أسس الرصيد العرفاني الثوري .. للإنسان المسلم المعاصر
 

احمد الحسني البغدادي
alsaed_albaghdadi@yahoo.com

إن الإنسان العرفاني قادر على التعبد بمنهجه الخاص المستقل الملامح الاصيل الخصائص .. بـ ((الاتصال)) مع الله العلي القدير، بما يملك من قوة إيمانية صميمية .. وبـ ((الانصهار)) مع الطبيعة، بما يملك من قدرة عقلانية معمقة .. وبـ ((التفاعل)) مع الجماعة البشرية، بما يملك من مقاييس أخلاقية نموذجية .. وخاصة ونحن ندرك عناصر هذه المبادئ الثلاث على هذا النحو .. فأن هذا الإدراك الاساسي بطبيعته قوة مستقلة، ويقظة انقلابية وجدانية دائمة في الإنسان المسلم من مفهوم عام كمصدر وقاعدة لها لا يمكن أن تكون حصيلة الرغبة الذاتية المجردة، بقدر ما هي حصيلة لجملة من المكونات والشروط والسمات والعوامل الذاتية والموضوعية المستمدة من مصادر التشريع الاسلامي الاصيل .
إن إنسان الإسلام الخالد .. إنسان لا يخلو من جاذبية عناصر هذه المبادئ المشتركة العامة .. كحقيقة عليا نهائية تتخذ طابعاً متفاعلاً ثورياً جدلياًَ فيما بينها، لأنها تشكل قاعدة لكل شيء، وتسود كل شيء .. لهذا كانت الشخصية العرفانية تنضج وتنمو وتتفتح سماتها المتميزة، وتزداد كمالاً وتكاملاً عقلانياً، كلما ازداد عمق هذا الاتصال، وهذا الانصهار، وهذا التفاعل .. باعتبارها التعبير الاصيل عن حقيقة الوجود الاسلامي الحضاري للامة ..

تلك هي عظمة المبادئ المشتركة العامة في تكوين شخصية الإنسان العرفاني المسلم بشكل يعبر عن طبيعتها لأجل أن توجد الشخصية الانسانية العالمية الوحيدة الفريدة .

وهذه عظمة الإسلام الخالد في منطلقاته العرفانية الثورية .. وهذا أمر أثمن من كنوز الارض .

ولم يكن ذلك غريباً .. لأن منطلقات الإسلام هي التي خططت في صياغة الإنسان .. صياغةً سليمةً، ونضجاً صحيحاً، واستقامةً هادفة .. من خلال هذه المبادئ المشتركة العامة .

ويستحيل عليه أن ينتهي في موقف ما .. بسبب حقيقته يستطيع أن يحيا عندما يخلق بالاعتماد على إيمانه .. وأخلاقيته .. وعقلانيته .. وبالارتباط الصميمي مع الاخرين، نظاماً يسوده القصد الواضح الشامل نحو الافضل والاحسن والارقى .. بعد أن يتجاوز حدوده، يجد نفسه مسوقاً إلى إيجاد حل لكل مشكلة من المشاكل الاساسية، من خلال مبادئه الاخلاقية العرفانية، يكافح في سبيلها، يحقق ذاته في حركة تجاوزه، وبذلك يرتفع إلى قمة السلوك العرفاني، ويكون أداة فاعلة في عملية ناء الشخصية العرفانية من جديد .

إن الإنسان كلما اعتمد على هذه المبادئ المشتركة العامة :

استطاع أن يحقق وجوده الخاص، ككائن حي يحرك الحياة، ويتحرك في داخلها ..

واستطاع أن يهز القلوب البليدة هزاً، ويوقظ العقول الفانية إيقاظاً ..

واستطاع أن يعمق الروح الاقتحامية الوثابة .. لمواجهة الواقع وتحدياته، وإخضاعها لبرنامج، وتعويدها الحلم والانضباط مع إشعار النفس باستعلاء العقيدة على كل مصلحة، وعلى كل مكسب ..

واستطاع كذلك أن يؤكد التعامل الإلهي، والتفاعل المادي، والسلوك الاخلاقي .. المنسجم وقيم الامة الاصيلة ..
ومن ثم .. يجد حلاً جديداً لتناقض يعانيه، وانسلاخاً تاماً عن التقاليد، والعادات، والاوضاع، والتصورات، والممارسات الجاهلية التي هي نتاج مرحلة فقدان الشخصية العرفانية .

وحينئذ يكون إقرب إلى حقيقته البشرية الانسانية التي تفرض التجاوز الثوري، والصراع الحضاري .. كقوة دافعة فاعلة .. تستطيع أن تولد التوازن في الشخصية العرفانية المتكاملة، التي كانت تولده في المؤمنين الاسلاميين الأوائل .

هذه هي خصائص المبادئ المشتركة العامة .. تميز شخصية وجود الإنسان المسلم العرفاني عن كل وجود في العالم بمقوماتها الخاصة، وقيمها الخاصة، وطابعا المميز .

وهذه هي خصائص المبادئ المشتركة العامة :

· الاتصال مع الله ..

· والانصهار مع الطبيعة ..

· والتفاعل مع الجماعة ..

وهي العناصر التي تزود الداعية بالرصيد العرفاني الثوري، وتقدم الدعوة على منهجها الواضح الخاص من الله، والى الله، وعلى الله : وكفى بالله وكيلاً .

ونتائج تمزق الشخصية العرفانية وتداعيها من لدن الفرد وهي :

عدم شحن طاقته على صياغة طموحه ومستقبله .. وعدم كفايته لإيجاد التقارب والتعارف في صياغة طموح ومستقبل الاخرين بالنظرة الواقعية بصورة مباشرة، أو غير مباشرة لأن من يفقد شخصيته العرفانية، خسر إنسانيته العليا، وينزل إلى إنسانيته السفلى حيث يلتقي بالحيوان التقاء القريب بالقريب .

ونتائج تمزق الشخصية العرفانية وتداعيها من لدن الفرد هو : عدم كفاءته لابتكار أطروحة إنسانية فريدة منتزعة من منطلقاته عن العوالم الكونية .

وبالتالي يغدو إتكالياً على عناصر حضارية رجعية غريبة من منطلقاتها النظرية والعملية، فينتزع منها، ويسقط في منحدر سحيق في عدائه السافر ضد منطلقاته الخاصة والعامة .

إن اقرب الامثلة إلينا في هذا الشان يبرز في الوضعية المعاصرة التي يعانيها الإنسان المسلم من نتائج مرحلة التردي، فإنه خاسر المكونات الرئيسية ذات العمق الحضاري الإنساني، المعبرة من روح واصالة تلك الامة الرسالية المرحومة المجيدة .. ومن ثم لا يملك الكفاءة العميقة في ابتكار نقلة نوعية عرفانية إسلامية للحضارة غير المحدودة بالغد الجديد، أو بمعنى آخر هو : مفروض عليه في الاقتناص من حضارة أوروبا الاستكبارية مما قد يجعله بعيداً عن الشريعة الاسلامية القائدة .. وعدم كفاءته في تغير منطلقات الإسلام العرفانية إلى حقيقة عظيمة كأساس لعناصر التقدم والانبعاث الحضاري الحركي من صورة شاملة لبناء العالم والانسانية من جديد .. بناء تتحد فيه النظرية والتجربة، والفكرة والإرادة، والأصالة والتجديد، والفعل والتأمل، والشعور والسلوك، والإيمان القلبي، والإحساس العملي، والروح والمادة، والماضي والمستقبل.. دون حدوث نتائج سيئة تستنزف قواه (أي الإنسان) وحيويته وقابليته على الحياة، فتقلص عن متابعة وسيادة الواقع في التحولات والمنجزات الكبرى التي تبرز فيه .

بيد أن التحدي الاجنبي الذي واجه الإنسان المسلم لم يتمثل بدور الغرب وحسب، على الرغم من مخاطر هذا الدور، وإنما تمثل كذلك بروح التبعية الفكرية، وبالسياسة الذيلية التي اتبعتها الاحزاب اليسارية واليمينية من حملة الجنسية الاسلامية في الوطن الاسلامي الكبير .

وبكلمة أخرى أن تمزق الشخصية العرفانية في روح الحوزة الاسلامية الحاضرة وتنظيرها .. تبرز على المسرح الحياتي بشكل سافر إذا ما أخذنا في حساباتنا الدقيقة أن واقعية آيديولوجيا الإسلام في الارض كل الارض، ليست مقيدة ضمن الاطر العنصرية، أو القطرية، أو الاقليمية، أو البيئة الخاصة .. وإنما ممتدة امتداداً أفقياً في كل الاطر المطروحة .

ومن وظيفة الشخصية العرفانية لو قامت بمهامها (كما نراها عبر تجربتها في معترك الحياة، ومصطرع الاحداث) أن تحدث انعطافة فكرية رسالية رائدة، ونقلة نوعية عملاقة .. تتفاعل في الجماعات الاسلامية في أصقاع الارض، بما تمتلك من مقاصد وآمال جديدة تبثها فيها بشكل ديناميكي حسي يتسع للتطورات والتحولات والمنعطفات الجديدة، مما يجعل وجود شريعة الإسلام ذا مظهر من مظاهر الانسجام والتجانس والوفاق .. تتجاوز حدود الزمان والمكان، وإن أي استلاب لهذه الشخصية يعني بالأساس استلاب لقدرة الإنسان على الخلق والابتكار والابداع، بل عاجز عن الامتداد مع حركة التأريخ والتأثير فيها .

وهذا بعكس الشخصية العرفانية الرسالية التي لم تنهض بمهامها بالشكل المطلوب على الساحة الاسلامية .. فإن التحصيل الحاصل فعلاً هو واجهات اجتماعية وسياسية لكل تجمع من التجمعات منها وحدها، وهذه هي الحقيقة الواقعة تنشئ بين التجمعات الاسلامية تحاجزاً واعياً، جعل ثمة أجواء إسلامية متحاجزة وراء قيود رومانتيكية صاغة ذاتها.. وبالتالي تنهض الغموض، وتغرق في منحدر الوحل الذي تتمرغ في المستنقع الكريه، ولا تستقر بشرعيتها العقيدة الاسلامية، لانها ليست وصفاً تبريرياً للحقيقة الواقعية، هي موقف تقيمي قياسي في نقض الحقيقة الواقعية تدل على نوع المنعطفات التاريخية التي يجب إنجازها، وتكشف عن الشرائح الاجتماعية التي يجب تغييرها وترتب تأثيراتها، واستجاباتها وفق منهجيتها التي تريد .

وعلى أي حال .. على الرغم من تكالب قوى الاستكبار والكفر العالمي المضاد لمبادئ الشريعة الاسلامية العظيمة لمستها عن طريق تورط الامة في الصراعات المذهبية، والنزاعات الانشقاقية التقليدية تتقاذفها الاهواء، وتتناوحها الهواجس، وتتخاطفها الهواتف، وتمزقها الحيرة، وتقلقها الشكوك، ويضطرب سعيها هنا وهناك، وتتأرجح مواقفها إلى اليمين والى اليسار(1)، وهي لا تلوذ من حيرتها بركن ركين، ولا بملجأ أمين .. ولا تزال توجد (ولله الحمد) في أصقاع إسلامية أشياء من ملامح هذه الشخصية الملتزمة ممثلة من الاسلاميين من عباد الله الصالحين المتدينين المتنورين الناهضين الذين لم تتمكن قوى الاستكبار والكفر العالمي الحديثة من تلويثهم (2) في منحدر الميوعة والترهل والخفة والتردد والتذبذب.

لهذا فعلى القيادات الاسلامية المعاصرة أن يقدموا التضحيات الجسام، من أجل أن تسود معالم الشخصية العرفانية الشمولية التكاملية.. عقول وخيالات الاجيال الطليعة الجديدة، وتولد فيهم المبادئ المشتركة العامة :

الايمان .. والعقل .. والاخلاق .. وهذه هي الحقيقة الهادفة، لأن الشخصية العرفانية الرسالية المستقلة هي التي لا تفهم لغة الاستسلام في موقف عصيب، ولا ممارسة الازدواجية في عمل رهيب، والتي تنتزع أصالتها وتحديها من أصالة الإسلام وتحديه .

وشمولية منطلقاته، وتكاملية مناهجه، كذلك هي ــ على أصالتها وتحديها ــ تتسم بالمرونة الثورية، والاخلاقية التسامحية، قد صاغتها أبعاد الإسلام التسامحية، وأنضجتها أخلاقياته السامية .

وهذا التوازن في الشخصية العرفانية الاسلامية ضروري للانسان المسلم المعاصر، كي يقف الوقفة الصلبة رافع الرأس، ولا يحني رأسه، الا لله، وشريعته الكونية .. مطمئن الفؤاد، لا يقلق، ولا يتزعزع، ولا يرجو، ولا يخاف أحداً، إلا الله .. رابط الجأش في الضراء، قرير النفس في السراء، لا تستطيره نعماء ولا بأساء .

بيد أن هذه الشخصية العرفانية أشد ضرورة للقيادات الاسلامية التي تتحمل تبعة ارتياد الطريق .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

-------------------------------

(1) كما أجد في هذا الزمن المنحوس ان الحزب الشيوعي العراقي وحزب الدعوة الإسلامية بشقيه والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذين دخلوا في مسرحية العملية السياسية في العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي الاستشراقي التوراتي المباشر وانسلخوا عن مبادئهم و ثوابتهم التي لاتتغييروالتي لاتتبدل وانكشفت كل أوراقهم بان تأسيس هذه الواجهات السياسية هي طبخة من طبخات المخابرات الأجنبية.

(2) كقيادة حزب الله/ لبنان المتمثلة بأمينها العام الفارس العربي المسلم سماحة السيد حسن نصر الله.. وقيادة حركة حماس المتمثلة برئيس مكتبها السياسي الأخ القائد خالد مشعل وغيرهما من الحركات والأحزاب الثورية في الوطن العربي والإسلامي

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com