|
نزار حيدر سألني، ما اذا كنت اتابع اعترافات (بعثي قديم) في برنامج (شاهد على العصر) الذي تبث حلقاته الاسبوعية المتسلسلة حاليا قناة (الجزيرة) القطرية؟ فاجبته بالنفي، قائلا: لست بحاجة الى شهادات احد، على السنين العجاف التي حكم فيها الطاغية المقبور والذليل صدام حسين وحزبه اللعين في العراق، فانا والملايين من العراقيين كنا، ولا نزال، ضحايا ذاك النظام، الا ان الذي اتمناه، اضفت بالقول، هو ان يسمع العرب مثل هذه الاعترافات ليفيقوا من غفلتهم وسباتهم العميق الذي لا زالوا يحلمون به، والحمد لله فلقد جاءت الاعترافات على لسان (بعثي قديم) ولم تات على لسان زعيم ينتمي الى (العراق الجديد) او على لسان عنصر ينتمي الى حزب اسلامي من احزاب التيار الديني، كما انها لم تأت على لسان (شيعي) استفاد من عملية التغيير التي شهدها العراق منذ التاسع من نيسان عام 2003، فيتهم بالطائفية، ولم تات على لسان كردي من ضحايا الانفال مثلا او حلبجة، فيتهم بالعنصرية والسعي لتقسيم العراق او الانفصال عنه. واضفت: كذلك، الحمد لله، فان الاعترافات هذه لم تبث من على قناة شيعية او مملوكة لحزب شيعي مثلا، او كردية او يملكها حزب كردي، والا لما صدقه احد، ولاتهموه بانه يتقاضى اموالا طائلة مقابل كل حلقة يسجلها، او عدة براميل نفط، مثلا، بل جاءت من على شاشة قناة ساهمت مساهمة فعالة في صناعة صدام حسين ونظامه الاستبدادي الشمولي، كما ساهمت في التغطية الايجابية (التضليلية المخادعة) لحروبه العبثية وسياساته الهمجية، من خلال تبرير ما كان يفعله، وتشجيعه والتصفيق له حتى بح صوتها، او كاد. صحيح ان الاعترافات حملت مادة دسمة جدا من الفضائح والاسرار، ومن المعلومات التي تكشف عن عظم الجريمة التي ارتكبها النظام المقبور، وتنوعها وخستها وخطورتها، الا انها تبقى، بالنسبة للعراقيين، معلومات سطحية وبسيطة ليس لسذاجتها او لعدم اهميتها، ابدا، وانما بسبب انها بالنسبة لهم معلومات يومية عاشوها بانفسهم على مدى نيف وثلاثين عاما عجافا، احرق فيها النظام البائد الاخضر واليابس وقتل الحرث والنسل، ودمر العراق وشعبه الابي الصابر الذي لا زال يئن من تحت وطأة تلك الجرائم، فمثل هذه الاعترافات والمعلومات لم تكن قصصا تروى للعراقيين، على لسان اجدادهم وجداتهم، او روايات تاريخية يقراونها في كتب التاريخ، او قصص بوليسية او غرامية يجدونها في كتب المغامرات او في مدونات العشق والغرام، او في روايات العالميين الذين يبدعون في وصف الخيال، وانما هي معاناة يومية عاشوها بكل تفاصيلها، واكثر. المهم ان يسمع العرب هذه الحقائق التي ظلوا يكذبونها اربعة عقود كاملة، عندما كانوا مستفيدين من النظام واموال العراق ونفطه، وسيصدقونها هذه المرة، او هكذا يفترض، لان النظام والطاغوت اصبحوا في خبر كان، ولله الحمد، فان من طبيعة العرب انهم لا يصدقون الا الماضي، فاذا صرخ امرء من ظلم يقع عليه، كذبه الجميع، اما اذا مات جراء ذلك الظلم، هب الجميع لتغسيله وتكفينه والصلاة عليه، قبل دفنه، ولذلك فان فعلهم، عادة، لا يجدي نفعا لانه ياتي متاخرا في كل مرة، اي، بعد فوات الاوان {ولات حين مندم}. هكذا هو حال العرب، فعندما كان الشعب العراقي يئن من ظلم حاكمه، ويتضور الما من جرائمه التي يندى لها جبين الانسانية، ويصرخ من التدمير والقتل المنظم الذي مارسه الطاغية الذليل وحزبه اللعين، كان العرب يكذبونه ويتهمونه تارة بالطائفية واخرى بالعنصرية، وثالثة كانوا يطعنون بولائه، وفي احسن الاحوال كانوا يقولون بان العراقيين يهولون المظالم وانهم ادمنوا التضخيم فلا داعي لتصديقهم، اما اليوم وقد اضحى العرب وجها لوجه مع جرائم العهد البائد وطاغوته وحزبه ونظامه، وعلى لسان احد اركان ذاك العهد الاسود، ومن على شاشة قناة طالما بذلت الغالي والنفيس من اجل ان تصنع من ذاك الطاغوت بطلا قوميا ومشروع شهادة، اما اليوم، فلابد للعرب ان يصدقوا، اذ لم يعد التكذيب محتمل، ولم يعد هناك متسع من الوقت للتكذيب او لاغفال الحقائق. هيا، اذن، ايها العرب، صدقوا اليوم ما كنتم تكذبونه على مدى اربعين عاما عجافا. صدقوا ان نظام حزب البعث الذي حكم في العراق، لم يكن نظام وطنيا، اذ لم تكن في اجنداته السياسية اية اهداف وطنية ابدا. وصدقوا بان الطاغية الذليل كان مصاب بمرض الزعامة، الذي حرضه على ان يقتل اقرب المقربين اليه من اجل الكرسي، والبقاء في السلطة. وصدقوا بان حزب البعث الذي حكم في العراق لم يكن حزبا قوميا، كما ان قيادته لم تكن قيادة قومية ابدا، وهو لم يناضل ضد الولايات المتحدة الاميركية او اسرائيل او اي عدو وهمي آخر كان يفتعله النظام وطاغوته لالهاء الشعب العراقي وشعوب بلاد العرب عموما. وصدقوا بانه لم يكن نظاما (ديمقراطيا) فهو وصل الى السلطة على ظهر دبابة في اطار مؤامرة دنيئة دبرت بليل وبالتنسيق مع اجهزة مخابرات دولية واقليمية عديدة، كان الهدف منها اغتيال العراق وقتل شعبه وسرقة خيراته وامواله، وبالتالي اخراجه من معادلة ما كان يعرف بالصراع العربي الاسرائيلي. وصدقوا بان كل الحروب التي خاضها النظام البائد وقيادته (التاريخية) و (القائد الضرورة) لم تكن لاهداف وطنية معلومة وواضحة، وانما كانت من اجل اشباع نزوات شخصية وطموحات فردية عابرة، دفع ثمنها الشعب العراقي المسكين، من دمه ومن خيرات بلاده الوفيرة. وصدقوا بان المقابر الجماعية حق، وان الانفال حق، وان حلبجة حق، وان حفلات الاعدام حق، وان الاعتداء على الاعراض في السجون المظلمة حق، وان القتل والاغتيال والمطاردة والتهجير حق، وان تصفية الرفاق حق، وان قتل المعارضين حق، وان التفنن في عمليات التعذيب والقتل حق، وان قرارات اسقاط الجنسية عن الوطنيين العراقيين الذين يعارضون سياساته الرعناء حق، وان حملات التهجير القسري واسقاط الجنسية والاستيلاء على اموال الناس المنقولة وغير المنقوله بحجة التبعية الايرانية وغير ذلك حق، وبكلمة، فان كل ما كانت تقوله المعارضة العراقية آنذاك وما كان يصرخ به الشعب العراقي حق في حق في حق. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان عليكم، ايها العرب، ان تعيدوا النظر في الوسائل الاعلامية التي تغذيكم بالمعلومة، فلقد اكتشفتم بعد هذه الاعترافات، وبمراجعة بسيطة وسريعة للماضي القريب، لتقارنوا بين ما كان يقوله الاعلام الذي تتغذون عليه بالمعلومات ليل نهار كحقائق مسلمة، وبين ما يدلي به (بعثي قديم) اليوم من على شاشة نفس الاعلام، ان كل ما كان يقوله هذا الاعلام محض كذب وافتراء، وبعبارة اخرى، فان هذا الاعلام كان قد خدعكم، فاحذروا ان يخدعكم مرة اخرى، انه اعلام كيدي لا يقول لكم الحقيقة ولا ينقل لكم الصورة الصحيحة والواقع كما هو، وانما يحاول دائما توجيه المعلومة بالطريقة التي تخدم المالكين فقط، وغالبا ما يكونوا الانظمة الحاكمة. لقد بادر هذا الاعلام اليوم الى كشف حقائق نظام استبدادي شمولي ديكتاتوري، ولى الى مزبلة التاريخ من غير رجعة، الا ان هذا الاعلام لا زال يتستر على حقيقة بقية الانظمة التي تشبه زميلها المقبور الى حد بعيد، فلماذا تنتظرون، ايها العرب، ان تمر سنين كثيرة على هذه الانظمة قبل ان يبادر هذا الاعلام الى كشف مستورها؟ لماذا لا تبذلوا جهدا، ولو بسيطا، لتكتشفوا بانفسكم حقيقة هذه الانظمة التي اعدها انا التوأم لذاك النظام الديكتاتوري؟. ان من يصدق منا ما يقوله هذا الاعلام عن بقية الانظمة، بعد كل الذي بان من حقائق وعلى لسانه تحديدا، فانه لا يفهم شيئا، او انه يتغابى لحاجة في نفس يعقوب، او انه ذات قابلية على الاستحمار، والعياذ بالله. لقد كشفت اعترافات (بعثي قديم) هذه، عن ازمة في الثقافة العربية وازمة في الاعلام العربي، الذي يواصل جهده لصناعة ابطال وهميين تارة من الحكام الطواغيت من امثال صدام حسين، وتارة من الارهابيين والقتلة من امثال بن لادن والزرقاوي ومن لف لفهما. انها ثقافة الوهم، واعلام التضليل الذي يمارس الخداع والتزييف باخطر صوره، لدرجة انه اضاع اتجاهات البوصلة في يد المواطن العربي في مشارق الارض ومغاربها، فلم يعد يميز بين الحقيقة والوهم وبين الصح والخطا وبين العدو والصديق وبين الشجاع والجبان وبين العميل والوطني وبين البطل ومن هو نمر من ورق، فبعد ان اخرج بطل القعقاع وبطل العروبة ، الذي صنعه هذا الاعلام وهما وخيالا محضا، من جوف بالوعة، كيف يتسنى للمواطن العربي ان يتوقع مقاومة من ابطال الامة العربية الذين لا زالوا يحمكون البلاد العربية، من الذين لا زال هذا الاعلام التضليلي يصورهم وكانهم ملوك الغاب وصناديد عصرهم وعنترات زمانهم؟. علينا ان نكتشف ونعترف، في آن، بان مشكلتنا الحقيقية ليست في الاستعمار ولا في الاستكبار ولا في الاحتلال ولا حتى في اسرائيل (اللقيطة) ولا في الشرق ولا في الغرب ولا في السماء ولا في الارض ولا في الشمس او القمر ولا في الماء ولا في الهواء، وانما في النظام السياسي الذي يحكمنا، وفي الانظمة التي تتسلط على رقابنا، وفي حكام الجور الذي يسوسونا بوسائل القهر والعبودية والذل والهوان، هؤلاء الحكام الذين سحقوا كرامتنا واهدروا دماءنا وداسوا حقوقنا وسرقوا اموالنا وخيرات بلادنا واستولوا على كل شئ، لهم وللحفنة التي تصفق لهم ولاسرهم وحواشيهم وبطاناتهم. لقد حرمونا التعليم والعمل والصحة والامن وفرص النجاح والمستقبل، لنا ولاجيالنا، فلم نعد نملك شيئا من مقومات الكرامة ابدا، وان نقطة البداية للتغيير المرجو والمرتقب تكمن في التغيير السياسي اولا، والذي لا يمكن ان ننجزه الا بالتغيير الثقافي، لنتعلم ان الحياة الحرة الكريمة حق لكل واحد منا، وهي ليست مكرمة من الرئيس او الملك يتصدق بها علينا متى اعجبته اشكالنا، او طرب على رنين تصفيقنا، او اشفق على حالنا ونحن نلهث وراء سيارته المضللة راكضين، والتي لا ندري اكان هو جالسا فيها ام انها تحمل شبيهه ام (ولي العهد) او متى ما اراد ان يسكت افواهنا بالفتات الذي يرميه لنا بعد الانتهاء من الحفلة، ابدا، ولنتعلم كذلك، بان خيرات بلادنا هي ملك لنا وليس للعائلة المالكة او للزعيم الاوحد او للحاكم الذي نزا على السلطة بسرقة مسلحة (انقلاب عسكري) وبالتعاون مع حفنة من قطاع الطرق واللصوص والقتلة والمجرمين. لنتعلم بان ضمان المستقبل حق تكفله كل الشرائع السماوية والقوانين الارضية، وهو ليس حكرا على ابناء الرئيس او احفاد الملك، وليذهب ابناء الشعب الى الجحيم. ان مشكلتنا في النظام السياسي الذي يحكمنا، من جانب، وفي جوقة المطبلين والمصفقين من وعاظ السلاطين والاقلام الماجورة وانصاف المثقفين وحملة الاقلام الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، من جانب آخر، ولذلك علينا ان نجري عملية جرد حساب شاملة لكل هؤلاء، حتى لا نقع ضحية خداعهم من جديد، والعاقل من لا يلدغ من جحر مرتين، فلنراقب مصادر تغذية عقولنا بعيون مفتحة وقلوب واعية وآذان لا تصغي الا للحق. فالى جانب النظام السياسي الفاسد، الذي هو جوهر المشكلة عندنا، تصطف خلفه العديد من اسباب المشكلة، التي سخرها الطاغوت لخدمته، فالفن عندنا في خدمة الديكتاتورية والثقافة عندنا في خدمة الاستبداد، والقلم والاعلام والصحافة في خدمة الاسر الحاكمة، حتى الرفاق (الخوانين) عندنا في خدمة صحافة البترودولار، هؤلاء الذين خدعونا بشعاراتهم، عندما تاجروا بمعاناة الطبقة العاملة والكادحة، لنكتشف بعد حين، بانهم يعيشون على موائد مصاصي دماء الشعوب المقهورة، وهذا ما يجب ان ينتبه له العرب ليبداوا التغيير الحقيقي، الجذري والشامل. ان الثقافة عندنا تنظر للهزائم وللفشل، وبعودة سريعة لشريط الاخبار والتحليلات والمواقف التي قراناها على مدى النصف قرن الاخير، بشان كل ما يتعلق بقضايا العرب، وعلى راسها سياسات النظام البائد الذي حكم العراق، سيتضح لنا مدى هول الجريمة التي ارتكبها الاعلام العربي والمثقفين والكتاب والصحفيين والاعلاميين العرب، فهم كانوا، ولا زالوا، جزءا من المشكلة، وهم سبب الهزيمة واحد ابرز عوامل حالات التخلف والتقهقر التي يعيشها العرب، فالمثقف عندنا يصنع طغاة، والفنان عندنا يصنع لصوص، والاعلام عندنا يصنع قتلة ومجرمين محترفين، والفتاوى الدينية عندنا تصنع ذباحين مهرة، والكتاب عندنا يصنعون نماذج رائعة ولكن بالمقلوب، فصورة الفاشل يقلبونها الى ناجح، والمهزوم منتصرا، والجبان بطل قومي لا يشق له غبار، والارهابي مقاوم يقتل الناس فيقتل ليفطر عند الرسول ويتغدى مع الحور العين وينام ليله مضطجعا مع الولدان المخلدين. هذا هو حال النظام السياسي عندنا، وهذا هو حال الفتوى والثقافة والاعلام والقلم والفن الذي سخره النظام السياسي لخدمته، فكيف تريدهم ان يدافعوا عن العراق الجديد، وعن تجربة العراقيين في الحرية والديمقراطية والتعددية؟ وكل ذلك يتعارض مع المتبنيات السياسية للذي يدفع لهم؟. ان المشكلة تكمن في هؤلاء، الذين لم يتمكنوا من ان يروا عراقا جديدا قائما على اساس التعددية والتداول السلمي للسلطة، وان يكون صندوق الاقتراع هو الفيصل بين الفرقاء السياسيين، يحتكمون اليه للوصول الى السلطة، فتراهم قد وجهوا كل سهام الغدر والغيلة للعراق ومراجعه وعلمائه وقادته ومثقفيه، تارة من خلال التشكيك في الشرعية التي يدعون ان العراقيين بنوها تحت حراب الاحتلال، وتارة اخرى من خلال الطعن في توجهات الكتل السياسية والبرلمانية وفي ولاءاتها وانتماءاتها، وكأن ليس ان حدود بلاد العرب الحالية رسمها الاستعمار والاحتلال، او كأن ليس كل الاسر الحاكمة في جل البلاد العربية جاء بها الاحتلال البريطاني مطلع القرن الماضي، وها هي من كانت تتاجر بالمقاومة (حماس نموذجا) تفتخر بانها وصلت الى السلطة بالانتخابات، ناسية او متناسية بان صندوق الاقتراع الذي حملها للسلطة كانت قد حمته اسرائيل (الاحتلال) و (الشيطان الاكبر) ولولاهما لما جرت انتخابات في فلسطين (المحتلة) والاكثر من هذا، فانها تفتخر اليوم بانها تدير مفاوضات مع المحتل للاتفاق على هدنة، تصوروا، هدنة مع المحتل الاستيطاني. لقد اشترى الطاغية الذليل صدام حسين، فقهاءا وكتاب وصحفيين بكوبونات النفط تارة وبفيلا على البحر تارة ثانية، وبسيارة احدث موديل تارة ثالثة، مقابل ان يفتي هؤلاء ويكتبوا ما يريد الطاغوت ويبتعدوا عن الحقيقة، فاصدر الفقهاء فتاوى الغش والتزوير وسود الكتاب والصحفيين صفحات الجرائد والمجلات بالمقالات التضليلية التي خدعت الناس وشوهت الحقيقة، وكل ذلك على حساب المسؤولية الشرعية وشرف المهنة، ولان بعضهم استذوق حلاوة الحرام والمال السحت، لذلك تراه لا زال يمجد بالطاغوت الذي طمره التاريخ في مزبلته، ولا زال ينعته بالشهيد والبطل وما الى ذلك من الكلمات والمصطلحات التي لم يعد لها معنى في قاموس هؤلاء، لانهم بنوا (رسالتهم) على الغش والتزوير والحرام والتضليل والكذب، عندما تحولت عندهم الرسالة الى تجارة، والكلمة الصادقة الى مصالح انانية. في زمن الطاغية، لم يجرؤ احد منهم على الكلام، فلا ينتقده احد، ولا يتهمه احد، ولا يشير احد باصبعه اليه متهما او ناقدا او محرضا او مشككا، فكل ما كان يقوله ويفعله ويسكت عنه الطاغية، صحيح وحلال وعين الصواب، لان فتوى الفقهاء وراي الكتاب وكلمة الصحفيين كانت مملوكة له وللمال الحرام الذي كان يتصدق به عليهم، كما ان نفط العراق كان في خدمة (معركة الزعيم الاوحد) اما اليوم وقد سقط الصنم، فقد هاج فقهاء التكفير وماج الكتاب والاعلاميين يرمقون العراق الجديد وقادته بكل ما يمكن ان يكون مادة دسمة لاقلامهم، حتى داينوصورات الماركسية التي وضعها اصحابها في المتاحف، لم يالوا جهدا للطعن بقادة العراق الجديد، واين؟ في صحف البترودولار التي كان يصف الرفاق مالكوها من الاسر الحاكمة، والى الامس القريب، بالمصاصين لدماء الفقراء والطبقة العاملة والكادحة، واذا بهم اليوم في خدمة (الرجعية العربية) ضد العراق الجديد الديمقراطي، وزعماءه الجدد الذين وصلوا الى السلطة من خلال صندوق الاقتراع، وبامتياز، ليتميزوا، بذلك، عن كل الزعماء الاخرين الذين سرقوا السلطة في بلدانهم، بالغزو والغارات المسلحة التي قتلوا فيها النفس المحترمة وهتكوا الاعراض (آل سعود نموذجا). لماذا؟ لماذا يستهدف العراق بكل ما فيه؟ اوليس ذلك دليل التغيير الحقيقي الذي يشهده العراق؟ فلو بقي على حاله كما كان ايام النظام الشمولي البائد، لما استهدفه احد، ولما تجرا احد على ان يغمز في قناة زعيمه، او زعمائه، حتى (القادة) العرب لم يكونوا ليتجراو عليه، ولكانوا عبيدا في خدمته كما كانوا ايام الطاغية صدام الذي كان قد اخصاهم بقوته المزعومة، ولما وجه الفقهاء والكتاب والصحفيين و(المثقفين) العرب سهامهم الى نحره او كادوا، هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان زعماء العراق الجديد لم يشتروا الضمائر ليجندوها لخدمتهم، ولم يبحثوا عمن يبيع قلمه الماجور بثمن بخس ليسخره في خدمتهم فيسكتوه ويقطعوا لسان صاحبه، كالتي لا زالت تسخر نفسها عبيدا في خدمة البلاط وصحافته، ابدا، فالديمقراطية ليست بحاجة الى ضمائر ميتة، والزعيم الذي يمثل شعبه في الموقع الذي يتسنمه، ليس بحاجة الى ماجورين وانصاف مثقفين للدفاع عنه، ابدا، فالحقيقة تدافع عن نفسها بنفسها، والناجح يدافع عنه نجاحه وما ينجزه في سبيل خدمة شعبه وبلده. في زمن الطاغية، لم يجرؤ احد على ان ينبس ببنت شفة، بعد ان نجح في قطع السنة الجميع بالمال الحرام، اما اليوم، فان كل شئ في متناول السنة واقلام الجميع، وهذا يكفي دليل على جذرية التغيير الذي يشهده العراق منذ سقوط الصنم. واللافت للنظر، هو ان حملات الطعن والتهجم تتزايد مع كل انجاز يحققه العراقيون، وعلى اي صعيد كان، وهذا اكبر دليل على ان المستهدف هو العراق وتجربة شعبه الجديدة في الحرية والديمقراطية والنظام السياسي الجديد، وليس هذا المسؤول او ذاك، لانهم جميعا يخشون التجربة بكل تفاصيلها، ولذلك يعمل كل واحد منهم على افشالها ووادها ولو بنفخة من فيه، ولكن، صدق الله تعالى الذي قال في محكم كتابه الكريم {يريدون ان يطفؤوا نور الله بافواههم، ويابى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون} صدق الله العلي العظيم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |