|
نفط وقحط...!
أرضنا غنية بالنفط الذي هو رزق العباد, لكن الرزق الذي أنعم الله به علينا قد تحول إلى أرقام لا قيمة لها أو أثر في حياة الإنسان. فالنفط يتدفق من الآبار بسهولة متميزة وبكلفة لا مثيل لها , لكنه حالما يعبأ في بواخر النقل حتى يتحول إلى أرقام في البنوك العالمية , وأسواق الأسهم التي تتضارب وتحيل كل رقم إلى صفر ببرهة من الزمن, وبعد أن تختلق الذرائع اللازمة لذلك , فينتهي ما تعطيه أرضنا إلى حيث يكون صفرا, أو وسيلة لرهن مصيرنا. وكما تعرفون فنحن نعيش مرغمين , زمن اشتعال أسعار النفط وتجاوزها للمائة دولار للبرميل الواحد بكثير. ومعنى هذا أن واردات النفط قد تضاعفت بوقت قياسي وأصبحت تحسب بالبلايين وليس بالملايين وربما بأكثر من ذلك بعد حين. وفي خضم هذا المعترك الذي يشير إلى تنامي العائدات, يتساءل ابن الأرض النفطية عن ماذا سيجني من وراء هذه الأموال الخيالية للنفط. فهل سيصيبه شيء منها, وهل ستتحسن حالته المعيشية , وهل سيسكن في بيت نظيف ولائق, وهل ستبنى المجمعات السكنية والبيوت الجاهزة للناس لكي يتفاعلوا مع الحياة براحة ودعة وأمان. وهل ستلغي هذه العائدات مشكلة السكن وستوفر فرصا للعمل فتقضي على البطالة وهل ستساهم في برامج الرعاية الاجتماعية وحل أزمة النقل وتوفير وسائط النقل للمعلمين والمدرسين وغيرهم. ويظل المواطن يتساءل, لماذا أعاني من الفقر والإهمال وعائدات نفط بلادي تجاوزت البلايين. لماذا لا نمتلك مدرسة حديثة في مدينتنا , ولماذا لا توجد عندنا مكتبة عامة ونوادي رياضية وترفيهية ولماذا لا تكون شوارعنا نظيفة ومرتبة وجميلة, ولماذا لا نعتني بالأشجار والنخيل والمساحات الخضراء والغابات في القرية والمدينة , وكذلك المناطق السياحية والمتنزهات والبحيرات الاصطناعية, ولماذا لا نمتلك نظام مواصلات جيد. ولماذا رواتبنا لا تكفي لسد أود العائلة , ولماذا لا تكون مثل رواتب الموظفين في الدول المتقدمة. لماذا ولماذا , تساؤلات تدور في عالمنا النفطي, وتجابه بالأرقام التي لا قيمة لها ولا معنى في حياة المواطن الذي هو صاحب الحق الأول بأموال النفط. فإلى أين تذهب هذه الأموال وكيف يتم استخدامها أو تبديدها , ولماذا لا يوزع بعضها على المواطنين؟ هل مَن يراقب؟ وهل مَن يحاسب؟ لا بد من يقظة وطنية وشعبية ونظام مراقبة ومحاسبة وتوثيق وتدقيق صارم ومسؤول , ولا بد من العدالة والصدق مع النفس ومع الشعب. فهل أن الشعب أرقام, مثلما هي عائدات النفط أرقام وحسب, والبلايين منها تذهب لإنقاذ أسواق المال والأسهم العالمية ومن ثم تتحول إلى ذلك الرقم السحري الذي اكتشفه العرب والذي نسميه صفرا. الشعب يتساءل عن معنى زيادة واردات النفط, والتي تعني وفقا لأبسط قواعد وبديهيات المنطق والأصول المتعارف عليها في هذه الدنيا القلقة , أن هناك رفاهية وتقدم على جميع المستويات. وأن الدولة عليها أن تضخ الملايين من الدولارات في الإعمار والبناء وليس في البنوك الأجنبية لزيادة أرصدتها الرقمية التي تجاوزت الستة أرقام بكثير جدا. لكن العجيب في أمر الدول النفطية , أنها ما أن تتحقق الزيادة في عائداتها , حتى تؤسس شركات الأمن وبيع الأسلحة مشاريعها من حروب وأزمات لكي تأخذ الأموال وتبيع السلاح. وقد ترافقت زيادات أسعار النفط دائما بالحروب التي تضمن تطور شركات الأسلحة وتنامي أرباحها على حساب البشر المقهور بالنفط. إن زيادة عائدات النفط يجب أن تعني السعادة والتقدم والبناء وحرق مسافات التأخر والوصول إلى مصاف الدول التي نسميها متقدمة. وإن لم يحصل هذا فأننا نمارس سياسات لا ترحم نفسها ولا شعبها ولا تدين إلا بمنهج الحيرة والضياع , وتلك مصيبة جديدة مرعبة. فبعد سياسات الحروب التي أحرقت عائدات النفط وعلى مدى أكثر من ربع قرن, ربما قد أصبحنا في ظل سياسات تؤدي إلى ذات النتيجة التي عنوانها العناء والفقر وأزمة سكن وتدني بتوفير الحاجات الأساسية للحياة , في القرية والناحية والقضاء والمدينة أيا كان مستواها الإداري والسكاني. وكأننا أمام حالة جديدة ربما ستؤدي إلى ذات النتيجة. وفي الختام , لا بد من الوعي الاقتصادي الجماهيري والإحساس بأهمية الاستثمار الوطني المفيد , وأن يكون مشروع الانتخاب السياسي مبنيا على مدى التقدم والتطور الاقتصادي وتقديم الخدمات للناس, وتحقيق أمانيهم وتقليل مصاعبهم وتسهيل معيشتهم وتوفير أسباب الرفاهية والأمان والمحبة والسعادة لهم. وإلا فما قيمة العائدات التي تكون أرقاما ثم نحيلها أصفارا وندعي أننا من بلاد النفط؟! يا نفطنا ماذا جرى بأرضنا حرب على حربٍ بها توقدت فبلادنا تأججت آهاتها وأهلها من ضيمها تهجّرت من يأسها تقددت يا نفطنا أنت الأسى أنت الردى لجهلنا وصراعنا وظلمنا لبعضنا فامضي إلى خرابنا واجني على جميعنا... تبا لك...يا ضدنا...!؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |