|
الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي باحث أكاديمي في الشؤون السياسية \ ناشط في حقوق الإنسان تعاني العائلة العراقية من ضغوط حياتية معقدة وتراكمات مثيرة للإحباط وفقدان الأمل. وتجابه هذه العائلة كثيرا من المشكلات والأوصاب التي تجعل من حيوات أبنائها جميعا في أزمات اجتماعية ونفسية غير سهلة. فنتيجة لتدني مستوى الدخل وللمشكلات الاقتصادية المادية تحديدا ولفقدان رصيد التأمين المادي والأدبي الذي يغطي حاجات العائلة ونتيجة لكثير من الضغوط اليومية تنقطع السبل بالعائلة العراقية والفرد العراقي ليبقون في حال من الحصار والاستلاب والضغوط المفرطة العنيفة الأمر الذي تتبدى نتائجه في حالات مختلفة أغلبها تقع في خانة الانحراف والتشوه والانسحاب أو الانكفاء والاكتئاب والنكوص وغيرها من آليات الدفاع اللاشعوري بعد أن صارت وسائل التعامل مع الضغوط غير مجدية بسبب من تناهي حالات الضغط البالغ المفرط .. و[حيث الحلول لا تكمن دائما في البرامج السياسية والاقتصادية حسب بل تحتاج أيضا لجهود الأدوات المعرفية العلمية الأخرى]، أجدني هنا في حال من الاضطرار لدعوة المتخصصين في علم النفس تحديدا لاستكتابهم في بعض المفردات التي سأمر عليها سريعا هنا (لأني لستُ متخصصا) ولكن مروري عليها يدخل في إطار حث المتخصصين وتفعيل أدوارهم والبحث عن إجاباتهم المؤملة حيث يُنتظر من العلماء والأساتذة والمتخصصين وحتى من المتسائلين ممن يضعون أنفسهم على أول طريق التخصص ليدلوا بدلوهم ويجيبوا بطريقة علمية دقيقة من معارفهم على ما تفرضه الوقائع والظروف من أسئلة ومطالب... ومن المعروف أنه في حياة كل فرد منّا وكل جماعة إنسانية حال من التفاعلات والتعرض للضغوط بهذا القدر البسيط أو ذاك المعقد الكبير. وفي ضوء قانون الفعل وردّ الفعل يجري التعاطي مع تلك الضغوط للتخلص من تأثيراتها أو تحجيمها وتخفيف وطأتها بما يسميه علم النفس (فيما يخص الإنسان الفرد أو الجماعة فيما يخص خطابات معرفية أخرى) آليات التفاعل مع الضغوط وآليات الدفاع، كجزء من أشكال ردود الفعل والاستجابات للضغوط المحيطة. وعلى هذا فالدفاع اصطلاح ظهر [كما تشير الدراسات المتخصصة] في منتصف العقد الأخير من القرن التاسع عشر في دراسة لمؤسس علم النفس سيجموند فرويد مشيرا به إلى: الحيل التي يستخدمها الأنا ضد تلك الضغوط المؤلمة أو التي لا قِبل له على تحملها أو التصدي لها؛ وبهذا تكون القصدية من وراء هذي الميكانزمات [الآليات] عملية حماية الذات مما يُقلقها ويثير المخاوف الشديدة أو الحادة عندها. وفي الإطار المعجمي في مجال التحليل السايكولوجي يعرَّف الدفاع بكونه: مجمل الفعاليات الهادفة لتخفيف أو إزالة كل ما من شأنه أن يعرّض كينونة الإنسان للخطر، وعليه فهذي الفعاليات [آليات الدفاع...] تروم [فيما يخص الإنسان الفرد الأمر الذي قد يفيد أيضا في الحديث عن الأنا الجمعي في تناول آخر] خفض التوترات السايكولوجية الداخلية، بغية توفيرالانسجام للجهاز النفسي لديه وخلق الاستقرار واستعادة التوازن بُعيد حالة الانفعال الداخلي وتأثره بالضغوط الخارجية ومتطلبات بيئة الشخصية أو محيطها العنفي في علاقته مع تلك الشخصية أو أناها. وهي [أي الآليات الدفاعية] بهذا تعمل على توفير حال التكيف عند الشعور بالتهديد محاولة العمل من أجل إيجاد شكل مقابل للحماية من الاضطرابات أو المخاطر أو الاحباطات وأشكال الإرهاق بسبب حدة الانفعال والتفاعل والخسائر الواقعة في المستويات الإدراكية الواعية أو الواقعية الحية لوجود الشخصية؛ وتتعدد آليات الدفاع بحسب المرحلة العمرية ودرجات الكفاية والخبرات النفسية وبحسب طبيعة الضغوط وأشكال القلق (*) الناجمة عنها. إنَّ ميكانزمات الدفاع هي فعاليات عقلية تعكس مظهرا من مظاهر شخصية الإنسان الفرد في محاولته التكيّف (**) مع الضغوط الحادة من أجل معالجة الصراعات السايكولوجية العنيفة التي تعتمل في ذاته.. وفي الحقيقة هناك ممران أحدهما شعوري واع والآخر لاشعوري في التعامل مع الضغوط أو تحريك آليات الدفاع..وفي الممر الأول تعبر آليات أو وسائل التعامل (Coping strategies) عن نشاطات يعيها الإنسان وتعبر عن تفاعل قدراته الإدراكية مع الموقف؛ في حين تعني آليات الدفاع (Mechanisms of defense) تلك العمليات العقلية اللا شعورية. إنَّ هذا الحديث عن آليات التعامل وآليات الدفاع وكما ذكرنا للتو يؤكد أن التفاعلات مع الضغوط هي: 1. أما تفاعلات شعورية تتمثل في وسائل الإنسان الواعي في تناوله مشاكله وضغوط أو تفاصيل أوصاب يومه المثيرة المقلقة بوساطة إرادته وفعله الواعي عبر صلابة الموقف أو عبر استبدال هدف بآخر أو بأية معالجات منطقية أو واقعية مناسبة ومتاحة وفي هذه الحال نسميها وسائل التعامل مع الضغوط أو التصدي لتلك الضغوط. وهذه التفاعلات تتنامى وتصير أفضل حالا مع تنمية صلابة الإرادة وقوة الشخصية ومنحها الثقة المناسبة من محيطها.. إنَّ التعامل مع الضغوط تأتي عبر أساليب تختلف باختلاف الأفراد أنفسهم. وهذي الأساليب هي، كما يُلاحظ علماء النفس والمتخصصون، وسيلة تعديل أو إزالة ما يكمن وراء زيادة حدة المشكلة التي تسبب الضغط. أو هي وسيلة التحكم الإدراكي الواعي وفعل استدعاء الخبرات الخاصة لتحييد المشكلة. وهي في موضع آخر وسيلة التحكم بالنتائج الانفعالية للمشكلة في إطار سقف الاستجابة الموفقة للحل. ولكننا في الحقيقة أمام أزمات متصلة متراكمة على صعيد العائلة وهي المحيط الأول للشخصية وكذلك على صعيد كل مفاصل المحيط الأخرى من دائرة العمل والتعليم والصداقات والمنظمات وغيرها. وبشأن المؤسسة الاجتماعية المباشرة في الاتصال بالفرد أي (العائلة) فقد تمّ نخرها واختراقها واستلاب قيمها الإيجابية مذ جعل النظام السياسي من أفرادها توابع خنوعة له يستكتبها التقارير ضد أفرادها جاعلا منهم عيونه الاستخبارية ما أفقد الثقة بينهم [بين أفراد العائلة الواحدة] وهزّ العلاقة الصميمة فيها... أما الغالبية التي بقيت نزيهة نظيفة فإنَّها تقبع تحت تأثيرات السحق المادي وغيره الذي يكبل أطراف العائلة عن التعاطي مع العلاقات الإنسانية الطبيعية بسبب من نير مشاغلتها بلقمة صعبة المنال؛ ولكن الأنكى الجديد المضاف هو سحقها بالإنشغال بقضايا التهديدات اليومية ليس بالقتل والموت الممثل لجزئية أو مفردة من الآلة الجهنمية اليومية إذ بقية المفردات من التعقيد والألم ما يتجاوز طاقات الإنسان الفرد في التصدي له... من هنا تتحيّد وتبتعد وسائل التعامل مع الضغوط لتصبح كل مفردة عقلية واعية حال مجمدة مستلبة لا دور جدي لها... 2. وأما تكون تفاعلات الفرد لاشعورية تتبدى للمرء حيثما يعجز وعيه الفردي وإمكاناته الخاصة عن حل مشكلة أو تحدِ ِ أو ضغط يحيط به كما هي الحال الحقيقية لواقعنا اليومي في داخل الوطن وخارجه؛ إذ يتحول ميدان الفعل وآليات الدفاع في مثل هذي الحال إلى اللاشعور محاولا (هذا العراقي المغصوب المصادر) هنا تحصين نفسه ضد ما أثار قلقه وشخَّص ضغطا أو تهديدا له مسببا توتره إلى حد الشعور بالألم وبعنف الضغوط التي لا يستطيع تجنبها بإجراءاته الواعية ويعجز شعوريا عن معالجتها أو تجنبها أو تخفيفها واختزالها.. والبديل يكمن في تصدي لاشعوره للأمر بوسائل دفاعية تعمل على استعادة التوازن النفسي والراحة وعلى إزالة القلق والتخفيف من آثار الشعور بالفشل والحرمان أو آلام حال الشعور بالذنب مثلا تجاه ذاته أو تجاه أفراد عائلته. وتتبدى آليات الدفاع [أي الآليات اللاشعورية] لدى العراقي أكثر من غيره بسبب من طول مدة الاستغلال واتساع مدى السحق والضغوط المهولة التي تعرض ويتعرض لها في استباحة يومية متصلة مستمرة له... وبغاية التوضيح العام وبعض تطبيقات وبغاية استكتاب المتخصصين نسجل هنا بعضا من أساليب أو وسائل التعامل مع الضغوط وميكانزمات الدفاع وننتظر أسئلة القراء مثلما ننتظر ونتأمل من المعنيين أن يجيبوا عنها بتوسع ودقة وموضوعية علمية: ميكانيزمات التعامل مع الضغوط (إرادية شعورية): * يمكن أن نسجل هنا: التصدي للمشكلة \ طلب المساندة الاجتماعية \ طلب الإسناد الانفعالي \ ضبط النفس \الخيال والتمني \التجنب والهروب \ العدوان \الإبدال. وأنا أترك هذه العناوين لتكون أسئلة بمتناول المتخصصين ليقدموا أمثلتهم في التعاطي معها تطبيقيا وكيفية تفعيلها والارتقاء بها لمساعدة الأفراد والعائلات في التصدي للضغوط المحيطة بهم ولموضع آخر من هذه المعالجة الموجزة السريعة... ميكانيزمات [آليات] الدفاع(لاشعورية): * من المفيد التأكيد على أن عديد من هذه الاصطلاحات التي نسجلها هنا تتداخل فيما بينها؛ وقد تختلط بسبب ذلك، حال التوضيحات وأشكال التناول ما يستدعي تدقيق المتخصصين ومعالجتهم الأمور على وفق ما ورد في بحوث العلماء وفي نتائج التطبيقات الميدانية... ونحن لدينا توصيفات علماء تتفق في الجوهري الغالب وتتنوع أو تختلف في بعض الأمور وهو ما نتركه لمعالجة المختص.. ونكتفي بذكر هذه القائمة من بعض الآليات الدفاعية مثل: التبرير \ النكوص \ الكبت \ التعويض \التحويل \ التكوين العكسي \ التوحد \ التقمص .. المماثلة أو التطابق \ الخيال \ التسامي(الإعلاء أوالتصعيد) \ الإسقاط... التبرير وفيه يقوم الفرد بتبرير دوافعه وأفعاله اللامعقولة تبريرا يدعي المنطق ويتقمصه وبعبارة أخرى يختلق الذرائع والأسباب، وهو من نوع الكذب يُستخدم دفاعيا... والتبرير هو الاحتياط أو الأرضية اللاشعورية لممارسةِ أو فعل الكذب، وقد يكون [التبرير] من جهة أخرى تفسير [مقبول] لسلوك لا يحظى بالقبول. مثال ذلك، أنْ يترك زوج زوجته في المنزل ويخرج للتفريج عن نفسه، فيما هو يخادع نفسه بقوله بأن زوجته تخجل أو لا ترغب بالخروج أو ما شابه من تبريرات... والحقيقة تكمن في هروبه من مواجهة الحظر الاجتماعي والموانع المادية ومن مجابهة التداخلات النفسية والاجتماعية التي يحملها ذاك الزوج إلى جانب ما قد يكون سببا خارجيا من جهة الضغوط الناجمة عن تداعيات العلاقة المتوترة بينه وبين الآخر أو الناجمة عن ضغوط أخرى تستلبه قدرة البقاء في المنزل أو مشاطرة الآخر فعاليته بدل هروبه ومن ثم اضطراره للتبرير وسيلةَ َ دفاعية لممارسة الكذب أو لتمرير سلوك سلبي بعينه\\ ينبغي هنا ملاحظة التداخل بين النفسي والاجتماعي وبين ما هو خارجي موضوعي وما هو داخلي نفسي لاشعوري للتعرف إلى الأدوار وتحديد زوايا التناول ومداخل المعالجة أي للتكامل بين علمي النفس والاجتماع بالخصوص... كما ينبغي لنا البحث في قراءة بعض سلوكيات شخصيات سياسية في تبريراتها لفعلها السلبي وهي البريرات التي تخفي النقص المرضي في سلوك تلك الشخصية فضلا عن النتيجة الأبعد في تمرير الأداء السياسي بكل ما سيجرّه من نتائج سلبية ومصائب... النكوص وهو ما يمثل الرجوع والتقهقر إلى الوراء، وهو كذلك أما رجوع للخصلة أو السمة النفسية من الشعور إلى ما تحت الشعور وإلى اللاشعور تحديدا، أو هو رجوع (زمني) يتبدى في استعمال الفرد لآليات طفولية أو في عودته إلى مرحلة سابقة فتحل هنا أنماط التعبير البدائية محل أنماط التعبير المألوفة للمرحلة العمرية، ويتم اللجوء لهذه الحيلة أو الآلية الدفاعية للتخفيف عما يعانيه الفرد في راهن يومه من خسائر وانكسارات نفسية، فيستعيد ماضيه كونه المليء بالأمان والاستقرار. وعليه فالنكوص بهذا التوصيف استجابة شائعة للإحباط. ويرى فرويد أنّ النكوص يشير إلى مرحلة سابقة للكبت، فالأخير ينطوي عنده على فاعلية وحركة أكثر... وعليه فالكارثة تتسع وتمتد عندما يتحول النكوص إلى تفجرات تنحرف بالسلوك الاجتماعي فتجد تعبيراتها في مسالك سلبية تبدأ بسيطة ولا تنتهي بمحمود عاقبة... ومن نافلة القول أن الشخصية التي تتسم بالنكوص تبقى شخصية غير قادرة على الفعل الإيجابي وعلى فعل البناء والإبداع فهي شخصية تحيا في عالم ماضوي غير مؤهل للفعل المنطقي الصحي الصحيح... الكبت: هو آلية دفاعية تمثل انتقال فعل شعوري ليصبح لاشعوريا فهو محاولة أخرى للهروب من مواجهة الواقع.. وكثيرا ما يجد المرء حرمانا من مطلب أو رغبة أو حاجة نتيجة ضيق الحال المادي أو الظروف الطارئة التي يحياها العراقي بعامة داخل الوطن أو في المنافي وبلدان الشتات أو نتيجة قائمة الحرمانات وأشكال الحظر والمنع والتحريم الجديدة. ولأنَّ الشخص رجلا او امرأة شيبا أم شبابا لا يستطيع التصدي اليوم لكل حظر بقدراته الفردية فإنَّنا سنجد حالات الكبت شائعة متسعة. وعلينا الالتفات لقائمة الحرمانات التي تدفع يوميا وفي كل لحظة لحالات كبت تتراكم وتتعاظم بحجمها النفسي حتى تنفجر في صيغة تدميرية للفرد ولمحيطه.. وفي هذه الإشكالية ينبغي للمتخصصين أن يتناولوا أمثلة تفصيلية ويلتقطوها يوميا من واقعنا ليكتبوا بشأنها ويحاولوا وضع البدائل المتاحة الممكنة على أقل تقدير تعريف الناس بها وخلق وعي أو ثقافة نفسية مناسبة لأنّ العوائل لا يُتاح لها فعل أو إنجاز هذه المهمة ولأن آلية التأثير النفسي والتثقيف تظل بحاجة لصيغ مناسبة في التغذية ورفد الذهنية العامة بها... فقراءة مادة في جريدة أو اطلاع عليها عبر التلفاز هي أبعد تأثيرا في النفس من أن يجري نقلها بوساطة صيغ وعظية عائلية مباشرة... والقضية في مثل هذه الآليات ليست في حالها الفردي وفيما يعتمل داخل الأنا وهي ليست بحجمها العائلي المحدود بل في تداعيات الخصلة الدفاعية في نسيج العلاقات الاجتماعية وفي التعاطي مع المحيط المباشر وغير المباشر للشخصية ما يفرز آثارا غير هينة النتائج تجاه جهود الفرد وأدائه مهامه الاجتماعية العامة أو وظائفيته سواء على مستوى المجتمع المدني أم على مستوى العمل المؤسساتي الجمعي في مجمل حركة مؤسسات الدولة... والمعنى هنا يكمن في سلسلة التراكمات في كبت موقف فآخر وفي التعاطي مع إشكالية فأخرى حتى تنفجر قدرات الشخص على تحمل كبت الأمور وتكون العاقبة أبعد من وجودها الفردي وتتكسر عندها حدود مشكلات الأنا [الفردي] اللاشعورية لتنجم لدينا عن هذا التحطم الفردي مشكلات عامة معقدة متداخلة... والقصد هنا في الانحرافات السلوكية وفي تبني قيم تدميرية وليس القصد في متابعة السمات المرضية الفردية وإن كانت موضع أهمية كبيرة.. ولكنها تظل في إطار تعاطي الفرد والمتخصص فيما نحن بصدد الحديث عن إفرازات الحالة أو الآلية الدفاعية المعنية على صعيد علاقة الفرد بمحيطه ومقدار سلامة بنية المجتمع في ضوء ذلك... التحويل أو النقل والبدل بأبسط مثال هنا بتكسير قدح بدلا من ضرب الشخص المثير للغضب أو تحويل رغبة غريزية إلى رافد اجتماعي يحظى بقبول أكبر ويتسم بالابتكار كما في عملية الخلق الفني (مثلا الرسم كما يقول فرويد). ولكن عدم إشباع الحالة يخلق توترات بحاجة لإزاحة لا تحصل وافية ما يسبب سلوكا بعينه ناجما عن تراكمات عدم التفريغ أو الإشباع.. إننا عراقيا اليوم قد تجاوزنا نسبة الخمسين بالمائة في البطالة وفي الفقر وفي الحرمانات المادية والروحية بسبب من اختزال سلطة [العمامة السياسية] الحاكمة فعليا للقيم الروحية بطقوسيات مقننة بإسقاطات دينية مزيفة تاركين رحابة الأنشطة المدنية الثقافية الروحية الجمالية بل واضعين إياها في خانة المنع والتحريم والتكفير.. بسبب من هذا الاختزال لا يمكن إشباع كثير من الرغبات والحاجات النفسية الروحية للعراقي فيبقى متروكا لتوترات تنتقل به من مستوى (الحالة) السابقة للمرض إلى مستوى (المرض) نفسه بسبب التراكم والاستمرار بتوجيهات قسرية مرضية لمن يتحكم بالسلطتين الدينية والمدنية \السياسية والثقافية... التكوين العكسي ويُقصد به التبني اللاشعوري لتصرف أو سلوكِ ِ، هو بخلاف المشاعر والنوايا أو الرغبات الحقة. كأن يكون للمبالغة في حال الاحتشام في الشأن الجنسي في بعض الأحيان رد فعل لتبدِ ِ ملحّ في هذا الشأن (الجنسي) مما لا يستسيغه أو يقبله الشخص. إنَّ تحميل الطفل والمراهق والشاب والفرد العراقي تعليمات دينية متزمتة بنقل أخلاقيات ورؤى وفلسفات بعينها وإسقاط سمة دينية عليها لفرضها على الناس سيجعلهم فضلا عن حال الشعور بالذنب في موضع آخر من التأثيرات النفسية يجدون أنفسهم في حال من تبني سلوك لا ينسجم والحاجات الروحية والرغبات والخصال التي يستدعيها الوجود الطبيعي للإنسان. وفي هذا الموضع ينبغي الفصل بين المبالغة في توجيه الفرد بقيم تتناقض والاستقامة السوية للنفس البشرية وطبيعتها وبين طلب الالتزام بقيم موضوعية... ومن أخطر الأمثلة الشائعة على المغالطات التربوية وفي مجال بناء الشخصية هي تلك المتعلقة بالشأن الجنسي وما زاد تعقيد نتائج تلك المغالطات هو الانشطار بين الواقع الحقيقي وبين التوجيه القمعي المتشدد والقائم على عقلية ساذجة من المنع والحظر غير المسبب لا منطقيا موضوعيا ولا حتى دينيا عند النظر لمنطق الخطاب الديني الصحيح... ويمكننا أن نذكر أمثلة من حالات الحظر على الحلاقين ومحلات الزينة على سبيل المثال أو على محلات أو فرق الموسيقا أو على الرياضات مثل الملاكمة أو كرة القدم وعلى فرض أزياء وطرز ألبسة ما عرفها المجتمع العراقي في عصره الحديث والعودة بنا لارتداء أزياء من أزمنة انقرضت في بنيتها وبيئتها ومتطلباتها وصارت المظاهر الخارجية هي كل شيء عند المتحكمين بمقاليد السلطة فتجاوزوا بذلك ما يعتمل في النفس الإنسانية من مشاعر ومن تفاعلات لا تجد من يحترم لها قيمة أو وجودا أمام تظاهرات مشروع، خطابه الخارجي ديني وهو في جوهره خطاب سياسي قمعي ليس نتيجته عندما يعجز الفرد عن التعاطي مع مطالبه القسرية سوى ما نشير إليه هنا من هذي الآليات الدفاعية اللاشعورية! التقمص أو التطابق وتتم بتمثل سمات شخص آخر وجعلها مكونا أو نموذجا لشخصيته.. والمماثلة أو التطابق هو التبني اللاشعوري لخصال أو سمات ونشاطات شخص آخر في الغالب من أجل تخفيف ألم الخسارة أو الفراق. على سبيل المثال، يمكن أن تقوم أرملة بأعمال كان يقوم بها زوجها الراحل، أو أنها تستعمل الأشياء نفسها التي كان يستعملها من دون تقصد واع بالأمر. ونحن هنا بصدد ردود فعل لاشعورية تبعد الشخص عن التعاطي مع واقعه وبيئته بطريقة موضوعية منتظرة على الرغم من أن ما يقوم به يخفف عليه وطأة الألم.. ولكننا بحاجة للانتباه إلى نتائج ترك الشخصية لآليات دفاعية لاشعورية لا تكون بالضرورة مجدية بنتائجها العامة وإن أفادت فرديا في حدود حلمية أو مفترضة فهذه آليات تطمينية داخلية ولكنها قد تتعارض مع المنتظر اجتماعيا من الفرد وهي في الحقيقة تضعه في موضع الاحباط وفقدان الأمل وفي مفارقة قدرات الخلق والإبداع أو العمل والمشاركة في البناء الجدي الموضوعي العام... إذ العمل الاجتماعي يتطلب شخصيات مستقلة صاحبة قرار وفعل وليس نسخا ضعيفة تعتمد على [أو تسيّرها] آليات نفسية لاشعورية... ويكثر استخدام هذا الميكانيزم الدفاعي لدى الشخصيات التي تتسم بوظائفيتها ذات الأنماط العقلية من مثل الشخصية الفصامية أو البرانوية (صاحبة هذيانات العظمة والاضطهاد) أو الشخصية المتسمة بالهوس. وليس المقصود بهذه الأمثلة أن هذه الشخصية مريضة بل هي أساسا شخصية ليست مرضية وإنما نمط سلوكها وتكوينها الداخلي أخذ هذه السمات بسبب من طبيعة الضغوط التي تتعرض لها ولكن المشكلة في النتائج المنعكسة في طبيعة الشخصية وأدائها. التســامي ( الإعــلاء أو التصعيد): وهي آلية دفاعية يستخدمها الفرد عندما تضيق به الدنيا وتحاصره فيتعاظم التوتر حتى أشدّه. ويمثل استخدام آلية التسامي إشارة واضحة إلى الصحة النفسية المميزة. وبوساطة الإعلاء أو التصعيد يرتقي أو ينتقل الفرد بسلوكه العدواني المكبوت إلى فعل آخر مقبول فرديا وجمعيا، ويمكن عدّ ذياك التمسك بالمبادئ وبالقيم الإبداعية الفكرية والجمالية أمر يعود في بعض أسبابه إلى حالة التسامي تلك. ولكن يبقى للتسامي ممران: أحدهما سلبي عندما يتحول الفرد إلى العزوف عن الحياة والانقطاع لممارسة الدين من بوابة طقوسية بحتة.. وإيجابي بمقدار ظهور القدرات الإبداعية في مختلف مجالات الفكر والمنطق العقلي؛ وبعامة تبقى هذه الآلية الدفاعية عاملا لتخفيف وطأة الصراعات والتوتر بتحويل آثارها باتجاه مجالات مفيدة صائبة ومقدَّرة من المحيط الاجتماعي. إنَّ القوى السياسية التي تتستر بالدين تستغل توجه الشخصية العراقية للتسامي بتقديم صكوك البراءة وادعاء إمكان إبعادها عن الشعور بالذنب أو الأثم تجاه الذات الفردي والجمعي عبر تقديمها فلسفة الانغماس في طقوسيات مزيفة مرسومة بطريقة تخترق الذهنية المتسامية لكنها في الحقيقة تأسرها أو توقعها في قيود بديلة. ويحصل هذا من بوابتي استعادة مفردات طقوسية كالعزاءات والأفراح المقامة على شخصيات تاريخية دينية محبوبة وإسقاط سمات التعبد والقدسية عليها وجعلها واجبا دينيا بديلا [مطلقا] عن العمل في زمن لم توفر تلك الأحزاب [الإسلاموية] الحاكمة فرص العمل لثلثي الشعب المشمول ببركات البطالة.. حيث يُزعم أن [الزيارة] و [اللطم] و [والتطبير] و [إيذاء النفس بجلدها] وطقوسيات أخرى شبيهة تكفـِّر عن [كل] الذنوب!! فتـُعلي تلك القوى من شأن الأفعال الطقسية سامحة بترك العمل والحركة وأفعال البناء والإبداع بلا شعور بذنب!! وهذه مفردة في واقعنا نحن بحاجة لتملّي الأمور ودراستها بمنطق علمي مناسب ودقيق لنضعها بين أيدي أبناء الشعب واضحة مفهومة ولنحول دون مواصلة مطاردة الإنسان العراقي حتى في داخل آليات دفاعه النفسية الداخلية الباطنة حيث تتصل رحلة العسف والاستلاب والاستغلال وتعاظم هول الضغوط بحصارين خارجي استباح كل شيء وداخلي هذه المرة صار يبحث عن وسائل امتلاك مفاتيح الناس حتى في أنفسهم وبواطن مسالكهم التي يحاولون بها التخلص من تناهي حجم تلك الضغوط ولكن من دون جدوى بسبب من حال الاستغلال والاختراق الجديدين... و من ضمن ما يستتبع القراءة والدراسة المفيدة بهذا الخصوص موضوع الإسقاط. projection: وهو ما يعني إطلاق الأفكار والانفعالات الموجودة في داخل الفرد خارج ذاته؛ أي يسقطها شخص على المحيطين به ويتبدى الأمر في أشكال عديدة، منها: الغرور المفرط، والغيرة الزوجية، والأنانية الجشعة والشك المرضي وهذيان الاضطهاد؛... وسأترك للحلقة التالية من هذا الموضوع فرصة للتوسع في قراءة مفردات جديدة منها تحديدا مادة (الإسقاط) وتطبيقها على بعض سلوكيات مرضية في حيواتنا؛ واضعا بين يدي المتخصصين فرصة التداخل والتعليق وتقديم الدراسة المتأنية المفصلة والمعتمدة على أصول علمية دقيقة مع تطبيقاتهم بشأن هذه الآليات بطريقة تساعد جمهور القراء على زيادة وعيه بالمعارف السايكولوجية والسوسيولوجية بما يدعم إمكاناته على التصدي الواعي لمشكلاته من جهة وعلى التعرف إلى الحلول المناسبة بالخصوص... * القلق حالة خاصة من الضيق يجري تفريغه عبر ممرات محدودة .. وهو رد فعل على تهديد مثلما يمثل الخوف استجابة انفعالية للخطرسواء كان الخطر حقيقيا أم متوقعا مفترضا، والقلق إنذار بالخطر، ينبيء الأنا أن شيئا ما ينبغي فعله بطرق منطقية عقلانية (واقعية) أو أخرى غير واقعية تتمثل في آليات الدفاع التي أشرنا إليها... وكما نلاحظ فالقلق أما واقعي ناجم عن تهديد ملموس موجود في محيط الشخص. أو أخلاقي متمثل في الخوف من الضمير أو الناجم عن الصراع مع الأنا الأعلى.. أو القلق العصابي المتمثل في الخوف من خروج الرغبات عن الانضباط، ويشتمل على الخوف من العقاب المستتبع لذلك.. ** التكيف تكون كلتا حالتي الآليات، أما تكيفية adaptive أو غير تكيفية maladaptive، تتضمن الأولى (التكيفية) تجنب المواقف التي تسبب الألم distress ، واتخاذ الموقف المناسب من المصاعب. وتتضمن غير التكيفية تأثيرا مؤقتا في تخفيف الاستجابات الانفعالية للضغوط، ما يجعلها غير مفيدة في المدى البعيد. وأمثلة الأخيرة حالات الإفراط في تناول الكحول أو العقاقير، والسلوك المتكلف histrionic behavior ، وإيذاء النفس المخطط له. ويمكن لما هو تكيفي أن يتحول إلى غير تكيفي إذا ما استُعمِل طويلا؛ بمعنى كون سلوك التجنب يمثل استجابة مناسبة في حينه ولكنه بمضي الوقت سيتعارض وحل المشكلات أو تخفيف الضغوط...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |