|
الحضور العربي، بكائية عراقية دخلت من الشباك!
بقلم رياض الحسيني/ كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل حقيقة لا أجد تفسيرا مقنعا حول المطالبات العراقية المستمرة الحكومية منها او النقابية او الشعبية وهي تستجدي الدول العربية شعوبا وحكومات لكي تتواجد في العراق اسوة بباقي الاقوام من ترك وفرس وروم. من المؤكد انه سيوافقني الرأي الكثير من العراقيين ان العرب سواء اكان لهم وجود على الساحة العراقية او لا فالامر سيان! لكن البعض الاخر سيجد في طرح مثل هذا انه لايرقى الى مستوى المصير الواحد المشترك والعلاقات العربية العربية من المؤاخاة والمؤازرة في اوقات الحزن والشدة او الوهن والضعف وهي مايراه الطرف الاخر شعارات قد أكل الدهر عليها وشرب خصوصا والعالم قد اصبح قرية صغيرة في فورة الثورة المعلوماتية. التأريخ القريب اثبت بما لايقبل الشك ان العلاقات العربية العربية لاتختلف عن مثيلاتها مع الدول الاخرى ان لم تكن العلاقات العربية مع غير العرب انجح واكثر فائدة. خذ مثلا الدول الخليجية تعتمد على العمالة الاسيوية رغم البطالة التي وصلت حدا لايمكن التنبؤ بما سيجلبه في كل الدول العربية تقريبا ورغم ذلك فقد وصلت اعداد العمالة الوافدة الى دول الخليج 12 مليونا ونصف المليون وهو مايشكل نسبة 38.5% من مجموع السكان الخليجيين وذلك وفقا لتقرير اعدته فضائية العربية في العام 2004 حول العمالة الوافدة الى منطقة الخليج. فمثلا تشكل نسبة العمالة الوافدة الى الامارات العربية المتحدة وحدها مانسبته 80% من عدد السكان الاصليين! أليس هذا رقما مهولا يستحق التوقف عنده وعند تداعياته الآنية والمستقبلية؟! الجدول التالي يبين نسبة العمالة في دول الخليج.
هذا الحجم من العمالة الوافدة ورغم ماتقدمه من خدمات للبلدان التي تستضيفها فهي ايضا في المقابل تشكل ضغوطا اقتصادية وأمنية هائلة نظرا للتحويلات المالية التي تقوم بها الى بلدانها الاصلية حيث تقول اخر الدراسات ان 18 مليار دولار قد تم تحويلها من السعودية في العام 2003 فقط. ورغم كل الصعوبات والخدمات على حد سواء فلم تتباكى اي دولة من هذه الدول على "التواجد العراقي" أو "الحضور العراقي" الذي جعلت منه بعض الاوساط العراقية اسطوانة اقلقت راحتنا نحن الاغلبية الصامتة وراحة المعنيين. العراق يعتبر من البلدان الغنية على جميع الصعد سواء الاقتصادية منها او البشرية فمثلا لسنا كبقية دول الخليج الغنية اقتصاديا الفقيرة بشريا التي هي دائما بحاجة الى العمالة الوافدة، هذا من جهة اما من جهة اخرى فأن الحضور الدولي في العراق اليوم كبير وسواء أكان العرب جزءا منه او لا فأن الاحداث تؤكد انه لن يوقف العجلة ولن يقدم او يؤخر بقدر ماسيقدمه هذا الحضور لتلك الدول من نفع ومردودات ايجابية على جميع الصعد، فلماذا اذن تلكم البكائية العراقية؟! العلاقات العراقية العربية لم تكن على مستوى العلاقات الدولية المتعارف عليها من الاستقلالية والاحترام المتبادل ولا باي عهد من العهود واستمر ذلك حتى في اوج "التلاحم العربي" ضد "الهجمة الفارسية" على البوابة الشرقية للوطن العربي والتي كانت الخلافات ولازالت تصل حد الهام والتي توّجها صدام حسين باستباحة الكويت عسكريا ودك السعودية بالصواريخ! أما العلاقات مع الدول العربية الاخرى فقد كانت في تلك الفترة علاقة استعلاء فوقية تعامل صدام حسين معها من باب التابع والمتبوع وهو ما أثار سخط واستياء حكومات تلك الدول على العراق حكومة وشعبا! لذا فتصوير انكفاء الدول العربية عن الحضور في العراق على انه "حب في صدام حسين" ليس صحيحا لان هذه الدول كانت من اشد الدعاة للتخلص من صدام وحكمه لما كان يشكله هذا النظام من قلق دائم وتهديد مستمر على استقرار المنطقة برمتها. عدم التفاعل العربي مع ماحصل في العراق لايمكن تجريده بطبيعة الحال عما حصل من تغيير في نظام الحكم في العراق والشكل السياسي لطبيعة هذا النوع من الحكم وماسيجره مستقبلا على الانظمة العربية المجاورة وبالتحديد الخليجية وعدم الحضور هذا هو بمثابة عدم مقبولية مايحدث في العراق ورسالة احتجاجية لاتقل عن البكائية العراقية! لكن مثل هذه التصرفات اثبتت فشلها وعجزها عن التغيير للافضل فضلا عن عدم مشروعيتها. الحقيقة الميدانية تقول ان هذه البكائية سياسية من جهة ودعائية من جهة اخرى وان كانت النداءات الموجهة في كثير من الاحايين قد بدت "استغاثة" يوجهها بعض السياسيين ويلتقي معهم بعض المثقفين الذين في الحقيقة لايشكل لهم الحضور العربي اي هاجس ولكن نظرا للحضور الايراني اللافت للنظر وعلى جميع الصعد الاقتصادية والامنية على وجه التحديد. هذا الحضور الايراني المهيب يقلق راحة البعض منا لاسباب حزبية من جهة ودعائية من جهة اخرى والتي يترجمها التباكي على الحضور العربي في العراق! ناهيك عن المزايدات والارتباطات لبعض الاحزاب المحلية ببعض الدول العربية ماديا فكما هو معروف ان بعض البلدان الخليجية تدعم تلك الاحزاب وترفدها بالمال تماما كما تفعل ايران والسفارة الاميركية مع البعض الاخر. لذا فأن الحضور العربي في العراق ليس اقل من الحضور الاجنبي كما يتصوره البعض لكن الفرق بين الاثنين ان العرب قد دخلوا من الشباك فيما دخل الاعاجم من الابواب! "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" (الأنفال-30).
|
||||||||||||||||||||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |