|
محور تشبيه الرسول بالمدينة لكل مدينة من المدن الانسانية لوازمها الطبيعية التي وبحيث ان فرض انتفاء لازم من لوازمها المدنية تكون هناك استحالة قيام كيان يسمى المدينة، وهذه اللوازم هي كالصفات التي تلاصق تواجد المدن ومحل تحركها، فاينما وجد التمدن وجدت هذه او تلك من اللوازم الطبيعية معها، فللمدينة على هذا الاساس - مثلا - لازم فكري يكون هو الرصيد العقلي الذي تتميز به المدن عن غيرها من الاجتماعات الانسانية الاخرى الاقل منزلة من الاجتماعيات المدنية، فالمدينة هنا والعقيدة شيئ واحد، وكما ان العقيدة الدينية والفلسفية والفكرية والفنية لازم طبيعي للمدينة، او منتج حتمي لوجودها، او حومل مقارن لها كما يعبر ( توينبي )، كذالك هي الحال بالنسبة للزومية المدينة للعقيدة الفكرية للاجتماع المدني الانساني هذا، فلا وجود لمدينة وتمدن بلا عقيدة ولاسيما منها الدينية المقدسة، كما انه لاوجود حقيقي لعقيدة وفكر وتأمل وحضارة بلا مدينة ايضا !. كذالك هي الحال في لازم التجارة ومظاهر حركة رأس المال والصناعة، فهو ايضا اللازم الاقتصادي من لوازم التواجد الانساني المدني، فلايمكن والحال هذه تصوّر المدينة بلا حركة اقتصاد مالية وصناعية وزراعية تجمعها المدينة وتلد كل يوم من صفاتها الشيئ الكثير في الداخل والخارج من التجارة المدنية !. وعليه يمكن القول : لاوجود للمدينة بلا لازمة التجارة او صفاتها الطبيعية، كما انه لايمكن وجود التجارة بلامدينة تحتضن كل حركة رأس المال وانفعالات السوق وحركته الجاذبة والطاردة في الان الواحد، وهذا بعكس التجمعات الانسانية الاقل منزلة من التمدن والتحّضر وشؤون المد ينة التي بالامكان تواجدها على هامش الحياة المدنية الا انها تتمكن من الحياة بلا لوازم المدينة وان اقتاتت على فتات المدن !. يتبقى لنا الاشارة كذالك للازم الادارة والسلطة والنظام، كأحد لوازم الاجتماع المدني، باعتبار ان الادارة جزء أصيل من صفات ولوازم الاجتماع المدني الذي تفرضه التعقيدات الاجتماعية المدنية ايضا، فلا مدينة والحال هذه بلا سلطة ادارة، كما انه لاسلطة ادارة وحركة حكم وفرض نظام وقانون بلا مدينة وتمدن واجتماع انساني حضاري، فكلما كان تصوّر ادارة لابد ان يردفه تصور وجود المدينة والعكس ايضا صحيح! وهكذا يقال في الفن فهو كذالك من لوازم المدن .......... الخ !. ان التقديم لتلك اللوازم المدنية تهيئ لنا الارضية الصحيّة التي من خلالها بأمكاننا ان نطلّ بتصور شمولي لمقولة العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يشبه ذاته الشريفة بالمدينة عندما يقرر :(( انا مدينة العلم وعليّ بابها ..)) فهذه المدينة الرسالية لايمكن تصور شموليتها العلمية الا بعد ان ندرك اولا : ان لكل مدينة لوازمها المدنية الطبيعية !. بمعنى مغاير : ربما يتساءل البعض بانه : ماعلاقة الحديث الشريف لرسول الانسانية محمد ص :(( انا مدينة العلم وعليّ بابها )) وادراكنا ان لكل مدينة لوازمها الطبيعية ؟. وهل عندما ينطق محمد رسول الله ص ب (( انا مدينة العلم ..)) هو ناظر لقضية ان تكون للمدينة لوازم ؟. واذا فرضنا ان محمدا رسول الله ص قاصدا للمقولة والتشبيه بكل توابعه، فماذا يعني ان ندرك ان لمدينة الرسول الاعظم ص لوازم ؟. الحقيقة كون الرسول الاعظم محمد ناظرا بعمق لمسألة التشبيه بالمدينة، واخذا بادراك صلى الله عليه واله وسلم موضوعة ان يأتي واحد من البشر ليسأل عن لوازم مدينته العلمية الرسالية الشريفة، فهذا من الأمور المتحققة شرعا وعرفا، فشرعيا محمد ص أكبر بكثير من ان يتحدث بما لايعي ابعاده الفكرية وحاشاه ص ان يكون كذالك، وعرفيا فالعظماء من كل البشر سواء كانوا انبياء رسل او حكماء بالعلم كانوا ولم يزلوا يروون انه من النقيصة الفاحشة ان يتحدث الحكيم بلا وعي ولا ادراك لابعاد مقوله المطروح !. وعليه فليس محمد العظيم ص رسول الله للناس اجمعين، هو من يتحدث بلا رصد لكل الابعاد الفكرية والذهنية والعقلية التي سوف تنعكس على عقلية الانسان من مقولته هذه او تلك، وليس هو ممن يضع تشبيها لذاته الشريفة بشيئ لاابعاد فكرية ومعنوية له، فمحمد العظيم ص مدينة علم، ولابد ان يكون لهذه المدينة مدخل، وهو عليّ بن ابي طالب عليه السلام، ولابد لها من لوازم اخرى تكون هي حياة المدينة كما كانت المدينة حياة هذه اللوازم الفكرية والاخرى الاقتصادية والثالثة الادارية الحكومية ورابعة الفنية ..... وهكذا !. اذن في هذا المنحى نكون امام ادراك رسالي متكامل لتشبيه المدينة بشخصية الرسول المعظمة، امّا في الاتجاه الاخر للمسألة، فلابد من الاعتراف ان المعرفة فرع من تصور الموضوع كما يقول اهل المنطق والحكمة !. بمعنى : انني عندما اريد ادراك مقصد ومغزى كلام الرسالة النبوية المحمدية الشريفة، فلابد لي من امتلاك ملكة التصور الواضحة لاي موضوع اريد معرفة مقاصده واتجاهاته المتعددة الزواية، فأن لم يكن لدي مادة عقلية وذهنية تستوعب مصداق مفهوم المدينة، فكيف لي فهم مقولة الرسول الاعظم محمد ص :(( انا مدينة العلم ..)) ؟. وكيف لاعرابي بدوي ( مثلا ) لم يعش حياة التمدن، ولم يذق حلاوة التحضر، ويعتز بفخر القبيلة، ويعزف عن الانخراط لفهم قوانين الاجتماع ..... ان يدرك مصداق مفهوم المدينة او يدرك مقاصد الرسول الاعظم محمد ص عندما شبه ذاته الشريفة بمدينة علمية ؟. ومن هذا قال اهل العلم ( المعرفة فرع تصور الموضوع ) وامكانية تصور المدينة وفهم قوانينها، وادراك لوازمها، وخبرة حركتها .....، كل ذالك سيساعد حتما بفهم اعمق وادراك اوفق لمقولة الرسول هذه وغيرها من الاحاديث التي تصدر من رسول المدينة ومدينة العلم محمد الكريم صلى الله عليه واله وسلم !. والى هنا ربما وفقنا لايضاح اهمية ان نفهم لوازم المدنية والمدينة اولا لفهم مقولة الرسول الاعظم محمد ص :(( انا مدينة العلم ..)) ثانيا، من منطلق ان فهم لوازم المدينة هو المصداق الواقعي والتصور الانساني الفكري الذي بنى عليه العظيم محمد ص مقولته المشهورة هذه، بل ان مثل تلك التصورات الذهنية التي يبنيها واقع الانسان الحياتي هو الاساس المطلق لكل انسان يريد التعبير عن ذاته وافكاره وتطلعاته بنوع من التشبيه والتعبير والاستعارة ... وماشاكل ذالك، ولكن وبما ان محمدا الرسول ص هو انسانا مدنيا في النشأة التربوية والفكرية، فهو يعبر عن ذاته بادوات التمدن لتقريب الصورة للمؤمنين به وبرسالته ص لهذا قال :(( انا مدينة العلم وعليّ بابها )) !. والان ماهي لوازم مدينة العلم الرسالية النبوية المحمدية الشريفة ؟. او ماذا قصد العظيم محمد ص ب :(( انا مدينة العلم )) ؟. وهل قصد شمول المدينة العلمية المحمدية ؟. أم انه حاول ص ايصال فكرة التكامل في العلم المحمدي لقيام المدن ؟. يبدو ان السؤال الاخير هو مفتاح القضية، وكأنّ المقصود من مقول الرسول الاعظم :(( انا مدينة العلم وعليّ بابها )) هو الاشارة الى ان العلم الرسالي المحمدي الشريف مهيئا تماما لتغطية جميع لوازم المدينة والتمدن، سواء كانت هذه اللازمة عقدية فكرية فلسفية، فالعلم الرسالي المحمدي قد غطى هذا الجانب بما يحتاجه انسان المدينة بحيث ان العلم الرسالي يتوفر على نوعيه راقية وعالية جدا من الفكر العقدي الديني الاسلامي الذي يشبع حاجات اهل التمدن ويرضي من تطلعات المدينة وحاجاتها للعقيدة التي تتمكن من صنع الحضارة !. او كانت لازمة الاقتصاد والتجارة، فالعلم الرسالي ايضا قنن بشكل هندسي ومخطط للحياة الاقتصادية وكيفية تنظيمها عمليا، بحيث اصبحت الفكرة الرسالية الاسلامية المحمدية من اهم الافكار الاقتصادية التي تتمكن من اعطاء وجهة نظر متكاملة لادارة السوق المدنية، مما يعني ان فكرة العلم الرسالي هي قادرة ايضا على استيعاب لوازم المدينة الاقتصادية !. او كانت لازمة ادارية، فمدينة العلم الرسالية هي ايضا من التكامل والقدرة بحيث انها استطاعت ان تصيغ وجهة نظر سياسية مميزة في ادارة شؤون المجتمع الخارجية والداخلية ايضا، وقامت بعملية مدنية مركبة تنظم فيها داخليا خصوصية حركة الحاكم والمحكوم على نفس المستوى الذي يضمن استقرار الاجتماع وتوفير تدبير الادارة فيه بصورة صحية !. وهكذا، لازمة الاسرة، ولازمة الفن، ولازمة الفرد الروحية، ولازمة تقنين القوانين ..... لحياة المدن الاسلامية الخ !. الخلاصة : هي القول ان تعبير المدينة في مقولة الرسول محمد العظيم ص :( انا مدينة العلم ..) وتشبيه ذاته الكبيرة بالمدينة كانت تهدف الى شرح تكامل الفكرة المحمدية وسعة شمولية ابعادها العلمية لكافة حياة المدن الانسانية بلوازمها الطبيعية، أمّا مقولته ص :(( وعليّ بابها )) فهي كلازمة المدن الطبيعية ولكن من جانبها الخارجي وليس الداخلي للمسألة، فعلي هنا من لوازم علم الرسالة المدني الذي يفضي للوصول الى علم المدينة !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |