثلا نجد ان بوش الابن لايرقى الى مرتبة قيادية ولولا المال واللوبي الصهيوني الذي يقدوه مركز (ايباك) لم يصل مدمن كحول سابق وسياسي فاشل الى هذا المركز، وهو سيبدو شخصية هزيلة إذا ما قورن، بـ (دوايت ايزنهاور) وغيره من رجال السياسة في النصف الاول من القرن الماضي.

أما في المرحلة الحالية فان رئيسا أسود مثل (باراك اوباما) فيما اذا وصل البيت الابيض فانه سيكون تحولا غريبا في السياسة الامريكية، وربما يكون تحولا كارثيا. وبالتاكيد فانه لم يكن سيصل لولا فشل سياسة بيل كلينتون وبوش الابن، فالمجتمع الامريكي لا يزال غير مقتنع تماما بوصول رجل اسود الى سدة الحكم رغم كل إدعاءات الديمقراطية الامريكية، التي تطلقها كبالونات اعلامية جوفاء، أما هو من جانبه فانه فسيعمل المستحيل للفوز بهذه الفرصة ومن هنا سيكون ملكيا اكثر من الملك نفسه، واني انبه إلى انه سيكون الاكثر شراسة في تعامله مع قضايا التحرر الوطني وخاصة مع المسلمين لابعاد الشبهة عن علاقته بالخلفية الاسلامية لعائلته الكينية الاصل. ولهذا على العالم العربي والاسلامي ودول الجنوب ان لا يعولوا كثيرا على هذا الرجل وخاصة بعد خطابه في مؤتمر (ايباك).وقد شهدنا شخصيات امريكية من هذا النوع وكيف انها لم تتخلص من عقدة النقص تجاه العرق الابيض وليس (كوندليزا رايس) بمثال بعيد بل نحن نعيش الجانب الكارثي من مفاهيمها في تعامل الادارة الامريكية مع الاخرين.

أزمة قيادة أم ازمة مفاهيم:

لاشكان القادة الامريكيين لم يكتفوا بان يقدموا انفسهم كهواة حروب وأزمات فالولايات المتحدة ومنذ هزيمتها في (بيرل هاربر) في (السابع من ديسمبر 1941) ثم انتقامها من اليابان بقصف مدينيتي (هيروشيما وناغازاكي) في سنة (1945) قد حول الادارة الامريكية إلى وحش باحث عن دماء الشعوب فقد تعود نظام الحكم في الادارة الامريكية على نقل المشاكل الى الخارج والبحث عن أعداء بشكل مستمر مما يمنح كل رئيس فرصة لخوض حربا ما هنا او هناك.

لاشك ان السياسات العامة للولايات المتحدة تفتقر الى معايير القيم الاصيلة التي نادت بها الديانات والفلسفات العقلية، وهذه الدولة التي كانت مجرد جزيرة كبيرة تقع بين المحيطين الاعظم، لم تتمكن من ان تقدم فهما واقعيا للحكم خارج حدود العسكرة والتسلط، وبذلك تصبح الولايات المتحدة الاسوء من حيث ادارة الحدث، وتبقى مفاهيم الديمقراطية مجرد مقولات غير قابلة للتطبيق في السياسة الخارجية. والحقيقة ان ازمة القيادات السياسية في البيت الابيض أزمة مركبة، فالمجموعة القيادية للادارة الاميركية لم تشهد احباطا كالذي شهدته في فيتنام إلافي حرب العراق، ومما فاقم الازمة هو ذلك الاحباط في الاتجاه العسكري مما دفع بالكثير من الجنود والضباط الى التخلي عن مهامهم وطلب الجوء في كندا  كاشفا عن ازمة حقيقية في معايير القيم والمباديء التي بقيت الادارة الامريكية تنادي بها والتي اتضح للجميع كيف كانت بالونا من الوهم الثقيل هذا غير حالات الانتحار والانهيار النفسي الشديد. فالعالم يعيش ازمة قيادة بشكل واضح، والامم المتحدة لم صارت منبرا لاشعال الحروب بدلا ان تؤدي المهام التي وجدت من اجلها وهي احلال السلام، فقرارات مجلس الامن اصبحت تشريعات لقتل الاخرين والتدخل في السياسات الداخلية للدول والشعوب، بل ان هذه المؤسسة اصبحت عبئا على المجتمع الدولي وساعدت على خلق قيادات تافهة وبالتالي هي تتحمل مسؤولية تاريخية واجتماعية وسياسية اضافة الى المسؤوليات العسكرية حيث عمدت الى اشعال عدد كبير من الحروب بدلا من تنتهج منهج السلام.

.....................

1-    انظر مجلة البحوث الاجتماعية والتاريخية العدد الخاص/ 2006، جامعة آركنساس- الولايات المتحدة.

2-    النمل/43.

3-    ديغول، الجنرال شارل (ت 1970) كان قد ولد في مدينة ليل سنة(1890) وتخرج من المدرسة العسكرية سنة (1912) وقاد مقاومة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، وترأس حكومة فرنسا الحرة سنة (1943) وهو أول رئيس للجمهورية الفرنسية الخامسة، وللجنرال ديغول عدد من المؤلفات العسكرية والتاريخية، ويعتبر احد قادة حركات التحرر الكبرى خلال الحرب الثانية، كما انه من القادة الذين يتمتعون باحترام وتقدير دوليين، وهو شخصية قيادية من الطراز الاول لم تعرف فرنسا لها مثيلا منذ عصر نابليون.

4-    تشرتشل، السير ونستون (ت 1965) كان قد ولد في قصر (بلنهايم- مقاطعة اكسفورد شايرسنو 1874) كان شخصية سياسية وعسكرية ورجل دولة من الطراز الاول اضافة الى اهتمامه بالادب والخطابة ويعد خطيبا مفوها وقد حاز على جائزة نوبل للادب سنة (1953) عن مؤلفاته في التاريخ الانكليزي والعالمي، شغل ترشتل منصب رئاسة الوزراء سنة ( 1940- 1945) في خضم معارك الحرب الثانية ثم ايضا خلال سنوات (1951- 1955)، وحتى هذه اللحظة لم يحكم بريطانيا شخصا مثله وبكفائته المهنية.

5-    تيتو، جوزيف بروز (ت 1980) ولد في كرواتيا في (7/5/1892) انتسب للحزب الشيوعي وقاد حركة المقاومة ضد النازية وفي (1945) انتخب رئيسا لاتحاد يوغسلافيا، وهو احد كبار القادة في عصره، واحد مؤسسي سياسة عدم الانحياز.

6-    ابو التمن، محمد جعفر جلبي بن الحاج داود (ت 1945) وقد ولد سنة (1881) كان سياسيا واديبا وله اطلاع واسع في الفقه والشريعة أنضم الى حركة الاستقلال بعد تاسيسها سنة (1919) وقد ذكر ناجي شوكت في مذكراته قائلا: " ان جعفر ابو التمن كان الرئيس الحقيقي لحركة الاستقلال ". كما لعب دورا كبيرافي ثورة العشرين خلال احداث النجف و كربلاء ممثلا عن مرجعية السيد الشيرازي، وعمل على توحيد الخط الاسلامي.

7-    الحبوبي، أية الله العلامة أبو علي محمد سعيد بن محمود الحسني (ت 1915) احد كبار اعلام الفقه والمجاهدين خلال الحرب العالمية الاولى، استطاع ان يكون قائدا لامة ولم يستلم منصبا سياسيا، كان اديبا وفقيها ومجاهدا من الطراز الاول وقد اثار اعلانه الجهاد ضد الانكليز مشاعر العشائر العربية فانضمت اليه مساندة له، ويمكن اعتبار حركته الجهادية اساسا لثورة العشرين التي ظهرت بعد خمسة اعوام من استشهاده.

8-    البارزاني، الملا مصطفى (ت 1979) أحد اشهر الزعماء الاكراد بعد الشيخ محمود الحفيد، ولد في منطقة بارزان شمال العراق سنة (1903) وقد شارك اخاه منذ سنة (1931) في قيادة الحركة الكردية وفي سنة (1945) اصبح وزيرا في جمهورية الاكراد في (مهاباد – ايران)، ويعتبر احد رموز الحركة الكردية في صراعها من اجل حقوق الاكراد خلال الحكومات العراقية السابقة.

9-    الخميني، أية الله العظمى السيد روح الله الموسوي (ت 1989) الذي كان قد ولد في (خمين) سنة (1902)، يعد احد اكبر القادة المجاهدين في القرن العشرين قاد حركة التحرر ضد الشاه حتى نفي الى تركيا سنة (1978) ثم نفي الى العراق وسكن النجف ودرسفي حوزتها ثم انتقل الى الكويت بعد مضايقة حكومة البعث له ومنها ارتحل الى فرنسا وقداثورته من هناك ضد الشاه الذ اسقطته الثورة سنة (1979) حيث تم تأسيس جمهورية ايران الاسلامية، وهي اول جمهورية اسلامية تنتهج مذهب اهل البيت عليهم السلام في العصرالحديث.

10-غاندي، المهاتما، هوالمهندس كرمشاند (ت 1948) الذي ولد في (بندر بور) سنة (1869) وحمل شعلة التحرر من الاستعمار الانكليزي في مرحلة صعبة من حركة لتاريخ ويعتبر تاريخيا ابو الهند الحديثة. وقد احبه الهنود بكل طوائفهم حتى اسموه المهاتما (الروح المقدسة).

11- محمدعلي جناح (ت 1984) ويعد مؤسس باكستان الحديثة كان قد ولد سنة (1876) ويلقبه الباكستانيون (قائدي أعظم) وتعني القائد العظيم. وهو يعادل غاندي من ناحية الشهرة السياسية بالنسبة للباك.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com